متى تعود رؤوس الأموال السورية التي هجرت البلاد طيلة عقود؟ سؤال يُطرح كثيراً في سوريا هذه الأيام؛ فبعد زوال سلطة بشار الأسد، تجددت الآمال لدى كثيرين بعودة الأموال والاستثمارات التي هربت من نيران الحرب والفساد، إلى أرض الوطن لبناء مستقبل جديد. غير أن الواقع الميداني والسياسي يشير إلى أن هذا المسار لا يزال شائكاً ومعقداً، ويحتاج إلى أكثر من مجرد تغيير في رأس السلطة.
تحقيقات تكشف المستور
كشفت وكالة «رويترز» مؤخراً عن تحقيق استقصائي مثير سلط الضوء على تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل مغادرة بشار الأسد سوريا، إذ استخدم طائرة خاصة من طراز «إمبراير ليجاسي 600» لنقل ممتلكاته وأمواله إلى الإمارات. وتشير البيانات إلى أربع رحلات قامت بها هذه الطائرة في الأيام التي سبقت انهيار نظامه، حاملة معها وثائق حساسة ومبالغ ضخمة، بعضها تجاوز نصف مليون دولار نقداً، إلى جانب أقراص صلبة يُعتقد أنها تتضمن تفاصيل عن شبكة أعماله التجارية.
ومع بداية مرحلة سياسية جديدة، بدأت الحكومة السورية الوليدة بمحاولة تعقب الأصول المرتبطة بعائلة الأسد، سواء تلك الموجودة في روسيا أو دبي أو غيرها من الدول. وتشير التقارير المتنوعة إلى ممتلكات عقارية فاخرة في موسكو، وأرصدة مصرفية موزعة بين هونغ كونغ وبعض الدول الأوروبية والخليجية. غير أن هذه المساعي تصطدم بعقبات قانونية دولية وتشريعية داخلية، ما يجعل من استرداد الأموال أمراً بعيد المنال حالياً كما يبدو.
متى تعود الأموال؟
يرى الخبير الاقتصادي سمير طويل أن عودة رؤوس الأموال السورية لا تخضع لمعيار زمني، بل لمدى توفر بيئة استثمارية مواتية. ويؤكد أن تلك الأموال التي استقرت في تركيا ولبنان والخليج لن تعود إلى سوريا ما لم يتم إصلاح البنية التحتية وتأمين الكهرباء والمياه، ورفع العقوبات المفروضة، خاصة على القطاع المصرفي.
ويضيف طويل في تصريح له أدلى به مؤخراً لموقع «+963»: «الاستقرار السياسي والتشريعي هو الركيزة الأساسية لأي عملية جذب استثماري، وبدونه لا يمكن للمستثمر أن يخاطر بأمواله مهما كان انتماؤه الوطني».
التحول لا يزال في بدايته..
من جانبه، يرى الدكتور عماد الدين المصبح، وهو أكاديمي وخبير اقتصادي، أن الحديث عن تأخر عودة الأموال «في غير محله»، باعتبار أن البلاد لا تزال في الأيام الأولى من مرحلة ما بعد النظام السابق. ويضيف أن إعادة بناء الثقة في السوق السورية تتطلب وقتاً لتقييم المخاطر ودراسة الجدوى، مؤكداً أن هناك تحركات خجولة لكنها حقيقية في طريق عودة بعض المشاريع الصغيرة.
ويشير المصبح إلى أن العقوبات الغربية، لا سيما تلك التي تطال البنك المركزي السوري، تمثل العائق الأكبر أمام تدفق رؤوس الأموال. ويصفها بأنها تشل الحركة المالية وتمنع التحويلات الدولية، ما يعيق أي خطوة استثمارية محتملة. ويشدد على ضرورة إعادة النظر في هذه العقوبات، خاصة في ظل تشكيل دولة جديدة، معتبراً استمرارها «عقاباً جماعياً غير عادل».
اقرأ أيضاً: هل طباعة العملة حل للأزمة الاقتصادية السورية؟
أكثر من 100 مليار دولار!
هذا وتفيد تقارير غير رسمية بأن حجم الأموال السورية في الخارج يتجاوز 100 مليار دولار، وهي أموال قادرة على إحداث نقلة اقتصادية كبرى لو عادت تدريجياً، فيما تبقى الأنظار متجهة نحو ما ستقدمه الدولة السورية الجديدة على صعيد الاقتصاد، وسط ترقب داخلي وخارجي لما إذا كانت ستنجح في إعادة الحياة للبلاد، وتهيئة الظروف الكفيلة باستعادة أبنائها، وأموالهم، لبناء وطن أنهكته الحروب، وينتظر من يعيد إليه الحياة.