لم تشمل تعقيدات الحرب في سوريا الجوانب السياسية والاقتصادية، بل شملت أيضاً التعقيدات التعليمية التي وضعت جميع طلاب سوريا أمام تحديات تفوق استيعابهم لحجم الحرب السورية، فاليوم يتعرّض 25 ألف طالب سوري في الحسكة فقط مع آلاف آخرين من الطلاب الموزعين على باقي مناطق شمال شرق سورية لخسارة عامهم الدراسي، ما لم يتم تنفيذ الاتفاق الموقّع عليه بين قوات سوريا الديموقراطية والحكومة السورية الجديدة في الملف التعليمي وإجراء الامتحانات للشهادتين الإعدادية والثانوية.
ففي الوقت الذي جهزت فيه هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية المراكز الامتحانية ومددت التسجيل مرتين على الشهادتين الإعدادية والثانوية، تقف اليوم حائرة ومنتظرة لما ستؤول إليه المفاوضات بين وفد قسد والحكومة السورية في ملف التعليم، فبالرغم من نجاح الإدارة الذاتية في تحييد الملف التعليمي عن التطورات السياسية والعسكرية الحاصلة بعد سقوط النظام السابق، إلا أن تأجيل مناقشة آليات تطبيق العملية الامتحانية للشهادتين وضع الطلاب والإدارة الذاتية في سباق مع الزمن.
وبدعوة من وزارة التربية في دمشق تم عقد اجتماع في نيسان الماضي مع هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية وبالتعاون مع منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة كطرف محايد، تم فيه مناقشة آليات العملية الامتحانية ومناهج دمشق المتبعة في كافة أنحاء الجمهورية، وقد رحبت الإدارة الذاتية باجراء طلاب شمال شرقي سورية امتحاناتهم في مدنهم ومناطقهم، وتم الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة من الطرفين لتسيير العملية الامتحانية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، مع طرح عدة قضايا تعليمية على أمل أن يتم عقد اجتماعات لتحديد سبل وآليات تطبيق الكلام السابق.
لكن تكمن المشكلة الآن في عمليات التسجيل للطلاب، إذ تم تمديد التسجيل مرتين لكن الحكومة السورية لم تفتح باب التسجيل لطلاب شمال شرق سوريا، فبحسب رئيسة الهيئة المشتركة للتربية والتعليم في الإدارة الذاتية سميرة الحاج علي أنه يتم العمل على التنسيق مع وزارة التربية بدمشق على اتباع آلية التسجيل الإلكتروني للطلاب مما يتيح الفرصة لجميع الطلاب الراغبين بتقديم الامتحانات بالتسجيل، بالإضافة إلى إمكانية تمديد فترة التقديم.
وأشارت الحاج علي بأن هيئة التربية نسقت مع هيئة الداخلية وجميع الهيئات المعنية في إقليم شمال شرق سوريا، وعقدت اجتماعات مع المجالس التنفيذية لتنفيذ العملية الامتحانية وفق ما تم التوافق عليه مع وزارة التربية بدمشق إلا أن الرد لم يأتي حتى الآن بالرغم من الجهوزية الكاملة للإدارة الذاتية لتنفيذ امتحانات طلابها.
وبحسب نتائج الاجتماع المنعقد في 13 و14 نيسان الماضي، تم الاتفاق على فتح أربع مراكز امتحانية موزعة على مدن الرقة والحسكة والقامشلي وريف دير الزور، وهي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية.
أما فيما يخص الطلاب المسجلين أنفسهم في مراكز امتحانية خارج شمال شرق سوريا، أي في دمشق أو حلب وغيرها من المحافظات السورية، فقد سمحت وزارة التربية السورية بالاتفاق مع الإدارة الذاتية بنقل تسجيلهم إلى المراكز الأقرب إليهم في المحافظات التابعة للإدارة الذاتية.
اقرأ أيضاً: ما مصير الآلاف من طلاب الشهادات بعد إغلاق مدارسهم في الحسكة؟
قلق وترقب لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية
ينتظر الاتفاق السابق بين وزارة التربية والهيئة المشتركة للتربية والتعليم في الإدارة الذاتية تنفيذ البنود، وبالرغم من المرونة والإيجابية في تعاطي الوزارة مع الإدارة الذاتية فيما يخص امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية إلا أن قرار التنفيذ معلق حتى تأتي الموافقة من الإدارة السياسية بدمشق بحسب رئيسة هيئة التربية والتعليم بالإدارة الذاتية سميرة الحاج علي.
ومن هنا عاد الطلاب إلى حالة القلق والتوتر من عدم إمكانية تقديم امتحاناتهم هذا العام في مناطقهم، بعد حالة الارتياح المبدئي الذي شهدته الأوساط التعليمية في الإدارة الذاتية نتيجة الاتفاق.
لا تكمن الضغوط النفسية على الطلاب فقط، فلأهالي الطلاب حصة مضاعفة من هذا الضغط والتوتر، ليس من جانب خوفهم على خسارة أبنائهم لمستقبلهم الدراسي فحسب، وإنما الضغوط المادية والمعيشية التي ستلقي بظلالها على كاهلهم في حال لم يتم تنفيذ البنود السابقة من الاتفاق، لأنه حينها يتوجب على الطلاب الذهاب إلى المدن السورية الأُخرى لتقديم امتحاناتهم، وذلك يترتب عليه تكاليف مالية قد لا يستطيع الأهالي مجاراتها.
عدا عن ذلك يقول الأهالي أن المخاوف الأمنية تسيطر عليهم وعلى أبنائهم في حال لم يتم تنفيذ بنود الاتفاق السابق، فقالت أم إحدى الطالبات لإحدى الصحف العربية أنها تخشى من إرسال ابنتها إلى دمشق نتيجة عدم استقرار الوضع الأمني وخطورة الطريق، والتقسيمات العسكرية والحدودية التي خلفها سقوط النظام السابق والتي يدفع ثمنها طلاب تلك المناطق.
المناهج الدراسية بين المعترف وغير المعترف بها
مع سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على مناطق شمال وشرق سوريا عام 2013، تم اعتماد مناهج بلغات متعددة، فللأكراد مناهج دراسية بلغتهم، بالإضافة إلى مناهج باللغة السريانية تماشياً مع أصول وقوميات سكان تلك المنطقة، بالإضافة إلى المحافظة على مناهج الحكومة السورية آنذاك، وحرية الاختيار لجميع السكان بالدراسة في المناهج التي يرونها مناسبة لهم.
امتداداً لما سبق ومع سقوط النظام السابق، طالب مسؤول في الإدارة الذاتية باعتراف وزارة التربية الحكومية بمناهج الإدارة الذاتية ومدارسها القائمة، وتخصيص التدريس باللغة الكردية لمن يرغب من الطلاب، وترك حرية الاختيار للأهالي والطلاب والاعتراف الرسمي بجامعات الإدارة “روج آفا” بالقامشلي، و”الشرق” بالرقة، وكوباني في مدينة عين العرب “كوباني” بحلب، أسوة ببقية الجامعات الخاصة في مدينتي إدلب وحلب بعد سقوط النظام.
باختصار، مع اقتراب موعد امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، وعدم البت في تطبيق الاتفاق السابق من عدمه يعيش طلاب تلك المناطق “على أعصابهم” على حد وصفهم، وتعلق مستقبلهم بقرار من وزارة التربية السورية يحمل الوزارة مسؤولية ضياع جهدهم.
اقرأ أيضاً: «تغريبة جامعية» تُحيي النقاش حول التعليم الرقمي في سوريا