في لحظة سياسية تلامس حدود الخيال السياسي والواقعية الصارخة، تقف سوريا أمام منعطف حاسم، وهناك من يرى بأنّها باحثة عن نافذة نجاة من شبح الانهيار المالي الشامل، عبر بوابة واشنطن وتحديداً الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في العاصمة السورية دمشق، بتاريخ 30 نيسان، استقبل الرئيس الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وفداً أميركياً يضم رجل الأعمال جوناثان باس (Jonathan Bass) والمدير التنفيذي لفريق الطوارئ السوري معاذ مصطفى، في اجتماع عُدّ بمثابة إعلان عن نية دمشق تقديم سلسلة تنازلات تاريخية في سبيل تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وفق تقرير لـ Drop Site News. وقد صرّح باس أن المسؤولين السعوديين يعملون على ترتيب لقاء مباشر بين الشرع وترامب في الرياض خلال الأسبوع القادم.
تحوّل تشهده سوريا
ومنذ تولي الشرع السلطة ووصوله إلى الحكم، يقود حملة علاقات عامة تستهدف نيل قبول العواصم الغربية التي لا تزال متوجسة. وقد شمل هذا الجهد زيارة إلى باريس (Paris) مؤخراً، حيث استُقبل من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron). أما في الرياض، فثمة احتمال بلقاء تاريخي بين الشرع وترامب، في ظل سعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لترتيب الاجتماع، وفقاً لما نقله باس عن مصادر سعودية.
في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن (Washington)، كشف معاذ مصطفى أن الشرع فوّض الوفد رسمياً بعرض صفقة شاملة على ترامب، معتبراً الأخير «رجل سلام مرسل من الله». وأوضح أن الصفقة المقترحة تحتاج إلى اجتماع لا يتجاوز خمس دقائق مع ترامب، وقد تم الإعلان عنها علناً بعد ما منع مستشارون مؤيدون لـ «إسرائيل» – ومنهم مستشار الأمن القومي السابق مايكل والتز (Michael Waltz) – ترامب من الاطلاع على العرض السوري.
صفقة اقتصادية وأمنية واسعة
ووفقاً للمقترح، تعرض سوريا على الولايات المتحدة شراكات اقتصادية تشمل السماح للشركات الأميركية باستثمار موارد النفط والغاز، والمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار. وأشار باس إلى أن شركة AT&T ذُكرت بالاسم كشريك مفضّل بدلاً من الشركة الصينية هواوي (Huawei).
وعلى الصعيد الأمني، ستواصل دمشق محاربة تنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة، مع توفير فرص تبادل معلومات استخباراتية مع واشنطن. كما تتضمّن الصفقة احتمال تقليص نفوذ الفصائل الفلسطينية المرتبطة بإيران، حيث لفت مصطفى إلى أن السلطات السورية اعتقلت مؤخراً مسؤولين من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، ما اعتُبر مؤشراً على نية دمشق مواجهة طهران وحلفائها.
الحصار الاقتصادي والرهان على الغرب
يأتي هذا الانفتاح في وقت تعاني فيه سوريا من دمار واسع عقب 14 عاماً من الحرب. وتُقدّر كلفة إعادة الإعمار بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار، بحسب البنك الدولي (World Bank)، وسط تفاقم الأزمة بسبب العقوبات الأميركية المفروضة بموجب قانون قيصر لعام 2019 (Caesar Act).
وبينما تسعى روسيا والصين للفوز بعقود إعادة الإعمار وتقديم خدمات اتصالات ونفط، يعبّر الشرع -وفق المصدر- عن تفضيله للشراكة الغربية. وأوضح أن بلاده ستفتح أبوابها للشركات الأميركية في حال تم رفع العقوبات.
اقرأ أيضاً: رحلة الظل إلى دمشق: من هم مبعوثو ترامب وما هدفهم؟
هذا وكانت قد وافقت واشنطن مؤخراً على استثناء يسمح لقطر بدفع رواتب القطاع العام في سوريا بقيمة 29 مليون دولار لثلاثة أشهر. كما أعلنت السعودية وقطر التكفل بسداد ديون سوريا للبنك الدولي البالغة 15 مليون دولار، في خطوة تعكس مدى الانهيار المالي في البلاد. وفي خطوة ذات بعد رمزي، أطلقت الحكومة الجديدة جهوداً للتواصل مع السوريين اليهود-الأميركيين، وتسهيل زياراتهم إلى المواقع التراثية، مع تعهد بحماية التراث اليهودي السوري.
ختاماً، ووفق المصادر، فإن الرئيس الشرع يقدّم مقاربته كـ «صفقة القرن» التي يمكن أن تغيّر قواعد اللعبة، بشرط أن تجد آذاناً صاغية في واشنطن. كما وصف مصطفى الوضع بأنه «فرصة ذهبية» للولايات المتحدة، في وقت تتجه فيه دمشق إلى تقديم نفسها كشريك سياسي واقتصادي حقيقي، لا مجرد طرف تسوية.