في خضم المعارك الحياتية يظهر دور الإعلام وأدواته لنقل الحقائق الكاملة، لكن هذا الدور قد يتحول في الأيدي غير الأمينة إلى كارثة تقع على الشعوب، وخصوصاً عند تبني خطاب الكراهية الذي يعزز الغضب والانقسام، ومن هنا يأتي دور الإعلام الحكومي لنبذ هذا الخطاب وتعزيز الوفاق و الخطاب الوطني الجامع.
هذا ما أكد عليه وزير الإعلام حمزة المصطفى خلال لقاءه أعضاء من المنتدى السوري برئاسة غسان هيتو، وأشار الوزير إلى ضرورة مواجهة الأخبار المضللة والخطابات الطائفية التي تعزز التفرقة والكراهية، لكن هناك تحديات تواجه وزارة الإعلام في هذا الخصوص، إذ أن حسابات حكومية كثيرة غير موثقة بسبب العقوبات المفروضة على سوريا، مما يساهم في تداول الشائعات.
وتطرق وزير الإعلام إلى واقع الوزارة خلال حقبة النظام وأشار إلى أن الضعف التشغيلي والتقني كان متغلل في مفاصل الوزارة، لكن مقارنة باليوم الوضع أفضل فتشهد الوزارة الآن جملة من التطورات على كافة الأصعدة، والجهود الكبيرة المبذولة ظهرت نتائجها بإطلاق الإخبارية السورية من جديد وبكادر شبابي متمكن.
كما تحدث الوزير المصطفى على الخطط الاستراتيجية القادمة لعمل وزارة الإعلام، وقال أنهم يعملون على إنشاء مجموعات إعلامية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، ومواجهة التحديات التي تعترض الإعلاميين والعمل الإعلامي كالبيوقراطية، وتحسين الأداء الإعلامي باستمرار لمواجهة معوقات المرحلة الانتقالية في سوريا.
ومن ناحية أخرى حذر المصطفى من الشائعات والأخبار المضللة وتأثيرها على الرأي عام، مؤكداً أن الشائعات تطال أهم وأكبر الدول العالمية، لكن اليوم تعيش سوريا فترة انتقالية صعبة، ومواجهة هذه الشائعات تمثل تحدي كبير أمام الوزارة.
ونشر على حسابه في منصة X: “لم يعد خافياً على أحد الخطر الداهم الذي يواجه سوريا حالياً، وهي تخطو طريقها نحو الاستقرار والترسّخ السياسي، مع وجود مئات آلاف الحسابات الوهمية التي تعمل ليل نهار لتعزيز الاستقطاب والشرخ المجتمعي “.
من جهته أكد رئيس المنتدى السوري غسان هيتو أن المنتدى سيعمل على خمس مسارات رئيسية في عمله، تشمل التعليم، التمكين الاقتصادي، السياسات العامة، المناصرة الدولية، والمشاريع الخدمية والتنموية.
وفي ختام اللقاء، أكد وزير الإعلام على ضرورة مواجهة كافة التحديات وعلى رأسها خطاب الكراهية عبر اتباع استراتيجيات الدول التي عاشت حقبة حرب وفترة انتقالية مثل سوريا، وأشار إلى ضرورة رفع وعي الشعوب وإقناعها بوجود طرق سلمية لحل النزاعات السياسية، ونبذ الطائفية وخطاب الكراهية.
اقرأ أيضاً: ما وراء الشاشة: كيف تُشعل جيوش رقمية الصراع الطائفي في سوريا؟
دور الإعلام والجهات الحكومية في إسكات خطاب الكراهية
هناك الكثير من الدول مرت بتجارب سطع فيها خطاب الكراهية والطائفية والعنف، لكن كُبِح جماح هذا الخطاب بدايةً عبر الحكومة التي فرضت قوانين صارمة، وتعاملت مع الموضوع بحزم مع كل شخص يتخطى القانون.
ومن هذه الدول التي واجهة خطاب الكراهية ألمانيا التي استقبلت خلال الحرب السورية مئات آلاف من السوريين بكافة طوائفهم ودياناتهم، فقد أقرت ألمانيا قانون “NetzDG” الذي يلزم منصات التواصل الاجتماعي بإزالة المحتوى الذي يحض على الكراهية خلال 24 ساعة من الإبلاغ عنه، مع فرض غرامات تصل إلى 50 مليون يورو في حال عدم الامتثال، كما تم تعزيز هذا القانون في عام 2020 ليتضمن إلزام المنصات بإبلاغ الشرطة عن المحتوى المتعلق بالنازية أو التهديدات الخطيرة.
أما في كندا يُعد التحريض العلني على الكراهية ضد أي “مجموعة محددة” جريمة يعاقب عليها القانون إما بعقوبة أقصاها السجن لمدة عامين، أو كجريمة إدانة موجزة بعقوبة أقصاها السجن لمدة ستة أشهر، ويستثنى من العقوبة حالات التصريحات بالحقائق، ومواضيع النقاش العام والعقيدة الدينية، وتم إقرار قانون تجريم خطاب الكراهية عام 1990.
في حين لم يكن في الجزائر قانون رسمي أو واضح يحظر خطاب الكراهية في قانون العقوبات الجزائري، لكن في 8 نيسان عام 2020 أصدرت الحكومة قانون رقم 20/05 يحظر التعصب وخطاب الكراهية ويكافحهما.
وفي نفس السياق قامت العديد من الدول بالتعاون مع الأمم المتحدة بالتوجه نحو تدريب الإعلاميين لتدريبهم على التعرف على خطابات الكراهية، وتطوير إنتاج سرديات تعزز السلام والحب، ومن هذه الدول كينيا فقد واجه فيها المعارضون عقب الانتخابات الكينية خطاب الكراهية، ثم قامت الحكومة الكينية بالتعاون مع منظمة اليونسكو على تنظيم “هاكاثون موبايل السلام”، ساهمت فيه الفتيات تطبيقات مثل “Jihusishe” و “Data for Peace لنشر رسائل السلام ومكافحة خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما ضمت تدريب الصحفيين على رصد هذه الخطابات ومواجهتها.
في النهاية يجب أن يكون هناك رغبة حقيقية لدى الحكومة السورية في نبذ العنف ومواجهة خطاب الكراهية والطائفية عبر المضي قدماً في المسار القانوني وسن التشريعات التي تجرم خطاب الطائفية، والعمل على المسار الإعلامي والمجتمعي عبر رفع الوعي واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة تحديات الواقع الحالي.
اقرأ أيضاً: بعد أحداث السكن الجامعي.. ما هو السلم الأهلي وكيف يمكن الحفاظ عليه؟