أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، مؤخرًا عن بدء العمل على إعادة تفعيل نظام “سويفت” للتحويلات المالية الدولية، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سوريا.
وأكد حصرية أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام تحولات كبرى في المشهد الاقتصادي السوري، بعد دمجه مرة أخرى بالنظام المالي العالمي.
ما هو نظام “سويفت”؟
نظام “سويفت”، اختصارًا لعبارة “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك”، هو شبكة عالمية تم إطلاقها عام 1973 ومقرها بلجيكا.
وتربط هذه الشبكة أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، وتتيح تحويل الأموال بشكل آمن وسريع عبر الحدود.
ولا يعتبر سويفت بنكًا بحد ذاته، بل هو قناة اتصال رقمية تستخدمها المؤسسات المالية لتنفيذ المعاملات الدولية.
ويعني تفعيل هذا النظام في سوريا فتح باب التعاملات المالية مع البنوك العالمية والإقليمية، وبالتالي تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، وتدفق الاستثمار الخارجي، وتحسين قدرة المواطنين على استقبال التحويلات من الخارج.
رفع العقوبات: بوابة الدخول إلى العالم المالي
أكد حاكم المصرف المركزي أن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا يمثل شرارة انطلاقة جديدة للقطاع المصرفي والمالي في البلاد.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 50 بنكًا عربيًا ودوليًا أبدوا رغبتهم في فتح فروع في سوريا، حتى قبل أن يعلن رسميًا عن رفع الحظر.
ولفت إلى أن المصرف يعمل وفق المعايير العالمية، بشفافية ووضوح، ويتمسك بالأنظمة والقوانين المحلية والدولية، في محاولة لاستعادة الثقة من الشركاء الخارجيين.
وإضافة إلى ذلك، أعرب حصرية عن وجود مفاوضات متقدمة مع أحد البنوك الفرنسية حول استثمار محتمل في السوق السورية، وهو ما يشير إلى أن الانفتاح المالي قد يفتح المجال أمام تعاون غير مسبوق مع دول كانت ترفض أي تعامل مع النظام السوري طوال السنوات الماضية.
اقرأ أيضاً: وزارة الرياضة والشباب تصرّح: “رفع العقوبات سيمهد لمرحلة جديدة من التعاون المثمر”.
تنشيط القطاع المصرفي واستقطاب الاستثمار
يشير حصرية إلى أن القطاع المصرفي السوري، كما هو عليه الآن، لا يستطيع تلبية متطلبات السوق ولا توفير البيئة المناسبة للاستثمار.
وأكد أن رفع العقوبات سيسمح بإصلاح شامل للبنوك وإعادة رسملتها، مما سيعزز ثقة المستثمرين والمغتربين في النظام المالي، ويجعل من الممكن ضخ أموال من الخارج إلى الداخل.
ويقدر الخبراء أن حوالي 250 مليار دولار أمريكية من الأموال السورية موظفة خارج البلاد، معظمها في دول الخليج وأوروبا.
وتوقع عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور علي كنعان، أن تعود نسبة تصل إلى 10% من هذه الأموال إلى سوريا بمجرد تفعيل نظام “سويفت” ورفع العقوبات، ما سيكون له تأثير كبير في إنعاش الاقتصاد ودفع عجلة الإنتاج والتجارة.
كيف أثر غياب “سويفت” على الشعب السوري؟
يؤكد الدكتور كنعان أن غياب نظام “سويفت” لم يؤثر فقط على الاقتصاد الرسمي، بل سمح أيضًا لنظام الأسد البائد باستغلال هذا الفراغ لتمرير عمليات تبييض أموال غير مشروعة، خاصة تلك الناتجة عن تجارة المخدرات وتهريب النفط.
وتحولت شركات الصرافة إلى وسيلة رئيسية لنقل الأموال، مما زاد التكلفة والمخاطر على التجار الحقيقيين، وساهم في ارتفاع أسعار السلع بين 40 و50%.
وبحسب كنعان، فإن غياب النظام المصرفي الدولي حول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد إنساني يعتمد على المساعدات، بينما الطموح اليوم هو العودة إلى اقتصاد مالي نشط، قادر على تحقيق الاستقرار وخلق فرص عمل.
فوائد تفعيل “سويفت” على المدى القصير والطويل
يعتقد الخبراء الاقتصاديين أن إعادة ربط سوريا بشبكة “سويفت” ستخفف العبء على المتعاملين، سواء من حيث التكلفة أو الأمان.
كما ستسهل عملية تحويل الأموال من المغتربين إلى ذويهم، ووصول المساعدات الإنسانية والصحية إلى مستحقيها بطريقة أكثر كفاءة.
وعلى الجانب التجاري، ستنخفض تكاليف الاستيراد، وستصبح الصادرات السورية أكثر تنافسية، ما يعني دخول قطع أجنبي جديد إلى الخزينة، ودعم الليرة السورية التي تعاني من تدهور مستمر في قيمتها.
ومن المتوقع أن تبدأ آثار هذه الخطوة بالظهور خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر إلى سنة، بحسب تصريحات حاكم المصرف المركزي.
اقرأ أيضاً: هل تتجه العملة السورية نحو التغيير…ما تأثير ذلك؟
طباعة عملة جديدة وقابلية تحويل الليرة السورية
في سياق متصل، كشف حصرية عن وجود دراسات متقدمة لطباعة عملة سورية جديدة، بعروض من تسع دول، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والإمارات.
وأشار إلى أن المصرف يدرس هذه العروض بهدف اختيار الأفضل من حيث الجودة والتكلفة، مع مراعاة الظروف الاقتصادية الحالية.
وتتضمن الرؤية المستقبلية للمصرف المركزي جعل الليرة السورية قابلة للتحويل، والسعي للحصول على تصنيف سيادي لسوريا، وهو ما يعد شرطًا أساسيًا للانفتاح المالي الكامل.
كما تتمثل الرؤية أيضاً في عمل المركزي السوري وفق المعايير العالمية، بشفافية ووضوح، والتزم بالأنظمة والقوانين، مع اندماج في النظام المالي العالمي.
وهذه الرؤية إذا ما تحققت، قد تشكل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد السوري.