ذوي الاحتياجات الخاصة…حقوق منسية ومعاناة مستمرة

في الوقت الذي يترك فيه طلاب أصحاء مقاعد دراستهم لعدم رغبتهم في إكمال تعليمهم، هناك أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة يثبتون أنفسهم في مجالات في التعليم والرياضة والفن، فبيتهوفن ألف أعظم مقطوعاته الموسيقية وهو في حالة صمم كامل بعد فقدانه السمع تدريجياً، ومايكل ويليامز البريطاني رسم لوحاته بدون القدرة على رؤيتها، وأمثلة كثيرة لا تعد ولا تُحصى تُظهر تحويل الإعاقة إلى مصدر إلهام للمعاقين.

لكن هذا التحويل يحتاج إلى جانب الإيمان بالنفس ومجموعة من الدعم الأسري والحكومي لإطلاق العنان للإمكانيات والقدرات المخبأة في ظلال التردد والخوف لدى المعاقين، وفي ظل الحرب التي دامت 14 عاماً خلفت أضعاف مضاعفة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فبحسب التقارير الأممية يعاني ما يقارب 30% من السوريين ممن هم فوق 12 عاماً من إعاقات مختلفة، وهو ما يعادل ضعف المعدل العالمي البالغ 15%.

العقبات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا

نحن الآن لسنا بصدد البكاء على الأطلال، فذوي الإعاقة يحتاجون حقاً إلى رعاية طبية ونفسية مستمرة، إذ أشارت تقارير للأمم المتحدة عن وجود 2.5 مليون معاق سوري يحتاج إلى رعاية دائمة، ومن هنا يجب تفنيد العقبات التي تواجههم لمعرفة نقطة البداية لتذليلها من أمامهم.

وفي ظل بحثنا عن نقطة البداية وجدنا أن هناك “نقاط بداية”، لأن ذوي الاحتياجات الخاصة يواجهون مجموعة عقبات متصلة ببعضها، بدايتها عدم توافر الأجهزة المساعدة كالكراسي المتحركة، سماعة الحلزون لزيادة السمع، الأطراف الصناعية، وغيرها، وعدم وجود بنية تحتية تراعي ظروفهم وتخصص لهم طرق في كافة المرافق العامة، عدا عن غياب التعليم بسبب النزوح وتدمير المؤسسات التعليمية، وغياب مراكز الدعم والتأهيل النفسي.

وهناك أيضاً جانب قانوني يساهم في زيادة العقبات أمام ذوي الإعاقة، كتجاهل وجود ممثل عنهم في مراكز صنع القرار، مما يجعل صوتهم غير مسموع، وارتفاع معدلات البطالة في أوساطهم مما يجعلهم يعيشون في حالة فقر وعوز مادي.

لا نخفي بأن هناك قصور كبيرة في جانب الأمراض النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ غالباً ما يُنظر إلى احتياجاتهم المادية “إذا تم النظر إليها” على حساب احتياجاتهم المعنوية، فمثلاً مرضى التوحد ماذا حل بهم؟ هل هناك برامج لدمجهم بمجتمعاتهم وتعليمهم أم لا؟ هذا ما أخبرتنا به هيومن رايتس ووتش التي التقت عدة عائلات خلال عامي 2020 /2023 ونقلت لنا قصة الطفل ابراهيم ذو الخمس سنوات المصاب بالتوحد وفرط النشاط، إذ عاش في مخيمات الشمال بعد النزوح من إدلب ثم في منزل استأجره والده الذي أكد أن أكبر المصاعب التي يتعرضون لها كأهل هو فقدان التعليم لطفلهم ابراهيم، وعدم قدرة طفلهم على اللعب بشكل طبيعي مع الأطفال، إلى جانب التنمر الذي يتعرض له من قبل الأطفال الآخرين. على العموم هناك حالات كثيرة مثل ابراهيم تحتاج إلى مدارس ومراكز تأهيل تعلمهم الاندماج الصحيح بمجتمعاتهم وعلى ذلك يجب على الحكومة النظر بالأمر.

ومن هنا نجد كما قلنا سابقاً أن المعوقات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة مترابطة، يجب أن يكون هناك حل مناسب لجميعها حتى تحقق النتائج المرجوة.

طرق الدعم والتدريب

كي لا نهرب من الحقيقة، هناك تحديات كبيرة أمام الحكومة الجديدة في كافة المجالات، فعدم وجود كافة المناطق تحت سيطرة الدولة الوليدة جعل هناك تجارب متعددة لطرق دعم ذوي الاحتياجات الخاصة يمكن البناء عليها، فمثلاً قبل التحرير بأشهر صدر المرسوم رقم 19 لضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك الحماية من التمييز، والدمج المجتمعي، والمشاركة في صنع القرار، كما نص على إنشاء مراكز تأهيل مهني ودور رعاية اجتماعية لهذه الفئة، بالإضافة إلى الخطة الوطنية للإعاقة حتى 2030 والتي تهدف إلى تطوير التشريعات وعليه تم تعديل المرسوم التشريعي السابق، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتعزيز مشاركة ذوي الإعاقة في الحياة العامة مع التركيز على الدمج الكامل في المجتمع، وتوفير خصومات للنقل والعلاج ومنح ذو الإعاقة بطاقة تخولهم الدخول إلى أماكن محددة بخصومات معينة، ويتكامل ذلك مع عمل وزارة التربية التي تعمل على دمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس من خلال برامج تعليمية متخصصة، وتدريب المعلمين، وتوفير الأنشطة الثقافية والرياضية المناسبة.

