أعلنت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات في سوريا، انطلاق المرحلة الأولى من مشروع “أوغاريت 2″، الذي يمثل تعاوناً مشتركاً بين الوزارة، وشركة (UNIFI) الأميركية للاتصالات، والشركة السورية للاتصالات، وهيئة الاتصالات القبرصية (CVTA).
ويهدف هذا المشروع إلى استعادة وتحديث الاتصال الرقمي الدولي لسوريا عبر قبرص، مستفيداً من ترخيص صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، مما يفتح آفاقاً جديدة للتفاعل الدولي رغم التحديات القائمة.
وينظر إلى “أوغاريت 2” بوصفه خطوة استراتيجية نحو تعزيز البنية التحتية للاتصالات في البلاد وتوسيع إمكانياتها الرقمية المستقبلية.
وتركز المرحلة الأولى على تحديث معدات المحطات الطرفية داخل سوريا، بتمويل من هيئة الاتصالات القبرصية، وإشراف فني وتنظيمي من شركة(UNIFI) الأميركية.
وتهدف هذه التحسينات إلى تعزيز جودة الشبكة الرقمية السورية فوراً وزيادة سعة الإنترنت بشكل كبير، ما يسهم في توفير اتصالات دولية أكثر استقراراً وموثوقية.
مشروع “أوغاريت 2”: توسع رقمي واستراتيجي
لا يقتصر مشروع “أوغاريت 2” على تحديث البنية التحتية الحالية، بل يتطلع إلى مرحلة مستقبلية أكثر تأثيراً، حيث تشمل المرحلة الثانية تركيب كابل أوغاريت 2 البحري الجديد، الذي سيربط مدينة طرطوس بموقع بينتاسخيناس في جنوب قبرص، وهو نقطة هبوط رئيسية للكابلات البحرية الدولية.
ويمتد هذا الكابل لمسافة 250 كيلومتراً، ليعزز سرعة الإنترنت ويوسع نطاق الشبكة الرقمية، ما يوفر دفعة حيوية للنشاط الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، ويزيد من فرص الوصول الرقمي للمواطنين والشركات.
وأكد وزير الاتصالات وتقانة المعلومات، المهندس عبد السلام هيكل، أن المشروع يمثل نقطة تحول في مستقبل سوريا الرقمي، مشدداً على الالتزام بتطوير بنية تحتية حديثة ومرنة تواكب الاقتصاد العالمي، وتوفر اتصالاً سريعاً وموثوقاً يسهم في الابتكار والتنمية الاقتصادية، ويعزز ارتباط سوريا بالعالم.
ومن جانبه، وصف الرئيس التنفيذي للشركة السورية للاتصالات، غسان عكاش، تحديث المعدات الطرفية في المرحلة الأولى بأنه خطوة محورية نحو إنشاء اتصال دولي منخفض زمن الوصول، وهو عنصر أساسي لإعادة بناء البنية التحتية الرقمية.
كما أشار الرئيس التنفيذي لشركة (UNIFI)، أدريان شانكو، إلى أن المشروع يمثل “مبادرة استراتيجية ورؤية مستقبلية لاستعادة الاتصال الدولي”، مؤكداً على أهمية التعاون في بناء بنية تحتية تدعم التحول الرقمي وإعادة دمج سوريا في النظام العالمي للاتصالات.
إلى ذلك، شدد الرئيس التنفيذي لشركة (CYIA)، أندرياس نيوكليوس، على التزام شركته بدعم المبادرات الإقليمية التي تعزز الاتصال، مؤكداً أن المشروع يعزز دور قبرص كمركز رئيسي للاتصالات.
اقرأ أيضاً: الأمن السيبراني في سوريا.. تحديات كبيرة في أبرز القطاعات الحيوية
واقع الإنترنت المرير: بطء وانقطاعات متكررة
رغم التطلعات المرتبطة بمشروع “أوغاريت 2″، يواصل الإنترنت في سوريا تدهوره منذ سنوات، حيث يعاني المواطنون من بطء شديد في السرعات، يصل في بعض المناطق إلى حد انعدام الخدمة تماماً.
وهذه الأزمة ليست جديدة، بل نتاج عوامل متراكمة، من بينها تدني جودة البنية التحتية، التي تضررت بسبب الحرب وأهملت صيانتها، إضافة إلى نقص حاد في قطع الغيار.
كما تؤدي الانقطاعات المتكررة إلى تعطيل الاستخدام اليومي، حيث تتوقف الخدمة بشكل مستمر نتيجة لأضرار في الشبكات، ونقص الكهرباء، ومشكلات تشغيلية أخرى.
