مع انطلاقة سوريا الجديدة انطلق مؤتمر الذكاء الاصطناعي الأول من نوعه في دمشق بحضور وزير الاتصالات، ورئيس محافظة ريف دمشق، ورئيس المنظمة العربية للاتصالات، والاتحاد العربي للتكنولوجيا، وعدد من الشخصيات العربية والعالمية.
يسلط المؤتمر الضوء على أهمية التحول الرقمي في دعم الاقتصاد، واستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير القطاعات الحيوية، وسط اهتمام واضح من الجهات الرسمية والخاصة بهذا المجال، كما يركز على الذكاء الاصطناعي ودوره في تشكيل مستقبل الاقتصاد السوري.
استعرضت العديد من الشركات إمكانياتها وقدراتها في ربط الذكاء الاصطناعي بأدوات تدخل في صلب الحياة اليومية، ومنها شركة BeeOrder التي قدمت رؤيتها لمستقبل التجارة الالكترونية، واستخدمت التقنية لابتكار أداة توصيل حديثة عبر طائرة ذكية تم تجربتها خلال المؤتمر، مما يوعد بتجربة أكثر ابتكاراً وتميزاً في خدمات التوصيل.
ومن خلال مشاركته، أطلق وزير الاتصالات عبد السلام هيكل الجيل الخامس من الاتصالات بشكلها التجريبي، وقال: ” أطلقنا اليوم في دمشق، وبشكل تجريبي، الجيل الخامس من الاتصالات، هناك عمل كبير نقوم به لتطوير الاتصالات والإنترنت في سوريا”، في حين أكد نائب الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، محمد مضوي، على أهمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لدفع عجلة التطور والإنماء الاقتصادي، وسد الفجوة الرقمية التي خلفتها الحرب، ولحاق سوريا في ركب التقدم التكنولوجي.
الدول النامية وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي
يعد جون مكارثي أول من أطلق مصطلح الذكاء الاصطناعي، وقد ورد هذا المصطلح في وثيقته الشهيرة ?Waht is Al، بينما عرّفه الاتحاد الأوروبي بأنه “نظام قائم على الآلة مصمم للعمل بمستويات متفاوتة من الاستقلالية، وقد يظهر قابلية للتكيف بعد النشر، ويستنتج من المدخلات التي يتلقاها كيفية توليد مخرجات مثل التنبؤات أو التوصيات أو القرارات التي يمكن أن تؤثر على البيئات المادية أو الافتراضية”.
تواجه اليوم الدول النامية تحديات كثيرة في تطبيق الذكاء الاصطناعي وانتشاره، وتتفاوت هذه التحديات بين دولة وأُخرى، فيتطلب تطبيقه تواجد بنية تحتية مناسبة، كوجود قاعدة بيانات دقيقة تعطي معلومات موثوقة عن كافة المجالات التي تتدخل بها التقنيات التكنولوجية، والاتصال السريع بالإنترنت، والطاقة المستقرة، بالإضافة إلى الفجوة في المهارات البشرية مما يعيق قدرتها على تطوير هذه التقنيات والاعتماد على الكوادر البشرية الخارجية.
ويجب أن تلعب الدول المتقدمة دوراً في تفكيك هذه التحديات عبر إشراك الدول النامية في مؤتمرات الحوكمة الرقمية، ودعم هذه الدول لانخراطها في العمل التقني، كما تواجه الدول النامية مشكلة التحيزات الأخلاقية والمهنية في تطبيق الذكاء الاصطناعي الناتجة عن المعلومات غير الدقيقة والمتحيزة.
الذكاء الاصطناعي بعد الحرب في سوريا
أما في سوريا فتنطبق التحديات السابقة عليها بالإضافة إلى اعتمادها في تخزين البيانات على الأوراق وبالتالي يجعل تحويل هذه البيانات إلى معلومات إلكترونية أمر صعب، لكن تسعى الحكومة الحالية على إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية، وتدريب كوادر بشرية جديدة قادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتطويره.
كما قد تواجه سوريا مقاومة هذا التحول نحو الأتمتة من البيروقراطيين المعتمدين على الرشاوى والاتاوات في عملهم، ومن ناحية أخرى قد يواجه الشعب صعوبة في التعامل مع التقنيات الجديدة المطبقة وخصوصاً مع خروج سوريا من فترة عزلة دولية بعد الحرب التي جعلتها من الدول المتأخرة في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أن العديد من الوظائف ستكون مهددة في حال تطبيق الحوكمة ضمن القطاع العام والخاص مما يزيد من نسبة البطالة، وستكون الدولة أمام خيارات متعددة، منها فصل الموظفين من أعمالهم وبالتالي ستزيد نسبة البطالة، أو إعادة دمجهم في وظائف أُخرى.
