شهدت مدينة حلب يوم الأربعاء الفائت، مؤتمر إطلاق “حملة الوفاء لحلب” بحضور عدد من الناشطين والفنانين والشخصيات الحكومية وممثلين عن المجتمع المدني.
وتسعى هذه الحملة، التي تجمع جهود منظمات إنسانية محلية وعربية ومساهمات رجال أعمال سوريين، إلى تنفيذ سلسلة مشاريع تنموية وإنسانية في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة إعمار مدينة حلب بعد سنوات من الحرب.
وأسفر المؤتمر عن تعهد عدد من المنظمات بتنفيذ مشاريع خدمية بقيمة تصل إلى مليوني دولار أميركي بالتنسيق مع إدارة الحملة، كما تم جمع نحو 40 ألف دولار خلال المؤتمر، وجهود التبرع لا زالت مستمرة.
وشدد القائمون على المبادرة أن المبالغ التي تم جمعها حالياً تمثل بداية فقط، متوقعين زيادة حجم التبرعات في الأسابيع المقبلة مع بدء التنفيذ العملي للمشاريع، والذي سيعزز ثقة الجهات الداعمة بالحملة.
اقرأ أيضاً: انخفاض أسعار السيارات في سوريا.. بين فرحة المواطنين وخسائر التجار!
انطلاق أعمال حملة الوفاء لحلب
ويوم أمس الجمعة، انطلقت أولى أعمال حملة الوفاء لحلب، وقد شهدت أحياء صلاح الدين والمشهد وكرم الجبل والمحافظة أولى هذه النشاطات، وفيها تم القيام بأعمال تنظيف وطلاء ورفع أنقاض، بالتعاون مع فرق الدفاع المدني ومنظمة “البيئة النظيفة”، بمشاركة واسعة من فرق تطوعية ومنظمات محلية.
وستواصل الحملة مشاريعها الخدمية الأولية عبر توزيع حاويات قمامة جديدة في مختلف الأحياء، ومعالجة مشكلة النفايات المتراكمة، وغسل الشوارع ورش المبيدات الحشرية مع اقتراب فصل الصيف، كما سيتم إنارة الطرقات وتركيب كاميرات مراقبة في الشوارع الرئيسية، بهدف تعزيز الأمن ومكافحة الجريمة.
إلى جانب ذلك، تركز الحملة اهتمامها على القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم، من خلال تأهيل المراكز الصحية وتزويدها بالمعدات اللازمة، وإطلاق دورات تدريبية مجانية لدعم الطلاب ومساندة العملية التعليمية في المدينة.
اقرأ أيضاً: هل نحتاج «الأطباء الحفاة» للتصدي لتحديات واقع القطاع الصحي في سوريا؟
الجهات الداعمة
يوجد جهات عديدة تدعم تنفيذ مشاريع “حملة الوفاء لحلب” سواء منظمات إنسانية أو مؤسسات تنموية محلية وعربية، ومن أبرز الجهات الداعمة منظمة يد بيد، التي رصدت نصف مليون دولار لدعم القطاع الصحي في حلب خلال عام 2025، من أجل إعادة تأهيل المراكز الصحية وتحسين الخدمات الطبية المقدّمة للمواطنين.
كما ساهمت منظمة بسمة وزيتونة بمشاريع إنسانية وتنموية بلغت قيمتها 250 ألف دولار، وقدمت منظمة أبرار دعماً مالياً مباشراً بقيمة 5 آلاف دولار، ودعمت جمعية تآلف أيضاً عدداً من المبادرات الخدمية.
في المقابل، نفّذت منظمة مارس مشروعين بقيمة 177 ألف دولار، في حين خصصت منظمة بنفسج مبلغ 150 ألف دولار، وأطلقت دورات تعليمية مجانية لطلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية.
إضافة إلى ذلك، شاركت منظمة سيوار في الحملة من خلال تقديم مجموعة من المشاريع الخدمية في الأحياء الشرقية، إضافة إلى دعم مالي بقيمة 10 آلاف دولار، ووضع الدفاع المدني كوادره المدنية وكافة آلياته في خدمة المبادرة.
أما الجمعية الأسقفية المسيحية، فقد بادرت بحفر بئرين وإنشاء محطتين لتحلية المياه، استجابةً للنقص الحاد في مصادر المياه النظيفة، كما ساهم وقف الديانة التركي بدعم مالي بلغ 10 آلاف دولار، وقدم 500 سلّة نظافة و1000 سلّة إغاثية للعائلات المتضررة.
وإلى جانب المنظمات والجمعيات، شارك عدد من رجال الأعمال السوريين من أبناء مدينة حلب في دعم الحملة، من أجل رد الجميل لمدينتهم حسب ما قالوه.
