البنك المركزي يعتبر مؤسسة مالية وطنية لها دور مفصلي في إدارة الاقتصاد الوطني للبلاد، حيث أنه يمتلك سلطة إصدار العملة والتحكم في العروض النقدي، إلى جانب تنظيم البنوك التجارية والإشراف عليها.
تم تأسيس البنوك المركزية في العديد من الدول بهدف تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، وضمان السيادة النقدية للدولة. ذلك عبر أدوات السياسة النقدية كالقدرة على تعديل أسعار الفائدة. يؤثر البنك المركزي يشرف بشكل مباشر على تكاليف الاقتراض والاستثمار والإنفاق الاستهلاكي.
تلعب البنوك المركزية دور رئيسي في الاقتصاد الوطني عبر مجموعة من الوظائف الأساسية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي. كإصدار العملة، والبنك المركزي السوري هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الأوراق النقدية والعملات المعدنية، ما يضمن السيطرة على المعروض النقدي في الاقتصاد.
أيضاً يقوم بتحديد السياسة النقدية، حيث يقوم البنك المركزي في سوريا بتحديد وتنفيذ السياسات النقدية التي تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار، والتحكم في التضخم، وتعزيز النمو الاقتصادي. كذلك من جملة تلك الوظائف الإشراف على البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى والهدف هو ضمان استقرار النظام المالي ومنع الأزمات المصرفية.
سياسات البنك المركزي السوري في دعم النشاط الاقتصادي
تستند سياسة البنك المركزي على رؤية المصرف وتوجهه للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، بما يخدم تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية بشكل كلي، كذلك العمل على بناء سياسة نقدية مؤثرة ومنتجة تستهدف المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة السورية، ومعدل تضخم منخفض ومستقر، مع اسهامها في توفير البيئة الملائمة للاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي، مع تبني استخدام أدوات الدفع الإلكتروني كأداة لتحقيق الأهداف قصيرة وطويلة الأجل.
كما يعمل المصرف على تعزيز مصداقيته عبر التزامه بتحقيق أهداف السياسة النقدية، مع سعيه في إدارته للسياسة النقدية للمحافظة على أولوية المنفعة العامة، والعمل على تأمين الاستقرار النقدي والمالي لدعم نمو الاقتصاد الوطني وتعزيزه، وتحمل المسؤولية تجاه القرارات التي يتخذها.
هناك نقد وجه لسياسة البنك النقدية في الآونة الأخيرة، لاتباعه سياسة تقييد السيولة التي أدت إلى تراجع الاستثمارات وتباطؤ النشاط التجاري، وكانت السبب في لجوء المستثمرين إلى صناديق خاصة بدلًا من البنوك، نتيجة ذلك خرج النقد من الدورة الاقتصادية، وهو ما يعتبره البعض سبباً مباشراً في تفاقم الأزمة الاقتصادية، واستمرار هذه السياسة يشكل خطراً على الجهود المبذولة في سبيل إعادة بناء الاقتصاد السوري.
اقرأ أيضاً: قرار رئاسي بتعيين الحصرية حاكماً جديداً لمصرف سوريا المركزي
دوره في الاستقرار النقدي
المصرف المركزي يساهم في استقرار الاقتصاد السوري، عبر تمكين استقرار سعر صرف العملة الوطنية، و العمل على تقليل التضخم ودعم القوة الشرائية، إلى جانب إدارة السياسات النقدية، بهدف تحقيق الاستقرار المالي والنقدي. وفي الحالة السورية الحالية تعتبر إدارة المصرف السوري حملاً ثقيلاً في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مما يضيق الخناق على تنفيذ القرارات، ويعطل مشاريع التطوير وإعادة ترميم العجز الاقتصادي الحاصل، فهل يستطيع البنك المركزي السوري تجاوز التحديات؟
اقرأ أيضاً: لتحسين الوضع الاقتصادي.. مصرف سوريا المركزي يتخذ خطوات هامة
دعم الاقتصاد الوطني عبر تعزيز الشراكات الدولية
يرى البعض بأنّ استئناف التعاون بين سوريا والبنك الدولي اليوم خطوة مهمة في طريق التعافي الاقتصادي، فيمكن لذلك أن يؤدي لتمويل إعادة الإعمار وبالتالي جذب الاستثمارات مما ينعكس على الاستقرار المالي.
حيث يهدف البنك الدولي إلى دعم التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر في الدول ذات الاقتصاد النامي، عبر طرح الفرصة لتقديم قروض طويلة الأجل مع مساعدات مالية لمشاريع البنية التحتية ودعم التنمية. كذلك يدعم الإصلاحات الاقتصادية والاستثمار، مع تركيزه على استقرار الاقتصاد الكلي للدول. مع تقديمه قروض ميسّرة أو ربما منح مالية لتمويل مشاريع الحكومة السورية في إعادة بناء البنية التحتية.
وبمجرّد استئناف العلاقات، من الممكن أن يقوم البنك الدولي بتقديم استشارات اقتصادية للحكومة السورية تتمحور حول الاصلاحات المالية وكذلك النقدية، هذا بدوره ينعكس على استقرار سعر الصرف. ناهيك عن أن البنك الدولي من الممكن أن يوفر برامج دعم لليرة السورية كاقتراح خطط تمويلية أو عبر تقديم مساعدات مالية، من الممكن لها أن تقلل التضخم وتحسن القدرة الشرائية للمواطن السوري.
لكن هناك بعض الخبراء ممّن يحذرون من وقوع البنك المركزي السوري في حالة تبعية للبنوك الدولية – ومنها البنك الدولي – في حال الارتباط به بقروض بشروط مجحفة قد تؤثر على قدرة البنك المركزي السوري على ضبط واستقرار العملة.
في الختام، لا يقتصر دور مصرف سورية المركزي على كونه حارساً للعملة الوطنية أو جهة ناظمة للسياسات النقدية، بل يتجلى أيضاً كمنصة لجهود بشرية متواصلة، يبذلها خبراء واقتصاديون يسعون للحفاظ على ما تبقى من توازن في اقتصاد تتقاذفه الأزمات. فالمصرف ليس مجرد جدران وموازنات، بل مؤسسة تنبض بعقول تخطّ السياسات، وتقاوم بأدوات الاقتصاد ما تعجز عنه أدوات السياسة. وفي خضم التحديات المتلاحقة، يبقى الأمل معقوداً على أن يُعيد هذا الصرح، يوماً ما، صياغة ملامح الاستقرار النقدي والكرامة المالية في سوريا بشكل مستقل.
اقرأ أيضاً: مشروع لإعادة هيكلة القطاع المصرفي السوري بشراكة أوروبية