أما المجتمع المدني فكان له دور كبير أيضاً عبر مبادرات محلية كمنظمة سند التي توسعت خدماتها لدعم ذوي الإعاقة داخل سوريا، من خلال جولات ميدانية وتعاون مع مراكز تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأيضاً هناك الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية (SSSD) التي تقدم برامج دعم نفسي واجتماعي، وتعمل على دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونيسف، وجمعية دار الحياة في دمشق التي تقدم رعاية للمسنين وذوي الإعاقة وتستقبل الدعم المادي والعيني من المتبرعين، ومؤسسة مساواة لدعم وتمكين ذوي الإعاقة وتضم في طياتها مركز للعلاج الفيزيائي ومركز للأطراف الصناعية، كما لديها برامج للتدخل المبكر في علاج التوحد ومتلازمة داون وتتبع في إدارتها لوزارة التنمية الاجتماعية، وجميع هذه المبادرات لا زالت تعمل بعد التحرير وتقدم خدماتها وسط تفاقم الوضع الإنساني وازدياد التحديات.

أما في مناطق الإدارة الذاتية فقد أطلقت هيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين برامج تدريبية لذوي الاحتياجات الخاصة، وأنشأت لجان طبية لتقييم الإعاقات وأصدرت بطاقات تعريفية لتسهيل حصولهم على الخدمات، في حين كان هناك غياب للإطار التنظيمي الشامل في مناطق الشمال الغربي لسوري بمجال دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن الدعم المنظم كان يأتي من منظمات مثل “الهلال الأحمر السوري الحر” و”المنتدى السوري” التي قدمت خدمات إعادة التأهيل البدني والنفسي، بما في ذلك تركيب الأطراف الصناعية، ودمج ذوي الإعاقة ببرامج تعليمية محدودة ضمن المدارس.

الجدير بالذكر أن القانون السوري الصادر عام 2024 حول حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة متكامل وجيد، لكن مع غياب الاستراتيجيات التنفيذية والشفافية في المراقبة أخّر من تحقيق الاستفادة منه، لذا من الضروري وجود قانون مشابه في الدستور السوري القادم.

رياضات وبطولات خاصة بذوي الإعاقة

مؤخراً بدأ تسليط الضوء أكثر على البطولات التي يخوضها ذوي الاحتياجات الخاصة في مجالات رياضية عدة، وكل ذلك بدعم من الاتحاد العربي السوري للرياضات الخاصة الذي تأسس عام 1987، ويشرف على تنظيم وتطوير الرياضات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا، وتشمل مهامه أيضاً توفير الملاعب والمعدات وتنظيم البطولات المحلية والدولية.

من هذه البطولات كرة السلة على الكراسي المتحركة التي تقام بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تم فيها تدريب مدربين ولاعبين من ست محافظات سورية، مما ساهم في تعزيز الاندماج الاجتماعي وتحسين مهارات المشاركين، وكان لهذه البطولة صدى على مستوى سوريا، إذ انتشرت الصور على السوشيال ميديا وعبرت عن مدى الإرادة والإصرار على الفوز لدى الشباب.

كان لريف حلب الغربي تجربة في الرياضات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، فقد أقامت بطولات رفع الأثقال وكرة الطاولة، والتي نظمتها رابطة مصابي الحرب” بالتعاون مع “تجمع أمل” وشارك فيها 25 رياضياً من مصابي الحرب، مما أتاح لهم فرصة التنافس وإظهار قدراتهم، وكان لليوم العالمي لذوي الإعاقة وقع خاص في إدلب حيث أقامت فعاليات رياضية شملت كرة القدم والطائرة والشطرنج بالإضافة إلى رفع الأثقال.

كما وضع الأطفال بصمتهم الخاصة في بطولات محلية عبر مجموعة من الألعاب الرياضية في مدينة حمص، وكانت هذه الفعالية أكبر تجمع للأطفال، إذ شارك فيها 265 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتضمن ألعاب الجمباز والقوى وألغاب صغيرة أُخرى، وتم رعايتها من قبل وزارة التربية والأولمبياد السوري الخاص، وقد ساهمت هذه الفعالية في تعزيز الثقة بالنفس والاندماج بالمجتمع.

باختصار، هناك تحديات كبيرة وصعبة، لكن بالتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني يمكن تجاوزها، بالإضافة إلى التنويه على أهمية الدور الأسري في عملية بناء القدرات والثقة بالنفس، لذا لا بد من دخول المرافقين لذوي الاحتياجات الخاصة بدورات أو جلسات لرفع الوعي بوضع أبنائهم.

اقرأ أيضاً: جهود متواصلة لوزارة الصحة لدعم وترميم القطاع الصحي