اقرأ أيضاً: منظمة بنفسج من أجل الإنسان
مبادرة مستقلة
ومن المخطط أن تواصل حملة “الوفاء لحلب” توسعها لتشمل كل أحياء المدينة، وما يميّزها أنها مبادرة مستقلة بالكامل، لا تتبع لأي جهة رسمية أو منظمة، فقد ولدت من رحم الحاجة بجهود مجموعة من الشباب العائدين إلى مدينتهم، وبالتنسيق مع السكان المقيمين، بهدف إعادة تفعيل دور المجتمع المدني في الشأن العام.
وتؤكد الجهات القائمة على المبادرة أنها تركز على تفعيل دور الطاقات المحلية بإعادة العمال المهرة إلى سوق العمل، وتشجيع الصناعات الحلبية التقليدية والحديثة على العودة إلى الأسواق المحلية والإقليمية، كما يأملون بأن تسهم هذه الجهود على المدى البعيد، في استقطاب ما يصل إلى 10 ملايين سائح سنوياً.
اقرأ أيضاً: سوريا عطشى: أزمة المياه تهدّد حياة الملايين والمستقبل مخيف!
بلد مُنهك مثل سوريا
وبالحديث عن المبادرات التنموية، يوجد بلدان عربية أنهكتها الحرب مثل سوريا، ومنها نستذكر اليمن الذي تصاعد النزاع فيه منذ عام 2015، ودخل بسببه في دوامة أزمة إنسانية هي الأكبر عالمياً، مع انهيار شبه تام للخدمات الأساسية، لكن في خضمّ كل ذلك، ظهرت مبادرات صغيرة ولكنها مؤثرة، وهي تجارب لافتة يمكن أن تعطينا أفكاراً مبتكرة في ظروفنا الصعبة.
فمن خلال مشروع الاستجابة للأزمات الطارئة، قام البنك الدولي بتمويل الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن، لدعم السكان في المناطق الأكثر فقراً، وكان برنامج “تمكين” في عام 2020 من أبرز هذه المبادرات، فقد ركز على تعزيز الصمود الاقتصادي والاجتماعي عبر إشراك المجتمع في تخطيط وتنفيذ مشاريع بنية تحتية صغيرة، بتمويل جزئي ومساهمة مجتمعية فعلية.
وفي مديرية السلفية، وهي من المناطق مدقعة الفقر، تم تنفيذ أكثر من 700 مشروع بتكلفة 197,000 دولار، استفاد منها نحو 80,000 شخص، شملت هذه المشاريع تحسين الطرق، تأهيل مصادر المياه، دعم المدارس والمراكز الصحية، والتدريب على الحرف اليدوية والخدمات الطبية.
ومن اللافت أن المجتمع نفسه كان جزءاً أساسياً من الحل، ففي قرية كازوما مثلاً، تبرع تاجر محلي بأكثر من 1000 دولار، وساهمت الأسر بوقتها وجهدها لإنجاز مشروع تأهيل الطرقات.
اقرأ أيضاً: بعد تأهيل 70 مدرسة.. وزارة التربية تطلق خطة شاملة لإعادة إعمار التعليم في سوريا
ماذا نستفيد من هذه التجربة؟
قد لا تكون تجربة برنامج “تمكين” في اليمن مبادرة بجهود مجتمعية بالكامل، فهي لا تخلو من الدعم الخارجي، وقد تكون ممولة بمبالغ أعلى بكثير مما تجمعه المبادرات في سوريا، لكن يمكن أن تلهمنا قليلاً، فقد ركزت على ترميم البنية التحتية في بلد خاض سنوات من الحرب.
وهنا في سوريا، صحيح أن لدينا مبادرات رائعة مثل حملة الوفاء لحلب وغيرها، تعنى بتجميل المدن وتأهيل الشباب علمياً وعملياً وقد تمتد لتصل إلى ما هو أبعد من ذلك، لكنها تبقى -من منظور محايد- غير كافية إن لم تترافق مع إصلاح جذري للبنية التحتية، فكما يقولون: ما الفائدة من تنظيف الثلاجة إذا كان الطعام بداخلها فاسداً؟
ما هي الفكرة؟ التبرعات موجودة وبسخاء، والناس والمنظمات المجتمعية مستعدون لبذل الجهود سواء بالمال أو بالعمل، ما يعني أنهم قادرون على توجيه هذه الطاقات الهائلة نحو ما هو أكثر استدامة، مثل ترميم الطرقات، إصلاح شبكات الكهرباء والمياه، وتركيب ألواح طاقة شمسية على المنشآت العامة التي تخدم المواطنين، على سبيل المثال لا الحصر.
خلاصة الكلام، إن كل مبادرة في سوريا، أياً كانت ومهما كانت صغيرة، تستحق الاحترام لأنها تنبثق من قلوب صادقة تحب الخير للبلاد، لكن إن تمكننا من توجيهها نحو ما يمسّ حياة الناس اليومية فعلاً في سبيل راحتهم وبأمور تجعلهم يرون بلدهم البلد الأفضل، فإنها ستنتقل من كونها مبعثاً للأمل إلى ركيزة فعلية للتعافي.
اقرأ ايضاً: تأهيل جبل قاسيون: هل تتحول الصور التخيلية إلى حقيقة؟