وتقوم الآن سوريا بالعديد من الخطوات للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كافة مجالاتها، فقد أطلقت مشروع الإحصاء الرقمي لتوفير قاعدة بيانات دقيقة، ويُتوقع إتمام الإحصاء خلال ثلاثة أشهر بدلاً من خمسة أشهر، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التطبيق هو اجتهاد من مجموعة من الشباب السوري المتمكن في مجال الحوكمة.
بينما يمكن للحكومة السورية الاعتماد على استطلاعات الرأي في تحديد مدى معرفة العاملين في كافة القطاعات بالذكاء الاصطناعي، وإدراكهم لأهميته في مجال عملهم، ففي إحدى الدراسات التي تناولت دمج الذكاء الاصطناعي بمعلومات البناء في سوريا، وجدت الدراسة التي شملت 100 خبير في مجالات الهندسة المعمارية والهندسة الإنشائية والميكانيكية والكهربائية والسباكة وإدارة الإنشاءات في شركات القطاعين العام والخاص، أن هناك 29.9% من المشاركين يعتمدون على تقنيات BIM التي تعد إحدى أدوات الذكاء الإصطناعي في عملهم، بينما لا تزال الأغلبية الكبيرة التي تبلغ نسبتهم 70.1% لا يعرفون شيء عن البرنامج، أما بخصوص طرق التدريب وتفعيل الذكاء الاصطناعي في محال الهندسة والبناء، أبدى (64.5%) التأييد للمبادرات التدريب الشعبية بدلاً من تحالفات الموردين (21.5%)، إلى جانب اعتماد الحوافز المالية (44.9%).
أما في مجال الطب، فقد تم إجراء استبيان عبر الإنترنت على موقع جوجل فورم تكون من بيانات ديموغرافية ومعرفة وإدراك للذكاء الاصطناعي في سوريا، وضم هذا الاستبيان 1494 شخصاً من الأطباء وطلاب الطب، وقد أظهرت النتائج أن هناك حوالي 1055 (70%) من المشاركين لديهم معرفة سابقة بالذكاء الاصطناعي بشكل عام، بينما 357 مشاركاً فقط (23.7%) يعرفون عن تطبيقاته في المجال الطبي، وبالرغم من أن معظم الأطباء وطلاب الطب لا يفهمونه ولا يعرفون أهميته بشكل كافٍ في المجال الطبي، إلا أن لديهم آراء إيجابية فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي.
وأيضاً في مجال الرعاية الصحية، يساهم في تحسين الرعاية السريرية، وتوفير التشخيص عن بُعد وقدرات المراقبة، وكذلك في تخطيط الرعاية الصحية، وتخصيص الموارد، وحماية الرعاية الصحية، وتعزيز صحة المجتمع، إلا أن تطبيقه سيواجه تحديات هامة منها الاعتبارات الأخلاقية الصارمة، وطرق تطبيقها لضمان دعم هذه التقنيات وتقديم رعاية صحية أخلاقية وعادلة وفعالة دون تفاقم نقاط الضعف أو المخاطر الأمنية الحالية.
ومن جهة أُخرى أظهر مركز بودابست لمنع الفظائع الجماعية مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب السورية، والتي زادت من الضحايا البشرية وعملت على تصاعد العنف في سورية بعد أصبحت الحرب فيها بالوكالة، وكان الضحية الأكبر فيها الشعب السوري، وأشارت الدراسة إلى أن سوريا تحولت إلى مكان لتقييم أداء تقنيات الذكاء الاصطناعي العسكري، وتقنيات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR)، فمثلاً روسيا قامت بتقييم قدرات جيشها عبر مراقبة نتائج عملياتها الميدانية في سوريا، وذلك بحسب تقرير نشرته منظمة CAN الأمريكية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أنشأ البنتاغون “مشروع مافن”، وهو فريق حرب خوارزمية يهدف إلى التحقيق في الدور والدعم الذي قد يقدمه الذكاء الإصطناعي في عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في سوريا، في حين استخدمت تركيا نظام إطلاق الصواريخ المتعددة (MLRS)، وهو نظام آلي عالي الحركة، لمهاجمة قافلة كانت تحمل أسلحة وذخيرة إلى مسلحي حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب (YPG) في شمال سوريا.
باختصار، سوريا في مرحلة بناء وتغيير وتحتاج إلى تضافر الجهود الوطنية والدولية للنهوض بالواقع التقني، ومن الملاحظ وجود كوادر بشرية سورية مؤهلة لتوجيه عجلة التطور قادمة من الخارج، ومستعدة لنقل خبراتها إلى بلدها.
اقرأ أيضاً: ما المكاسب المحتملة لسوريا من مشاركتها في اجتماعات الربيع 2025؟