أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، قراره رفع العقوبات عن سوريا، وذلك خلال كلمة ألقاها في العاصمة السعودية الرياض، قبيل لقاء مرتقب بينه وبين الرئيس السوري أحمد الشرع.
ويمثل هذا القرار خطوة جوهرية نحو إعادة إحياء اقتصاد أنهكته سنوات من الحرب والعزلة، كما يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، ويدفع عجلة التنمية مجدداً لمختلف القطاعات الحيوية السورية، مما يعزز فرص الاستثمار وإعادة الإعمار.
وقد رحبت دمشق بالقرار واعتبرته “نقطة تحول محورية”، وشهدت شوارعها احتفالات عارمة بهذه المناسبة.
ماذا يعني رفع العقوبات عن سوريا من الناحية الاقتصادية؟
فيما يتعلق بقطاعي الطاقة والكهرباء، اللذين يشكلان الركيزة الأساسية لأي اقتصاد، فإن تعليق العقوبات، ولا سيما الأوروبية منها، يحمل فرصًا وإمكانات كبيرة.
ويشير الخبير الاقتصادي السوري، يونس الكريم، مدير منصة “اقتصادي”، إلى أن هذا التعليق يتماشى مع الترخيص 24 ضمن قانون قيصر، الذي يهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين السوريين في ضوء التغييرات السياسية الأخيرة، ويتيح توريد موارد الطاقة، مثل النفط والغاز، إضافة إلى تسهيل التحويلات الشخصية، مما قد يسهم في الحد من أزمة الكهرباء في البلاد.
ويوضح الكريم أن الدولة السورية باتت قادرة على إبرام عقود لتطوير إنتاج الكهرباء، خاصة أن جزءًا كبيرًا من محطات التوليد يعتمد على تقنيات أوروبية، الأمر الذي يسهل الحصول على قطع الغيار والتكنولوجيا اللازمة لتحسين كفاءتها التشغيلية، دون الاستعانة بطرف ثالث لتنفيذ بعض المشاريع.
أما فيما يتعلق بالنفط، فيرى الباحث في الاقتصاد السياسي، حسن المروان، أن تعليق العقوبات قد يشكل فرصة أمام شركات أوروبية كبرى، مثل “شل” و”توتال”، للعودة إلى الاستثمار في الحقول السورية، خصوصًا في مناطق مثل الرميلان وعمر.
ويؤكد المروان أن التحدي الأبرز يكمن في ضرورة ضمان سيطرة الدولة السورية على المناطق الغنية بالثروات النفطية، لضمان الاستفادة الكاملة من رفع العقوبات، إلى جانب الحاجة الملحة لإعادة تأهيل الآبار المتضررة لضمان استئناف الإنتاج بفاعلية.
قطاع النقل والبنوك وفتح الأسواق: آمال معقودة على الاستثمار
بالنسبة لقطاع النقل، ولا سيما الطيران، يرى الخبراء المختصين أن هذا القرار سيمنح سوريا فرصة الاستفادة من الشركات الراغبة في تزويدها بقطع غيار الطائرات والمساهمة في تطوير هذا القطاع الحيوي.
كما سيسهم في جزء منه إلى تسهيل عودة اللاجئين الطوعية، وربما الأهم، إزالة العوائق أمام الشركات الأوروبية الساعية للاستثمار في سوريا، خاصة إذا ما طرحت مؤسسات الدولة للخصخصة، وذلك لمنافسة قوى اقتصادية أخرى مثل الصين وتركيا.
أما بالنسبة إلى إزالة القيود المفروضة على البنك المركزي السوري، فإن ذلك سيدعم إجراء معاملات مالية دولية مباشرة واسعة النطاق، إلى جانب إنعاش قطاع البنوك وتعزيز تواجده في المشهد الاقتصادي العربي والعالمي.
ويرى خبراء أن قرار رفع العقوبات الأميركية سيحدث تحولًا جذريًا في الاقتصاد السوري، حيث سيسمح بفتح الأسواق أمام البضائع والسلع الأساسية، مما يسهل الحصول على المواد الغذائية والدوائية”، كما سيفتح المجال أمام مشاريع إعادة الإعمار التي تحتاجها البنية التحتية المتضررة من النزاع، بما يشمل بناء المدارس والمستشفيات والطرق”.
اقرأ أيضاً: مجلس استشاري جديد … هل يكون مفتاح إصلاح النقل في سوريا؟
انفراجة رقمية وتجارية: وداعاً لعزلة الإنترنت وقيود الخدمات
يرى خبراء الاقتصاد أن أولى انعكاسات رفع العقوبات ستتمثل في إنهاء العزلة الرقمية التي فرضت على سوريا لسنوات، فالتخلص مما كان يعرف بـ”وداعًا VPN” يشكل تحولًا اقتصاديًا بالغ الأهمية، حيث أن القيود المفروضة على تصدير البرمجيات والخدمات التقنية، إضافة إلى تقييد الوصول إلى الخدمات السحابية ومنصات الدفع الإلكتروني، كانت تشكل عقبة رئيسية أمام نمو قطاع الأعمال والتجارة الإلكترونية.
ومع بدء بإزالة هذه العقوبات، يتوقع الخبراء انتعاشًا في استخدام منصات التعليم والعمل عن بُعد، فضلاً عن سهولة الوصول إلى متاجر التطبيقات العالمية ومنصات الألعاب الإلكترونية، إضافة إلى إمكانية شراء العملات الرقمية، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب السوري ويعزز النشاط الاقتصادي.
إلى جانب القيود المفروضة على البنية التحتية للاتصالات والخدمات المشفرة، شكلت القيود على التحديثات الأمنية والمعاملات المالية الدولية عائقًا كبيرًا أمام حركة الشركات السورية، ومع رفع هذه القيود، يصبح بإمكان شركات الاتصالات تطوير بنيتها التحتية وتعزيز قدرتها التشغيلية، إلى جانب تسهيل التبرعات الإلكترونية وتيسير عمليات التصدير وإعادة التصدير.
كما يتيح القرار استخدام أدوات التطوير والاستفادة من خدمات البث الترفيهي وتحديد المواقع، مما سينعكس إيجابيًا على مختلف جوانب النشاط الاقتصادي في البلاد.
ختاماً، رغم التفاؤل العام، لا تزال سوريا تواجه عقبات جوهرية تحول دون الاستفادة الكاملة من رفع العقوبات.
ويؤكد الخبراء أن رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، يستلزم، بالتوازي، تشكيل فرق اقتصادية وقانونية متخصصة داخل الحكومة السورية، لضمان الشفافية ومكافحة الفساد، بما يتيح تطبيق هذا القرار في بكفاءة وفعالية في إعادة إعمار البلاد.
كما يتطلب تطوير شبكة من التجار الوطنيين القادرين على إجراء معاملات تجارية خارجية لصالح الدولة، إلى جانب تأمين الأرصدة المالية اللازمة لدعم المؤسسات وتعزيز قدرتها على مواكبة المتغيرات الاقتصادية، وذلك لضمان أن يكون رفع العقوبات خطوة نحو تحقيق سلام دائم واستقرار شامل، وليس مجرد إجراء اقتصادي محدود التأثير.
اقرأ أيضاً: “هدهد” أول منصة سورية متخصصة في تصدير المنتجات المحلية.. ما هي مهامها؟