الكاتب: أحمد علي
بعد سنوات من العزلة الاقتصادية، شهدت دمشق تطوراً لافتاً في نيسان 2025، حين أعلنت المملكة العربية السعودية ودولة قطر عن سداد متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، والتي بلغت نحو 15.5 مليون دولار. وهذا السداد لم يكن مجرد تسوية مالية، بل فتح الباب أمام سوريا لاستئناف علاقاتها مع المؤسسات المالية الدولية، مما يثير تساؤلات حول الخطوات المقبلة، خاصة فيما يتعلق بـ الاقتراض من البنك الدولي.. فهل ستقترض سوريا أم لا؟ وهل الاقتراض شيء مفيد؟ بماذا تفيد التجربة المصرية؟ وما الأجدى لحل الأزمة الماثلة في البلاد اليوم؟ أسئلة سنجيب عنها في هذا المقال..
سوريا والبنك الدولي: تسوية الديون
أعلنت السعودية وقطر مؤخراً في بيان مشترك عن سداد متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، مما جعل دمشق مؤهلة مجدداً للحصول على تمويلات جديدة لدعم إعادة الإعمار وتعزيز الموازنة. وفيما بعد قال البنك الدولي إن سوريا باتت مؤهلة مجدداً للحصول على تمويلات جديدة، بعد تسوية متأخرات مستحقة بقيمة 15.5 مليون دولار دفعتها السعودية وقطر.
وفي بيان له، أعلن البنك الدولي أنه اعتباراً من 12 أيار 2025، «لم تعد هناك أية أرصدة متبقية ضمن اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية للجمهورية العربية السورية»، ما يعني تسوية المتأخرات بشكل كامل.
وقد جاءت هذه الخطوة نتيجة لمباحثات جرت خلال اجتماع الطاولة المستديرة الخاصة بسوريا، والتي عُقدت على هامش اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتمثّل هذه المشاركة أول ظهور رسمي لسوريا في المنظومة المالية والاقتصادية العالمية منذ سنوات، إذ شهدت الاجتماعات تخصيص جلسة طاولة مستديرة لدعم الاقتصاد السوري، بدفع سعودي وحضور عدد من مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية إلى جانب ممثلين عن عدة دول.
التصريحات الحكومية تجيب..
في مقابلة مع قناة «الشرق» بتاريخ 21 أيار 2025، صرّح وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، بأن الحكومة السورية لا تنوي حالياً الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وأشار إلى أن التركيز الحالي ينصب على تهيئة بيئة جاذبة للاستثمارات وتمكين القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد، مؤكداً أن برامج الإصلاح تُعد وتُشرف عليها الحكومة السورية، مع الاستفادة من الخبرات الفنية المتاحة من المؤسسات الدولية والإقليمية وبعض الدول العربية.
وفي تصريحات أخرى، أوضح برنية أن سوريا لا تسعى لطلب قروض من المؤسسات الدولية، بل تركز على الحصول على «الدعم الفني وبناء القدرات ونقل المعرفة»، للمساهمة في دعم جهود الإصلاح الاقتصادي واستعادة مسار التعافي.
هذا وكانت قد أشارت بعض المواقع العربية نقلاً عن لسان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد أن التقى هو وفريقه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، أن الأخير قال لميقاتي: «لن نقترض فرنكاً واحداً من صندوق النقد.. شوفوا مصر شو صار فيها».
التجربة المصرية: دروس وعبر
لذلك، وفي هذا السياق، من المفيد الإضاءة على تجارب دول أخرى في عملية الاقتراض من المؤسسات الدولية، وكي لا نذهب بعيداً فإن التجربة المصرية حاضرة بقربها ونتائجها وتفاعلاتها، إذ تُعد مصر من أبرز الدول التي تعاملت مع صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة. ففي كانون الأول 2024، أعلنت الحكومة المصرية التوصل إلى اتفاق مع الصندوق بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الممدد، مما أتاح لها الحصول على شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار.
إلا أن هذه القروض لم تكن دون ثمن، حيث فرضت شروطاً قاسية تضمنت تخفيضات في الدعم الحكومي ورفع أسعار الخدمات، مما أثار استياءً شعبياً واسعاً، وفاقم من سوء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ومنذ توقيعها أول اتفاق مع صندوق النقد الدولي في عام 2016، دخلت مصر في سلسلة من برامج الإصلاح الاقتصادي التي شملت قروضاً كبيرة وإجراءات تقشفية. ورغم تحقيق بعض المؤشرات الإيجابية، إلا أن هذه البرامج أثرت سلبًا على الاقتصاد المصري والمواطنين.
وأبرز الآثار السلبية للاقتراض من صندوق النقد الدولي على مصر كان ارتفاع معدلات التضخم، حيث شهدت مصر معدلات تضخم مرتفعة، وبلغ التضخم السنوي في تموز 2023 حوالي 36.5%، مدفوعاً بزيادة أسعار الغذاء والوقود نتيجة تخفيض قيمة الجنيه ورفع الدعم عن بعض السلع.
كذلك، ارتفع الدين الخارجي لمصر بشكل كبير، حيث بلغ 160.6 مليار دولار بنهاية آذار 2024، مما زاد من أعباء خدمة الدين على الموازنة العامة. وتباطأ النمو الاقتصادي في بعض الفترات، حيث سجلت مصر نمواً بنسبة 2.4% في السنة المالية 2023-2024، منخفضاً من 3.8% في السنة المالية السابقة.
فيما تعمل مصر حالياً على تنفيذ المراجعة الخامسة لبرنامج صندوق النقد الدولي، والتي من المتوقع أن تتيح صرف شريحة جديدة من القرض. وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى تقليل الاعتماد على القروض الخارجية من خلال تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنفيذ إصلاحات هيكلية لتحسين بيئة الأعمال.
خيارات أخرى متاحة
في ظل التحديات المرتبطة بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، تبحث الدول عن بدائل تمويلية أقل ارتباطاً بالشروط القاسية. من بين هذه البدائل بنوك التنمية الإقليمية: مثل بنك التنمية الإفريقي (AfDB) والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، التي تقدم تمويلاً للمشروعات التنموية في مناطقها الجغرافية المحددة المعروفة بفترات السماح الطويلة.
كذلك يمكن التعامل مع «بنك التنمية الجديد» المعروف بكونه الذراع المصرفية لتكتل «بريكس» المناهض للمؤسسات الغربية، الذي تأسس في عام 2015، والذي يضم دولاً مثل الصين وروسيا والهند، ويقدم قروضاً بمرونة أكبر وشروط أقل صرامة.
ما الأجدى لسوريا اليوم؟
ختاماً، يمكن القول إن تجارب الدول مع الاقتراض من صندوق النقد الدولي تُظهر أن هذه القروض غالباً ما تكون مشروطة بإصلاحات اقتصادية وسياسية تتجاوز حدود السيادة الوطنية وتفرض ضغوطاً على المواطنين. ولهذا، من الأجدى للحالة السورية التركيز على جذب الاستثمارات الخارجية، -وهذا ما تفيد به التصريحات المختلفة للحكومة الحالية والذي يبدو أنه توجهاً أساسياً لها- وكذلك سيكون من المفيد دعم قطاعات الإنتاج الحقيقية في البلاد لتعود عجلة الحياة والاقتصاد فيها للدوران..
اقرأ أيضاً: «ساخر» يتساءل: هل ستلوي الحكومة السورية يد صندوق النقد الدولي؟!