في بلد أثقلت كاهله الأزمات الاقتصادية والعقوبات الدولية، وأصبح حلم تحسين الرواتب يراود أكثر من مليون موظف حكومي، هبّت نسائم دعم خارجي قد تعيد الحياة إلى جيوب المواطنين. وجاء الخبر من الدوحة، حيث أعلنت قطر عن تخصيص منحة مالية لدفع جزء من رواتب موظفي القطاع العام في سوريا، ما أعاد إشعال بصيص الأمل بزيادة طال انتظارها، قد تصل إلى 400% خلال الأشهر المقبلة.
بحسب مصدر مالي سوري تحدث لوكالة «رويترز»، فإن المنحة القطرية الجديدة تستهدف رفع الأجور بنسبة ضخمة تقدر بـ 400%، على أن يبدأ صرفها بشكل تدريجي اعتباراً من الشهر القادم. التمويل، الذي يوصف بـ«المشروط»، سيُخصص فقط للموظفين المدنيين في القطاع العام، مستثنياً وزارتي الداخلية والدفاع، في خطوة تعكس – بحسب المصدر – مخاوف بعض الأطراف الغربية من استغلال الأموال في تعزيز القدرات الأمنية للنظام الحالي.
ما قاله وزير المالية: تفاصيل وإشادات
بدوره، أكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية «سانا»، أن المنحة القطرية ستغطي جزءاً مهماً من فاتورة الرواتب التي تبلغ شهرياً نحو 29 مليون دولار. وأوضح أن المنحة تمتد لثلاثة أشهر قابلة للتمديد، لافتاً إلى أنها ستُخصص لقطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى المتقاعدين من غير العسكريين.
اللافت أن الوزير أشار إلى أن المنحة استُثنيت من العقوبات الأميركية، مشيداً بسرعة استجابة وزارة الخزانة الأميركية في تسهيل الإجراءات، وهو ما وصفه بأنه «خطوة تعزز الثقة وتخفف من وطأة العقوبات»، معرباً عن أمله في أن تتبعها خطوات إضافية تعمّق التعاون.
اقرأ أيضاً: البروفسور عوض لـ «سوريا اليوم 24»: لا خلاص إلا بنموذج سوري نكتبه بأخطائنا
ضوء أخضر أمريكي ورقابة أممية
من الناحية الإجرائية، سيتولى إدارة المنحة الجديدة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي سيشرف على آليات التوزيع والرقابة. وبحسب الوزير برنية، فإن هذه الخطوة تعزز الشفافية وتضمن وصول الأموال إلى مستحقيها دون عراقيل، مؤكداً أن الحكومة السورية مستمرة في جهود الإصلاح المالي لتعزيز الثقة في المنظومة الاقتصادية.
وفي سياق متصل، كشفت «رويترز» نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة أعطت موافقتها على المبادرة القطرية، مما أتاح لقطر – أحد أبرز الداعمين للرئيس السوري أحمد الشرع – المضي قدماً بعد فترة من التردد بانتظار الموقف الأميركي. المصادر أكدت أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بصدد إصدار خطاب رسمي يعفي المبادرة من العقوبات، ما يعزز فرص نجاحها.
عقبات ما بعد الثلاثة أشهر
ورغم التفاؤل الذي أثارته هذه المبادرة، يرى خبراء أن نجاحها يعتمد على سرعة تنفيذها وشفافية آليات الرقابة. كما أن استمرار الزيادة المرتقبة في الرواتب سيبقى رهناً بقدرة الحكومة السورية على تأمين تمويل مستدام، سواء عبر تجديد الدعم القطري بعد انتهاء الأشهر الثلاثة الأولى، أو من خلال إيجاد مصادر بديلة لتمويل العجز في فاتورة الأجور.
يُذكر أن الحكومة السورية السابقة برئاسة محمد البشير كانت قد وعدت بزيادة الرواتب بنسبة 400% مع بداية العام الجاري، إلا أن هذه الزيادة تم تأجيلها إلى شباط، قبل أن يتم تجميد الحديث عنها تماماً بعد إعلان رسمي بأن الملف بات بيد الحكومة الانتقالية الحالية، التي تولت السلطة أواخر شهر آذار الماضي.
آراء وتحليلات..
تباينت آراء المحللين والخبراء السوريين حول المنحة القطرية المقدمة لسوريا بقيمة 87 مليون دولار، والمخصصة لدفع رواتب موظفي القطاع العام المدني، حيث اعتبرها البعض خطوة إيجابية نحو تحسين الوضع المعيشي، بينما رأى آخرون أنها إجراء مؤقت لا يعالج جذور الأزمة الاقتصادية
فالخبير الاقتصادي فراس شعبو وصف المنحة بأنها «إسعافية» وذات أثر سياسي أكبر من الاقتصادي، مشيراً إلى أن المبلغ يغطي نحو 25% فقط من إجمالي كتلة الرواتب في سوريا. وأكد أن الاقتصاد السوري بحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة البناء، وأن هذه المنحة لن تُحدث تغييراً بنيوياً في الاقتصاد، لكنها قد توفر استقراراً مالياً مؤقتاً في بعض القطاعات الحيوية
من جهته، أعرب الموظف في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في حمص، عامر الحميد، عن تفاؤله بالمنحة، معتبراً أنها خطوة إيجابية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الموظفون في سوريا. وأشار إلى أن زيادة الرواتب قد تشجع الموظفين على العمل بجدية أكبر وتمنحهم ثقة بأن الأيام القادمة قد تكون أفضل.