وفقاً لتقارير إعلامية وتصريحات غير رسمية، خطوات مستقبلية ترسمها الحكومة السورية لتغيير عملتها بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية وتخفيف الاتحاد الأوروبي لعقوباته في وقت سابق، ومنها اعتزامها طباعة العملة الجديدة في الإمارات وألمانيا بدلاً من روسيا، وقد تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لبعض هذه العملات.
ومن هؤلاء الناشطين موسى العمر المقرب من الحكومة السورية، فقد ظهر بفيديو وأمامه العديد من فئات العملة السورية الحالية والقديمة، منها فئة 10 ليرات وفئة 25 ليرة وغيرها. ورغم أنّ الأمر تم تداوله بكثرة، وأحياناً من مستشارين محسوبين على الإدارة، فقد نشرت بعض الصفحات الإعلامية نفياً من البنك المركزي للأمر. لهذا سنناقش في هذا المقال الأمر وكأنّه حقيقي، في محاولة استكشاف أبعاده
جاء هذا القرار منذ سقوط النظام السابق، إذ تنقل وفد من الحكومة السورية بين الإمارات وألمانيا لطباعة عملة سوريا جديدة وقد أبدت شركة “بوندسدر وكيري Bondsder and Kerry” المدعومة من الدولة وشركة “جيسيك+ديفرينت Jessic+Diffrent” الخاصة اهتماماً، حسبما قال مصدر سوري ومسؤول أوروبي، لكن لم يتضح أيهما قد تطبع العملة، في حين لم تستجب شركة “عملات” الإماراتية بعد.
وكانت قد حافظت الحكومة السورية الجديدة على علاقتها بروسيا التي استمرت بطبع العملة السورية للنظام السوري السابق خلال فترة الحرب، كما قدمت شحنة من المال والقمح في وقت سابق للحكومة الجديدة بعد أن عانت من نقص السيولة بعد سقوط النظام بأيام.
لماذا تفضل الدول طباعة العملة خارج بلدها؟
أولاً لا بد من معرفة ما هي أكبر الشركات التي تطبع عملات معظم بلدان العالم، فتعد شركة دي لا رو De La Rue البريطانية أكبر شركة لتصنيع الأوراق النقدية في العالم، فهي تنتج نقوداً لحوالي 140 بنكاً مركزياً في العالم، في حين تنتج منافستها الألمانية، شركة جيسكي آند ديفرينت Jessic+Diffrent التي توجهت الحكومة السورية إليها لطباعة عملة جديدة أوراقاً نقدية لحوالي 100 بنك مركزي، وأيضاً هناك شركة الأوراق النقدية الكندية وشركة كرين Crane، ومقرهما الولايات المتحدة والسويد، من اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال.
تلجأ معظم البلدان لطباعة عملاتها في الخارج أولاً لأنها مكلفة جداً، وثانياً وجود مثل الشركات السابقة التي لها تاريخ طويل في طباعة العملات وامتلاكهم تكنولوجيا متخصصة ومصداقية متطورة في مجال الأمن، لكن في الوقت نفسه لها مخاطر وتأثيرات سياسية كبيرة.
ما تأثير تغيير مكان طباعة العملة السورية؟
لقرار تغيير مكان طباعة العملة السورية من روسيا إلى الإمارات وألمانيا مؤشرات سياسية كبيرة، منها تقليص الدور الروسي وفتح المجال لتوطيد العلاقات مع الغرب والدول العربية، فطباعة العملة ممكن أن تستخدم كورقة ضغط ضد الحكومات من الدول التي تطبع هذه العملات في حال الخلافات، ونتذكر بذلك ليبيا في عام 2011 عندما احتجزت حكومة المملكة المتحدة حوالي 1.86 مليار دينار (929 مليون جنيه إسترليني)، وطبعت شركة دي لا رو حوالي 140 مليون جنيه إسترليني منها، مما تسبب في نقص الأوراق النقدية في اللحظات الأخيرة للعقيد معمر القذافي في السلطة، ولعل هذا ما يأخذنا لنتيجة أن تعاون النظام السوري السابق مع روسيا أدى إلى استمرار تدفق العملة السورية طيلة فترة الحرب.
كما يُخشى على الاقتصاد السوري من حالة التضخم إذا طبعت الشركة المصنعة أكثر مما هو مطلوب، دون إذن من البنك المركزي، مما يؤدي إلى زيادة إمداد الاقتصاد بالنقود، مما يعطي نتيجة عكسية وغير مرغوب بها، بالإضافة إلى الخطر الأمني فقد تكون الجهة الأجنبية التي تطبع النقود على دراية بالميزات الأمنية لورقة نقدية معينة، مما يجعل من الممكن إنتاج أوراق نقدية مزورة.
مستقبل العملات في السنوات القادمة
إذا أردنا الحديث عن سوريا فهي بلد ينهض من واقع اقتصادي أليم بعد حرب دامت لأكثر من عقد، قد تستطيع الحكومة السورية أن تستغل هذا الانهيار في الاقتصاد لصالح بناء أسس اقتصادية سليمة كدخول التكنولوجيا في المعاملات المالية والتداول، فهناك العديد من الدول التي يتقلص استخدام العملات النقدية فيها كالصين مثلاً إذ يقول بنك الشعب الصيني إن 10% فقط من المدفوعات في قطاع التجزئة تمت نقداً في عام 2016 بسبب زيادة المدفوعات عبر الهاتف المحمول.
ومن ناحية أُخرى تعمل الحكومة السورية جاهدة على تطوير الاقتصاد الرقمي لتسهيل حياة المواطنين، وتأخذ خطوات جادة نحو رقمنة كل العمليات المالية، ومن هذه الخطوات منصة هدهد الإلكترونية بالتعاون مع وزارة الاقتصاد بهدف ربط المنتجات السورية بالأسواق العالمية وتسهيل عمليات التصدير تعد هذه المنصة خطوة استراتيجية لتعزيز التجارة الخارجية وتوفير بوابة رقمية متكاملة للمصدرين السوريين، ومشروع “أوغاريت 2” بالتعاون مع شركة UNIFI الأمريكية وهيئة الاتصالات القبرصية الذي يهدف إلى تحديث كابل الإنترنت البحري، مما يعزز من قدرات الاتصال ويدعم الاقتصاد الرقمي في البلاد.
بكل الأحوال مهما تقدمت بلدان العالم ووصلت إلى مستويات عالية من رقمنة الاقتصاد تبقى الحاجة إلى وجود العملة النقدية، في الوقت الحالي على الأقل، لكن في سوريا التحدي الآن تحويل البلد إلى بلد متقدم تكنولوجياً يستخدم العملة الورقية بشكل أقل.
اقرأ أيضاً: كيف سيؤثر قرار رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟
