وساطة إماراتية تفتح قناة سريّة بين دمشق وتل أبيب.. ما القصة؟!

في عالم السياسة الذي لا يهدأ، تظل كواليس التفاهمات الخفية أكثر إثارة من صخب التصريحات العلنية. وبينما تتجه الأنظار إلى بؤر التوتر في الشرق الأوسط، يكشف تقرير حصري لوكالة «رويترز» عن خيوط جديدة لوساطة سرية تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة بين «إسرائيل» وسوريا، في مسعى يبدو أنه يعيد رسم خريطة العلاقات الإقليمية من خلف الستار.

قناة خلفية بين دمشق وتل أبيب

ذكرت ثلاثة مصادر مطلعة أن دولة الإمارات العربية المتحدة أنشأت قناة خلفية للحوار بين «إسرائيل» وسوريا، في وقت تسعى فيه القيادة السورية الجديدة للحصول على دعم إقليمي للتعامل مع التوتر المتزايد مع جارتها الجنوبية. وأكد مصدر على معرفة مباشرة بالأمر، إضافة إلى مصدر أمني سوري ومسؤول استخبارات إقليمي، أن هذه الاتصالات غير المباشرة تركز على المسائل الأمنية والاستخباراتية وبناء الثقة بين البلدين اللذين لا تربطهما علاقات رسمية.

وأوضح المصدر الأول أن الجهود، التي انطلقت بعد أيام من زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الإمارات في 13 نيسان/أبريل 2025، تتركز حالياً على «مسائل تقنية»، معتبراً أن النقاشات قد تتوسع مستقبلاً.

أول اعتراف علني من دمشق

وفي مؤتمر صحفي عقده خلال زيارة إلى باريس، أفصح الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع أن «هناك مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء لتهدئة الوضع»، وهو أول اعتراف علني بوجود هذه الجهود، مضيفاً: «نحن نتحدث إلى كل الدول التي على تواصل مع الجانب الإسرائيلي للضغط عليهم لوقف تدخلهم في الشؤون السورية وانتهاكهم للمجال الجوي السوري واستهداف بعض منشآتنا»، فيما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن مسألة «أمان إسرائيل» كانت من بين النقاط التي جرى نقاشها مع الشرع.

نفي إماراتي رسمي

من جانبها، نفت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية ومبعوث الوزير، بشكل قاطع صحة هذه المعلومات، وأكدت لـ«رويترز»: «الادعاء بأن الإمارات تتوسط في محادثات سرية بين سوريا وإسرائيل غير صحيح إطلاقاً. الإمارات ليست جزءاً من أي محادثات من هذا النوع».

وبحسب المصدر الأمني السوري، فإن هذه القناة تقتصر فقط على الملفات الأمنية، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب، فيما أوضح أن القضايا العسكرية البحتة، لا سيما ما يتعلق بأنشطة الجيش «الإسرائيلي» داخل سوريا، ليست ضمن نطاق هذه القناة.

وكشف مصدر استخباراتي، لرويترز كما أسلفنا، أن آلية التواصل تضم مسؤولين أمنيين من الإمارات وسوريا، إلى جانب عناصر استخباراتية «إسرائيلية» سابقة، في إطار عمل يتم بعيداً عن الأضواء بسبب حساسية الوضع.

توتر ميداني مستمر

وجاءت هذه الوساطة قبل أيام من تنفيذ «إسرائيل» ضربات جديدة داخل سوريا، كان أبرزها هجوم وقع على بعد 500 متر فقط من القصر الرئاسي في دمشق. ولم يتمكن التقرير من تأكيد ما إذا كانت هذه القناة قد استُخدمت بعد هذه الضربات. فيما وصفت «إسرائيل» هذه الهجمات بأنها رسالة إلى القيادة السورية الجديدة على خلفية تهديدات طالت أبناء الطائفة الدرزية، التي تُعد أقلية دينية تتوزع في سوريا ولبنان و«إسرائيل».

