في دهاليز السياسة الدولية، تتشابك الخيوط بين القانون والدبلوماسية، حيث تُستخدم العقوبات كأداة للضغط والتأثير. وتُعد العقوبات الأمريكية على سوريا مثالاً حياً على هذا التداخل، حيث فرضت واشنطن قيوداً صارمة على دمشق لأسباب متعددة، منها مكافحة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. ومع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته توجيه أوامره لرفع هذه العقوبات، يبرز التساؤل: ما هي الآليات القانونية والسياسية التي تحكم فرض العقوبات ورفعها؟
ما هي العقوبات الأمريكية على سوريا؟
بدأت العقوبات الأمريكية على سوريا منذ عام 1979، عندما أُدرجت سوريا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. توسعت هذه العقوبات بشكل كبير بعد عام 2011، لتشمل قيوداً على التجارة، وتجميد الأصول، وحظر التعاملات المالية مع كيانات وأفراد محددين. ومن أبرز هذه الإجراءات:
- تجميد الأصول: شملت العقوبات تجميد أصول الحكومة السورية وبعض الكيانات المرتبطة بها.
- حظر الصادرات: منعت الولايات المتحدة تصدير العديد من السلع والخدمات إلى سوريا، خاصة تلك التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
- قيود مالية: حُظرت التعاملات المالية مع مؤسسات مالية سورية، مثل البنك المركزي السوري.
- قانون قيصر: في عام 2019، أُقر «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، والذي فرض عقوبات إضافية على الحكومة السورية وداعميها، بما في ذلك روسيا وإيران، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
كيف تُفرض العقوبات؟
تُفرض العقوبات الأمريكية من خلال آليات قانونية محددة، تشمل:
- الأوامر التنفيذية: يصدر الرئيس الأمريكي أوامر تنفيذية تفرض عقوبات على دول أو كيانات أو أفراد.
- التشريعات «الكونغرسية»: يُقر الكونغرس قوانين تفرض عقوبات، مثل «قانون قيصر».
- مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC): يتبع لوزارة الخزانة الأمريكية، ويُشرف على تنفيذ العقوبات، ويُصدر تراخيص عامة وخاصة تسمح ببعض الاستثناءات.
من يملك صلاحية رفع العقوبات؟
رفع العقوبات يتطلب إجراءات قانونية وسياسية معقدة، تختلف حسب نوع العقوبات، فالعقوبات المفروضة بأوامر تنفيذية: يمكن للرئيس الأمريكي تعديلها أو رفعها بإصدار أوامر تنفيذية جديدة.
أمّا العقوبات المفروضة بقوانين الكونغرس، فيتطلب رفعها تشريعاً جديداً من الكونغرس، أو استخدام الرئيس لصلاحياته في إصدار استثناءات مؤقتة، مثل التراخيص العامة. على سبيل المثال، «قانون قيصر» يتضمن شروطاً محددة لرفع العقوبات، مثل وقف الهجمات على المدنيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة اللاجئين.
اقرأ أيضاً: بين أمريكا والصين: أين تكمن مصلحة سوريا؟
لماذا يُفضل التعامل مع الدول غير المعاقبة؟
بطبيعة الحال، تُشكل العقوبات عائقاً كبيراً أمام التعاملات الدولية، لعدّة أسباب، يبرز في مقدمتها المخاطر القانونية، إذ تخشى الشركات والمؤسسات من التعرض لعقوبات ثانوية إذا تعاملت مع دول أو كيانات معاقبة.
السبب الثاني يتجلى في القيود المالية، حيث تُعيق العقوبات الوصول إلى النظام المالي العالمي، مما يصعّب إجراء التحويلات المالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة السمعة تعد من الأسباب التي تشكل عائقاً في التعامل مع الدول المعاقبة، فقد تتضرر سمعة الشركات التي تتعامل مع دول معاقبة، مما يؤثر على علاقاتها مع شركاء آخرين. لذلك، ولهذه الأسباب كلها، تُفضل الدول والشركات التعامل مع دول غير معاقبة لتجنب هذه التحديات.
معاناة الشعب السوري بسبب العقوبات
على الرغم من أن العقوبات تستهدف الحكومة السورية والكيانات المرتبطة بها، إلا أن الشعب السوري عانى بشكل كبير جداً من تبعاتها، وظهر ذلك بصورة كبيرة، عبر الأزمة الاقتصادية التي فقد ساهمت العقوبات في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد حتى اللحظة، والتي أدّت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل كارثي شكّل خطراً على وحدة البلاد وشعبها.
وكان للعقوبات أثراً كبيراً على القطاع الصحي، إذ عانى الشعب السوري من عدم توفر الأدوية والمعدات الطبية، مما زاد من معاناة المرضى.
بالإضافة لذلك، كان للعقوبات أثر في إعاقة جهود الإغاثة، فقد واجهت المنظمات الإنسانية صعوبات في تقديم المساعدات بسبب القيود المالية والمصرفية. وكانت قد دعت العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية إلى إعادة النظر في العقوبات، لتخفيف معاناة المدنيين.
ختاماً، لا بدّ من القول إن إعلان نوايا رفع العقوبات من قبل دونالد ترامب هو شيء جيّد، لكن الأهم من ذلك أن يتحوّل هذا الرفع إلى أمر واقع عبر قرارات جديدة من المؤسسات الرسمية السياسية والقانونية الأمريكية المعنية بهذه المسألة، ولا شك أن هذه عملية تحتاج وقتاً وجهداً من الفعاليات الأمريكية والسورية المعنية بهذا الأمر، لكن المهم الآن أن تبدأ فعلاً، وألا تطول لأن الشعب السوري والبلاد بأمس الحاجة لعودة الحياة إليها من جديد، وبأسرع وقت ممكن..