وسط صمت الصحراء السورية المترامية الأطراف، يعود شبح تنظيم «داعش» ليخترق جدران الهدوء الهش الذي خيّم على البادية لسنوات قليلة. فبعد تراجعٍ ظنه البعض دائماً، بدأت تحركات مشبوهة تعيد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة عن هجمات وعمليات عسكرية دموية كانت تعصف بشرق سوريا وأرياف حمص وتدمر. فهل نحن أمام ولادة جديدة للتنظيم، أم أنها محاولات يائسة أخيرة قبل الأفول؟
مؤشرات عودة تنظيم «داعش»
كشفت مصادر في الأمم المتحدة والولايات المتحدة، في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز»، عن تجدد نشاط تنظيم «داعش» في سوريا، مشيرين إلى أن التنظيم بدأ في استقطاب مقاتلين جدد وتعزيز قدراته العسكرية بعد فترة من السكون. وعلى الرغم من أن التنظيم اليوم ليس بالقوة التي كان عليها قبل عقد من الزمن حين سيطر على مناطق شاسعة من سوريا والعراق، إلا أن الخبراء يحذرون من قدرته على قلب الموازين مجدداً، خاصة إذا نجح في تحرير مقاتليه المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية «قسد».
هجمات دموية وتحركات مريبة
في واحدة من أبرز الهجمات الأخيرة، نفذ عناصر التنظيم عملية اقتحام في مدينة تدمر ومحيطها بريف حمص، حيث اختطفوا عدة مدنيين، وعُثر لاحقاً على جثث اثنين منهم، بينما بقي مصير الآخرين مجهولاً. وهذه الحادثة دفعت وزارة الدفاع السورية لرفع حالة التأهب إلى أقصى درجاتها في البادية السورية، بالتنسيق مع قوات «جيش سوريا الحرة» المتمركزة في قاعدة التنف، عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن.
وتتحدث بعض الصحف، نقلاً عن مصادرها المحلية عن وجود نحو 250 عنصراً من التنظيم منتشرين بين بادية السخنة وتدمر، بينهم 30 مقاتلاً من جنسيات أوروبية، ويعاني أغلبهم من إصابات وتشوهات حرب. وأشارت المصادر إلى أن التنظيم بدأ بتطبيق تكتيكات عسكرية جديدة، تعتمد على تشكيل مجموعات صغيرة مكونة من خمسة عناصر فقط، تنفذ عمليات سريعة وخاطفة، مستهدفة أهدافاً مدنية وعسكرية محدودة.
شهادات السكان المحليين
يقول أحد الناشطين من دير الزور، إن التحركات الأخيرة أثارت قلق السكان، موضحاً أن التنظيم أصبح أكثر جرأة في تحركاته الليلية. ومن جانبه، أكد عمر الجبوري، وهو أحد سكان تدمر، أن التنظيم بات يعتمد على عمليات مدروسة بعناية، ما يجعله أكثر خطورة من السابق، رغم انخفاض عدد الهجمات الكبرى على حد قوله.
اقرأ أيضاً: لماذا تعود «داعش» إلى الواجهة الآن؟
الابتزاز والتمويل: الزكاة بالقوة
وفي تقرير أعدته صحيفة «+963» تحدث مصدر مطّلع للصحيفة عن ظهور مجموعات جديدة تتولى جمع «الزكاة» لصالح التنظيم تحت قيادة «أبو مصعب الحوراني»، وهو شخصية بارزة تنحدر من ريف درعا. وأشار المصدر إلى أن مسؤول التسليح الحالي في سوريا، المعروف باسم «أبو البراء الحموي»، يتنقل بين بادية تدمر وبادية الرقة بسرية تامة. كما أكد أحد سكان ريف درعا أن هؤلاء المسلحين يلجؤون إلى التهديد والوعيد لتحصيل الأموال، حتى عبر تطبيق «واتساب».
كذلك، تتحدث التقارير المختلفة أن تحركات خلايا داعش شهدت تصاعداً واضحاً في الآونة الأخيرة، وأن العديد من المدنيين قدّموا شكاوى حول مشاهدتهم لعناصر ملثمين يرددون شعارات التنظيم ليلاً، إضافة إلى عمليات خطف وابتزاز متكررة في مدينتي تدمر والسخنة. فيما تشير بعض المصادر إلى أن معلومات استخباراتية حديثة كشفت عن نية التنظيم استهداف مؤسسات مدنية وشخصيات بارزة في الفترة المقبلة.
وتشير التقديرات إلى أن التنظيم يعمل على إعادة بناء شبكة دعم محلية من خلال أشخاص موثوقين يسهلون التواصل مع المجموعات الصغيرة المنتشرة في البادية، مستغلين حالة الفوضى السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد.
تحديات قائمة رغم النجاحات
في تصريح سابق له، في شباط الماضي، قال «أبو الشهاب طيانة»، القائد العسكري في جيش سوريا الحرة، إن خطر داعش لا يزال قائماً رغم الجهود المبذولة، داعياً إلى توفير دعم لوجستي أكبر لمواجهة هذا التهديد.
ومن جانبه، شدد عادل اللطيف، القيادي في قوات سوريا الديمقراطية، على أهمية التعاون الدولي المستمر، محذراً من هشاشة الوضع الأمني في المناطق المحررة، ومؤكداً أن التنظيم لا يزال قادراً على إعادة ترتيب صفوفه.
ختاماً، يبدو أن الحرب ضد «داعش» لم تنته بعد، بل دخلت مرحلة جديدة من التحديات المعقدة. وبينما تعمل القوات المحلية والدولية على احتواء التهديد المتجدد، تظل البادية السورية ساحة مفتوحة للمواجهات، حيث تتشابك خيوط السياسة والعسكر والمجتمع المحلي في معركة مفتوحة لا تعرف خط نهاية واضحاً حتى الآن.