إلى جانب ذلك، تشكل الأسعار المرتفعة تحدياً إضافياً، حيث يدفع المواطنون مبالغ كبيرة مقابل خدمات محدودة، في ظل تدني مستوى الجودة مقارنة بدول الجوار.
وهذا الوضع يترك آثاراً واضحة على حياة السوريين، إذ يعوق قدرتهم على التعلم والعمل عن بعد، ويحد من تواصلهم مع العالم الخارجي، كما يؤثر على نمو وتطور الأعمال التي تعتمد على الاتصال الرقمي.
وفي ظل هذه التحديات، يبقى تحسين البنية التحتية أمراً ملحاً لضمان مستقبل أكثر استقراراً للاتصالات في البلاد.
أسباب الأعطال: من التخريب إلى الفساد ونقص الاستثمار
تعاني خدمة الإنترنت في سوريا من مشكلات متداخلة تتجاوز ضعف الاستثمار والتقنيات القديمة، إذ ساهمت عوامل عديدة في تفاقم الأزمة، بدءاً من تدمير البنية التحتية بفعل الحرب، حيث تعرضت شبكات الاتصالات والكابلات والمحطات لأضرار جسيمة، وصولاً إلى التعديات المستمرة على الكابلات الضوئية التي تغذي أبراج شركات الاتصالات الخلوية، خاصة في المناطق الريفية.
وتشير تقارير إلى أن هذه التعديات قد تكون مقصودة، حيث تتهم أطراف مختلفة بالضلوع فيها، سواء كانوا من فلول النظام السابق، أو أفراد يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة، أو جهات تسعى لتعطيل الخدمة لصالح مقدمي خدمات إنترنت غير نظاميين أو مرخصين حديثاً.
إضافة إلى ذلك، تعاني عمليات الصيانة من نقص حاد في قطع الغيار، وهو وضع تفاقم بعد سرقة مستودعات الشركات الخلوية عقب سقوط النظام السابق، فضلاً عن تأخر الإصلاحات التي تحتكرها الشركة السورية للاتصالات بفريق فني محدود، ما أثار شبهات حول وجود فساد يؤدي إلى تأخير متعمد في عمليات الإصلاح.
كما يشكل التقنين الكهربائي المتكرر عقبة رئيسية أمام استقرار الخدمة، إذ يؤدي انقطاع الكهرباء إلى توقف أبراج البث والمقاسم، في ظل غياب حلول بديلة كافية.
وفي الوقت نفسه، تؤثر الرقابة الحكومية على سرعة الإنترنت، وقد تلجأ السلطات أحياناً إلى فرض قيود أو حجب محتوى معين، بينما يفاقم الطلب المتزايد على الإنترنت الضغط على البنية التحتية المتقادمة، مما يزيد من تعثر الخدمة ويجعل تحسينها أكثر تعقيداً.
اقرأ أيضاً: وزير الاتصالات: استخدام تقنيات حديثة تعتمد الألياف الضوئية لتطوير الاتصالات
آفاق التحسين ومقترحات للنهوض بالقطاع
يمثل مشروع “أوغاريت 2″، ولا سيما مرحلته الثانية التي تتضمن مد الكابل البحري الجديد، بارقة أمل لتحسين جودة وسرعات الاتصال الدولي، مما يساهم في دعم النمو الاقتصادي والتكنولوجي في سوريا.
ومع ذلك، فإن تحقيق نقلة نوعية في قطاع الاتصالات يتطلب معالجة شاملة للتحديات المتراكمة، بدءاً من الاستثمار في إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة وتحديث التقنيات، وصولاً إلى تعزيز المنافسة من خلال فتح المجال أمام مزودين جدد، وتوفير إمدادات طاقة مستقرة، ومعالجة مشكلات التخريب والفساد، إلى جانب تعزيز الشراكات الدولية.
ورغم أن الأزمة الاقتصادية والقيود التنظيمية تمثل عقبات أمام تنفيذ هذه الإصلاحات، فإن إطلاق مشروع بحجم “أوغاريت 2” بمشاركة جهات دولية يعكس خطوة إيجابية نحو تحسين واقع الاتصالات في البلاد.
غير أن النجاح يتطلب تعاوناً مستمراً بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان توفير خدمة إنترنت سريعة وموثوقة، بوصفها ركناً أساسياً في جهود التعافي والتنمية.