في لحظة بدت أقرب للحلم منها إلى الواقع، خطت مدينة مصياف في ريف حماة أولى خطواتها نحو المسار الديمقراطي الحقيقي، عبر تنظيم انتخابات حقيقية لا تشبه في شيء ما اعتاده السوريون لعقود. بعيداً عن القبضة الحزبية والتوجيهات المسبقة، انتخب الأهالي مجلساً أهلياً يعوّل عليه في إدارة شؤون المجتمع وتعزيز السلم الأهلي. ورغم بعض العثرات، خاصة في تمثيل النساء، فإن التجربة تحمل بذور الأمل.
انتخابات حقيقية خارج عباءة البعث
للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، مارس أبناء مصياف حقهم في اختيار ممثليهم دون وصاية أو تدخل من سلطات حزبية. فقد أسفرت الجهود الشعبية التي امتدت لأشهر عن تأسيس «مجلس مصياف الأهلي»، نتيجة حراك قاده ناشطون محليون سعوا إلى جمع المكونات المجتمعية كافة تحت مظلة واحدة. ووفق ما ذكره المكتب الإعلامي في المدينة، فإن هذه المبادرة جاءت تتويجاً لحوارات دامت شهوراً وشملت شخصيات من خلفيات سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية.
شفافية وتجربة انتخابية نزيهة

في الجلسة التأسيسية التي حضرها 138 من أصل 164 مدعواً، ترشح 35 شخصاً قبل أن ينسحب اثنان. جرت العملية الانتخابية بهدوء وتحت إشراف الحضور أنفسهم، حيث قُسم المشاركون إلى أربع مجموعات وتم التصويت خلال ساعة ونصف، وسط إشادة من الأهالي بأجواء الحرية التي رافقت العملية.
في ختام الجلسة، أعلنت اللجنة أسماء الفائزين الخمسة عشر، بينهم سيدتان فقط، ما أثار جدلاً حول ضعف التمثيل النسائي. الأسماء المنتخبة شملت عدنان الهيبة، علي محفوري، حسن درزية، ندى الخش، عمار الحلو، عامر جابر، سامح مصطفى، أحمد ضوا، إياد الشيخ علي، عمار حسامو، خلف الصطوف، معتصم صعب، منى أبو الجدايل، ماهر إسبر، وبلال شاهين، وذلك وفق المكتب الإعلامي في منطقة مصياف.
النساء.. حضور خجول في مشهد التغيير
رغم أهمية الحدث ونجاحه في كسر حاجز التبعية السياسية، إلا أن تمثيل النساء في المجلس لم يرقَ إلى مستوى الطموحات. إذ لم تتجاوز نسبة النساء 13% من مجموع الأعضاء، وهي نسبة بعيدة عن الكوتا النسائية المفترضة والبالغة 30%. وهذا الواقع أعاد النقاش حول تمكين المرأة ودورها في المشهد السياسي المحلي.
بالنسبة للعديد من المشاركين، كانت هذه المرة الأولى التي يُسمح لهم فيها بالتعبير عن إرادتهم بحرية. فقد عاش أهالي المدينة، كحال ملايين السوريين، تحت سطوة استبداد طويل، حُرموا فيه من حقهم في المشاركة أو التعبير، وتعرض الكثيرون للاضطهاد لمجرد مطالبتهم بالحرية.
اقرأ أيضاً: افتتاح أول مقهى خاص بالنساء في إدلب
مهام المجلس وتطلعاته المستقبلية
ينص النظام الداخلي للمجلس على توليه مهام مجتمعية محورية، تبدأ من تعزيز السلم الأهلي، ولا تنتهي ببناء قنوات تواصل مع الجهات الفاعلة من أجل صناعة قرار محلي مستقل. كما يشير إلى السعي نحو تحقيق العدالة الانتقالية، بوصفها بوابة أساسية نحو سوريا جديدة قائمة على الحرية والكرامة.
وسيفتح المجلس أبوابه لاحقاً أمام من يرغب بالانضمام، وفق ضوابط محددة تضمن الاستمرارية والتنظيم المؤسسي.
بداية الطريق.. لا نهاية الرحلة
ختاماً، يمكن القول إنه رغم الانتقادات والقصور، لا يمكن إنكار أن ما شهدته مصياف يُعد خطوة مهمة نحو التغيير. وبطبيعة الحال، لا يُنتظر من هذا المجلس أن يكون الحل لكل مشكلات المدينة، لكنه بلا شك بداية تستحق البناء عليها، وتفتح الباب أمام تحولات ديمقراطية أوسع في مناطق أخرى من سوريا، خاصة في ظل غياب مؤسسات الدولة وفقدان الثقة بالمنظومات القديمة.