في عالم السياسة الدولية، غالباً ما يكون المشهد أكثر تعقيداً مما يظهر في العناوين الإخبارية. شخصيات غير رسمية، لا تحمل مناصب حكومية حالية في عهد دونالد ترامب، تجد نفسها فجأة في قلب الأحداث الكبرى، ترسم خطوط التفاهم، وتفتح أبواباً مغلقة. من هنا تبدأ قصتنا اليوم: قصة الحاخام أبراهام كوبر والقس جوني مور، صديقان من خلفيتين دينيتين مختلفتين، ولكنهما يتشاركان هدفاً واحداً: محاولة قراءة مستقبل سوريا في ظل نظامها الجديد، نيابة عن الإدارة الأمريكية. فكيف ستجري هذه المهمة؟ وما الذي يعنيه «التقييم» في عالم السياسة؟
من هما مبعوثا ترامب؟
الحاخام أبراهام كوبر والقس جوني مور ليسا غريبين عن عالم السياسة والدبلوماسية، رغم أنهما لا يشغلان حالياً مناصب حكومية رسمية. كوبر كان سابقاً رئيس اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، بينما يُعتبر مور واحداً من أقرب الشخصيات للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكان هو الآخر عضواً في اللجنة ذاتها. العلاقة بين الرجلين تتجاوز الاختلافات الدينية، فهي مبنية على أهداف سياسية وإنسانية مشتركة، وتجارب سابقة في مهمات حساسة مثل مساهمتهما في إطلاق اتفاقيات أبراهام مع البحرين.
ماذا يريدان من دمشق؟
بحسب ما أوردته صحيفة «إسرائيل هيوم»، من المتوقع أن يقوم كوبر ومور بزيارة إلى دمشق خلال أسابيع قليلة، بشرط حصولهما على موافقة شخصية من ترامب. والهدف الأساسي تقديم قائمة مكونة من 15 سؤالاً مصمماً لتقييم مسار سوريا السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل قيادتها الجديدة.
وأظهر اللقاء الأولي الذي جرى في نيويورك مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، حسب كوبر، أن السوريين جاهزون للحوار ومستعدون لتقديم إجابات واضحة ومفصلة. ومن القضايا التي طُرحت: مشروع إنساني يُفترض تنفيذه في سوريا بدعم من عدة دول.
معايير التقييم: ماذا الذي تبحث عنه أمريكا؟
تركز قائمة المعايير الأمريكية على عدة محاور رئيسية: وضع الأقليات الدينية، ضمان حقوق الجماعات غير المسلمة، ومصير العلاقات السورية الإسرائيلية. برؤية كوبر، فإن واشنطن ترى بوضوح أن إعادة إعمار سوريا لن تتم دون دور أمريكي، ما يعني ضرورة رفع العقوبات الدولية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون موافقة صريحة من البيت الأبيض. و«تعي القيادة السورية جيداً حجم التحديات أمامها وتدرك أن الطريق نحو إعادة تأهيل البلاد يمر عبر بوابة واشنطن» بحسب كوبر.
اقرأ أيضاً: بين أمريكا والصين: أين تكمن مصلحة سوريا؟
التشاؤم الأمريكي: دروس من طالبان
ورغم الأحاديث المتفائلة، لا يخفي كوبر حذره، مشيراً إلى تجربة الولايات المتحدة مع حركة طالبان. قبيل الانسحاب من أفغانستان، تعهدت طالبان بدعم حقوق الأقليات وتعليم الفتيات، لكن سرعان ما تبددت تلك الوعود. الفتيات اليوم يتعلمن — إن كن محظوظات — داخل منازلهن، إن لم يُحرمن من التعليم تماماً. يقول كوبر: «هناك رؤية، نعم. لكن السؤال الحقيقي هو: هل يمكن تنفيذها؟ وكيف؟ خصوصاً في بلد معقد مثل سوريا».
كيف ستصاغ التوصيات؟
لن تقتصر مهمة كوبر ومور على جمع الإجابات، بل سيتعين عليهما مراقبة الإجراءات الفعلية على الأرض، ثم إعداد توصيات للإدارة الأمريكية حول كيفية التعامل مع دمشق. بمعنى آخر، ليست الأسئلة وحدها التي ستحدد الموقف الأمريكي، بل ما سيُلاحظ من أفعال على الأرض.
ختاماً، تبدو مهمة كوبر ومور كرحلة دبلوماسية غير رسمية لكنها حساسة للغاية، في وقت يتأرجح فيه مصير سوريا بين العزلة والانفتاح. هناك نافذة صغيرة من الفرص، لكنها مليئة بالألغام فيما تبقى الآمال كبيرة بقادم الأيام…
اقرأ أيضاً: رسالة دمشق تكشف تفاصيل الرد على شروط واشنطن