في خطوةٍ تاريخيةٍ طال انتظارها، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) في 12 أيار 2025 عن حلّ نفسه رسمياً، منهياً بذلك أربعة عقودٍ من الصراع المسلح مع الدولة التركية. وهذا الإعلان جاء استجابةً لنداءٍ من زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان، الذي دعا إلى إنهاء الكفاح المسلح واعتماد الحلول السياسية والديمقراطية.
تأسس حزب العمال الكردستاني في 27 تشرين الثاني 1978 بقيادة عبد الله أوجلان، وكان هدفه الأساسي إقامة دولة كردية مستقلة. بدأ الحزب نشاطه المسلح في 15 آب 1984، مستهدفاً القوات التركية. وعلى مدار السنوات، تطورت أيديولوجية الحزب من الماركسية اللينينية إلى تبني مفهوم «الكونفدرالية الديمقراطية»، الذي يركز على الحكم الذاتي، والبيئة، والمساواة بين الجنسين.
الصراع مع الدولة التركية: عقود من الدماء
منذ بداية النزاع، قُتل أكثر من 40,000 شخص، معظمهم من المدنيين الأكراد. شهدت التسعينيات تصعيداً كبيراً في العنف، مع اتهامات متبادلة بين الطرفين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. ورغم محاولات السلام، أبرزها «عملية الحل» بين 2013 و2015، إلا أن الصراع استمر حتى إعلان الحزب عن حله في 2025.
إعلان الحل: الأسباب والدوافع
في شباط 2025، وجّه أوجلان نداءً من سجنه يدعو فيه إلى حل الحزب وإنهاء الكفاح المسلح. استجاب الحزب لهذا النداء، وأعلن في 1 آذار 2025 عن وقف إطلاق النار، ثم أعلن عن حله في 12 أيار 2025 خلال مؤتمرٍ عقد في شمال العراق. وأشار الحزب إلى أن «القضية الكردية يمكن حلها من خلال السياسة الديمقراطية».
ولاحقاً للإعلان، رحّبت الحكومة التركية بهذا الإعلان، واعتبره الرئيس رجب طيب أردوغان «خطوة مهمة نحو تركيا خالية من الإرهاب». ورغم الإعلان عن حل الحزب، لا تزال هناك تحديات، مثل ضمان تنفيذ عملية نزع السلاح بشكلٍ فعّال، وإعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع، وتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية تعترف بحقوق الأكراد. كما أن العلاقات بين تركيا والقوى الكردية في سوريا والعراق ستظل محوراً مهماً في المرحلة المقبلة.
اقرأ ايضاً: تحت المجهر: حول ماذا دار الحديث بين «قسد» وفرنسا في أربيل؟!
تسليم السلاح: الآلية والمراحل
وفقاً للتقارير، سيتم تسليم أسلحة مقاتلي الحزب في عدة مواقع محددة في شمال العراق، تشمل مناطق في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية. من المتوقع أن يتم هذا التسليم تحت إشراف مشترك من قبل السلطات العراقية والكردية، بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات التركي (MIT).
وتتضمن الخطة إعادة دمج المقاتلين الذين لا توجد بحقهم سجلات جنائية في تركيا، بينما قد يتم نقل القادة البارزين إلى دول ثالثة، فيما يُتوقع أن تستغرق عملية نزع السلاح وتنفيذها الكامل ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر.
تأثير حل الحزب على المشهد السوري
أحدث إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حل نفسه صدى واسعاً في المشهد السوري، خاصةً بين القوى الكردية وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). فقد رحّب قائد قسد، مظلوم عبدي، بهذه الخطوة، معتبراً إياها «جديرة بالاحترام» ومؤكداً أنها «ستمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من السياسة والسلام في المنطقة».
وهذا الإعلان قد يُسهم في تخفيف الضغوط التركية على قسد، إذ تعتبر أنقرة الأخيرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وفي حال انسحاب القيادات المرتبطة بالحزب من الأراضي السورية، قد يمنح ذلك الأكراد السوريين فرصة أكبر للمشاركة في إعادة تشكيل مستقبل سوريا سياسياً.
وعلى الصعيد السياسي، كانت قد توصلت قسد والحكومة السورية في آذار 2025 إلى اتفاق يقضي بدمج القوات الكردية في مؤسسات الدولة، مع الاعتراف بحقوق الأكراد والمشاركة في العملية السياسية. وهذا الاتفاق رغم ما يعانيه من عقبات وتحديات كبرى حتى الآن؛ قد يُسهم في تعزيز الاستقرار في شمال شرق سوريا، خاصةً إذا ما تم تنفيذه بشكل فعّال في مستقبل الأيام.
لكن مع ذلك، تبقى التحديات قائمة، خاصةً في ظل التوترات المستمرة بين تركيا والقوى الكردية في سوريا. فأنقرة تطالب بحل جميع الجماعات المرتبطة بـ PKK، بما في ذلك قسد. وفي حال عدم تحقيق تقدم ملموس في هذا الاتجاه، هنالك تحدي واقعي مرتبط باستمرار العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، مما يُهدد الاستقرار في سوريا والمنطقة.
في المجمل، يُمثل حل حزب العمال الكردستاني فرصة لإعادة ترتيب الأوراق في سوريا والمنطقة، خاصةً بالنسبة للقوى الكردية. لكن نجاح هذه الفرصة يعتمد على مدى التزام جميع الأطراف بالحلول السياسية وتجنب التصعيد العسكري.