هنا بدأ معظم لاعبو كرة القدم مسيرتهم الاحترافية، في كرة قدم الشوارع. فوق هذه الشوارع القاسية وغير المعبدة جيداً كانت بداية الأحلام والطموحات التي نجح الكثير منهم بأنه يحولوها لأهداف حقيقية ويصبح أغلبهم نجوم العالم حالياً.
من دون قواعد صارمة ولا قوانين انضباط، هنا يمكن للحائط أن يكون زميلك وأن تمرر له الكرة لكي تتخطى خصمك. هنا التفكير السريع هو سلاحك الوحيد في أصعب المواقف. هذه النسخة من اللعبة الأكثر شعبية في العالم ليست فقط عن المرح والتسلية بل يمكنها أن تكون كما ذكرنا النواة الحقيقية لمستقبل الكثير من لاعبي هذه اللعبة، يكفي أن يحصل خمسة أشخاص على شارع فاضي من ازدحام الناس مع صخرتين لتشكيل المرمى، حتى تقام واحدة من أمتع أنواع الرياضات مهما تطورت أشكالها مع الزمن.
أصل كرة قدم الشوارع
العديد من الأساطير مثل بيليه ودييغو مارادونا ونيمار صقلوا مهاراتهم في الشوارع، حيث كانوا يلعبون في مساحات ضيقة يتجنبون فيها الخصوم والعقبات، مما أجبرهم على تطوير أقدام سريعة وعقول حادة.
ما زالت كرة القدم الشوارع شائعة حتى اليوم، سواء في أحياء البرازيل الفقيرة أو ملاعب أمستردام أو أحياء أفريقيا، حيث يلعب الأطفال في أي مكان متاح. تعلم الشوارع مهارات يصعب على التدريب التقليدي تعليمها، فهي تجبر اللاعبين على التفكير بسرعة، واتخاذ القرارات في لحظات، والارتجال تحت الضغط.
في مساحات اللعب الضيقة، يطور اللاعبون تحكماً استثنائياً في الكرة من خلال الدريبلينج واللمسة الأولى، كما أن غياب التكتيكات الصارمة يطلق العنان لإبداعهم لتجربة حركات جديدة وخدع مذهلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وتيرة المباريات السريعة تعزز الوعي الميداني ووقت رد الفعل، بينما يكتسب اللاعبون ثقة كبيرة تمكنهم من مواجهة المدافعين دون خوف.
اليوم، تحاول أفضل الأكاديميات الرياضية محاكاة بيئة كرة القدم الشوارع في تدريباتها، سعياً منها لتنمية البراعة والإبداع لدى اللاعبين، تماماً كما تفعل الشوارع.
أهم ثلاث فوائد لهذا النوع الرياضة
تساعد كرة قدم الشوارع لاعبيها على زيادة الثقة بأنفسهم أكثر وأكثر. كرة القدم الشارعية، مثل كرة الصالات والاحتراف في التمريرات الحرة، تساعد على تعزيز الإبداع والتعبير عن الذات دون خوف من الفشل. لكن بمجرد أن تلتزم باللعب مع لاعبين عشوائيين – سواء كانوا أفضل منك أو أقل مهارة – ستتعرف على شخصيات متنوعة، وهو أمر مفيد جداً. فهذه التجارب لا تعلمك فقط كيفية التعامل مع أنواع مختلفة من الأشخاص داخل الملعب، بل تمدك بمهارات حياتية يمكنك تطبيقها في مواقف أخرى خارج عالم كرة القدم.
كلنا نعرف ذلك الشعور الممتع عندما تخترق الكرة بين قدمي صديقك، أو عندما تسدد كرة مموجة من على بعد عدة امتار عن المرمى الصغير الذي يكون بدون شباك عادةً. لكن الحقيقة وراء تنفيذ هذه الحركات ببراعة تكمن في امتلاك عقلية واثقة وقوية. وأعتقد أن الممارسة المستمرة للعب في الشوارع يمكن أن تُغرس هذه العقلية في اللاعب، لينقلها بعد ذلك إلى ملعب كرة القدم التقليدي (11 ضد 11) أو أي نوع آخر من الملاعب.
أشهر اللاعبين الذين مروا على كرة القدم الأوربية مروا بهذه المرحلة أو مارسوا هذا النوع من كرة القدم، ولعل أبرزهم ومن يمارسون اللعبة حالياً، رياض محرز النجم الحالي لـ أهلي جدة السعودي واللاعب السابق لمانشستر سيتي أيضاً. لطالما أكد رياض محرز أن براعته في التحكم بالكرة وخفة حركته ومهاراته في المراوغة تعود إلى أيام لعبه كرة الشوارع في صغره. حيث صرح قائلاً:
“عندما تمتلك هذه المهارات يصعب اللعب أسهل. الأمر كله يتعلق بالتكنيك، التحكم، والمراوغة وهذه الأمور تعلمتها من كرة الشوارع.“
كما أشار محرز إلى حقيقة أساسية نؤكد عليها دائمًا في “من الشارع إلى الملعب”: “عندما تتدرب على المهارات في الشارع، تصبح أكثر استعدادًا للعب في الملاعب الكبيرة أمام لاعبين محترفين.”
هذه الشهادة من أحد نجوم الكرة العالمية تؤكد أن الشوارع تبقى أفضل مدرسة لصناعة المواهب الحقيقية. ففي تلك الملاعب العشوائية، حيث تكون المساحات ضيقة والتحركات سريعة، تُبنى أساسيات اللاعب المبدع الذي لا يهاب المواجهات الكبيرة.