ووفق مصدر مطلع ودبلوماسي إقليمي، جرت خلال الأسبوع الماضي محاولات وساطة غير رسمية بين «إسرائيل» وسوريا عبر قنوات أخرى، لكن لم يتم الكشف عن تفاصيل إضافية حول هذه الجهود.

في المقابل، أدانت الحكومة السورية الضربات الإسرائيلية ووصفتها بالتصعيد الخطير والتدخل الأجنبي، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة في دمشق تعمل على توحيد البلاد بعد 14 عاماً من الحرب.

رسائل طمأنة لـ «إسرائيل»

سعت القيادة السورية الجديدة إلى إرسال إشارات تهدئة إلى «إسرائيل»، من خلال لقاءات مع ممثلين عن الجالية اليهودية في دمشق وخارجها، إضافة إلى اعتقال اثنين من كبار أعضاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المتورطين في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بقيادة حركة حماس على إسرائيل.

وجاء في رسالة وجهتها وزارة الخارجية السورية إلى وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي: «لن نسمح بأن تصبح سوريا مصدراً للتهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل».

ويواصل كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات شن ضربات في سوريا ضمن حملة سرية تهدف لإضعاف نفوذ إيران وحلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، الذين عززوا حضورهم في سوريا خلال الحرب الأهلية.

وزادت العمليات العسكرية «الإسرائيلية» منذ الإطاحة بالأسد في كانون الأول الماضي، حيث ترفض تل أبيب أي وجود لمقاتلين إسلاميين في جنوب سوريا، ونفذت عدة ضربات طالت أهدافاً عسكرية تقول «إسرائيل» إنها تابعة لفصائل مسلحة.

مخاوف وتحفظات

وكانت قد أفادت «رويترز» في شباط بأن الكيان حث الولايات المتحدة على إبقاء سوريا لامركزية ومعزولة، بسبب شكوكها تجاه الشرع، الذي كان يرأس فرعاً من تنظيم القاعدة قبل أن يعلن تخليه عن التنظيم في 2016.

وأعربت الحكومة الإماراتية عن قلقها إزاء الطابع الإسلامي للقيادة السورية الجديدة، لكن مصادر أشارت إلى أن لقاء الشرع مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الشهر الماضي ساهم في تهدئة بعض هذه المخاوف، خاصة أن اللقاء استمر عدة ساعات وتأخر على إثره الشرع عن موعد لاحق.

اقرأ أيضاً: سوريا تشارك في بطولة العالم لناشئي التايكواندو في الإمارات العربية المتحدة

آراء وتحليلات

يرى المحلل السياسي السوري عبد الرحمن الحاج أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الإمارات لتي حدثت في وقت سابق، جاءت في سياق مواجهة التهديدات الإسرائيلية والتحديات الأمنية التي تواجه سوريا حالياً. ويشير الحاج إلى أن الإمارات، بحكم علاقاتها مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، يمكنها نقل رسائل إلى الشرع، معتبراً أن الزيارة ربما جاءت بطلب من الإمارات وليس العكس.

من جانبه، وفي تعليق سابق له على الزيارة، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة أن زيارة الشرع إلى الإمارات تندرج في سياق حثها على الإسهام في ملف إعادة الإعمار في سوريا، مضيفاً أن الإمارات قد تلعب دوراً وسيطاً بين دمشق وتل أبيب من أجل وقف الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية.

أما الباحث السياسي مؤيد غزلان، فيرى أن سوريا تواجه تحديات مفصلية بعد تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية وعدم تحرك ملف العقوبات الأميركية بشكل واضح، مما يعيق البدء في مسيرة الإعمار. ويشير إلى أن ذلك يستدعي الاستعانة بوساطة عربية تخفف من تبعات التباطؤ الأميركي تجاه الملف السوري، وتحث واشنطن على الضغط على تل أبيب للتوقف عن سياسة الاستعداء المتصاعد نحو سوريا.