بين تصريحات واشنطن الحادّة التي تُحرّم التعامل مع موسكو وطهران، وتحليلات تُنذر بانزياح التحالفات، تطفو على السطح أسئلة مصيرية عن مستقبل العلاقة الروسية السورية. فهل تشير سُحب الدخان المتصاعدة بعد الهجوم الأخير إلى بداية النهاية لروسيا في سوريا؟ سيُقلّب هذا المقال أوراق اللعبة من زواياها كافة: من تفجيرات «حميميم» الغامضة نسبياً إلى وثيقة القرار الأمريكي 25، مروراً بالآراء، وانتهاءً بضوء يلقى على روابط الشراكة التي تصل الكرملين بدمشق…
روسيا في سوريا: «بركان الفرات» في وجه الروس
في 20 أيار 2025، تعرضت قاعدة حميميم الجوية الروسية في ريف اللاذقية لهجوم مسلح نفذته جماعة تُطلق على نفسها اسم «بركان الفرات». وأسفر الهجوم عن مقتل جنديين روسيين، بينما قُتل اثنان من المهاجمين، أحدهما مصري يُدعى «أبو جهاد المصري»، والآخر سوري يُدعى «أبو بكر الأنصاري».
وأعلنت الجماعة، التي تأسست في تشرين الثاني 2024، في بيان لها أنها تمهل القوات الروسية شهراً واحداً لمغادرة سوريا، مهددةً بشن المزيد من الهجمات في حال عدم الاستجابة.
القرار 25: دوافع سياسية كبرى؟!
بعد الاعتداء الذي طال قاعدة حميميم بأيام، وتحديداً في 23 أيار 2025، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية «الرخصة العامة رقم 25» (General License 25)، التي تمنح إعفاءات واسعة من العقوبات المفروضة على سوريا، مع استثناءات واضحة تمنع أي تعاملات تعود بالنفع على روسيا أو إيران.
وتُعد هذه الخطوة تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، واستمراراً لمسار ترامب في رفع العقوبات عن سوريا، حيث تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار في البلاد بعد سنوات من الحرب. لكن ومع ذلك، فإن استثناء روسيا وإيران من هذه الإعفاءات يشير إلى وجود حسابات بين الولايات المتحدة وهذين البلدين فيما يتعلق بالملف السوري ومنطقة الشرق الأوسط، وربما إلى وجود دوافع سياسية كبرى مرتبطة بالصراع العالمي.
آراء فيما حدث.. وما سيحدث!
في مقاله المنشور على موقع «رأي اليوم» بعنوان «استراتيجية العلاقات الروسية السورية: على خلفية الاعتداء الإرهابي»، يشير الكاتب رامي الشاعر أن العلاقات بين روسيا وسوريا ليست مجرد تحالف سياسي عابر، بل هي شراكة استراتيجية متجذرة في التاريخ والثقافة والمصالح المشتركة. ويشير الشاعر إلى أن هذه العلاقة تعززت مع الموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة فيما يتعلق بالأراضي السورية المحتلة وهضبة الجولان.
وفي سياق الاعتداء الأخير على قاعدة حميميم الجوية الروسية في ريف اللاذقية، والذي أسفر عن مقتل جنديين روسيين، يرى الشاعر أن هذا الهجوم لا يهدد استقرار سوريا فحسب، بل يستهدف أيضًا العلاقات الروسية السورية المتينة. ويعتبر أن مثل هذه العمليات الإرهابية تهدف إلى إرباك جهود الحكومة السورية الجديدة في تحقيق الاستقرار ومحاسبة المتورطين في الأحداث الإرهابية السابقة.
ويستعرض الشاعر الدور الروسي في دعم سوريا خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن روسيا ساهمت في منع اندلاع حرب أهلية في دمشق، وأوقفت تحركات عسكرية كانت قد تؤدي إلى تصعيد خطير في درعا، وساعدت في تسهيل الانتقال السلمي للسلطة من خلال القرار الأممي 2254 ومؤتمر سوتشي للحوار السوري.
قضايا عالقة
ومن جانبه، أشار الباحث المتخصص في الشأن الروسي محمود الحمزة إلى أن هناك قضايا عالقة بين موسكو ودمشق لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها، خاصة في ظل الحكومة السورية الجديدة. ويضيف أن الحكومة السورية الحالية قدّمت مجموعة من الطلبات إلى موسكو، إلا أن الأخيرة لم ترد عليها حتى الآن، خصوصاً فيما يتعلق بتسليم الأسد وأمواله، واستقرار عدد كبير من ضباط الجيش السوري السابق وكبار المسؤولين في موسكو، الأمور التي تعكس توترًا حقيقيًا في العلاقات بين الجانبين من وجهة نظره.
كما يرى الحمزة أن الهجوم الأخير على قاعدة حميميم قد يكون محاولة لإرباك جهود الحكومة السورية الجديدة في تحقيق الاستقرار، مشيرًا إلى أن المهاجمين ينتمون لجماعات متشددة تحمل عداءً أيديولوجيًا تجاه روسيا.
ختاماً، لا بدّ من القول إن قادمات الأيام قد تحمل مفاجآت كبرى في سوريا، فلا شيء مستحيل في عالم السياسة، لكن مما لا شكّ فيه أيضاً، أن العلاقات الروسية السورية هي علاقات متجذرة بين شعبين قبل أن تكون علاقة روسية مع سلطة الأسدين الأب والابن، وعلاقة بهذا العمق الاستراتيجي ليس من السهل أن تنتهي بشكل كامل ومطلق كما يشاع، لكن ربما يتغير شكلها أو طبيعتها أو حجمها وفق مقتضيات المرحلة الجديدة، وقد تمر أيضاً بمطبّات وعثرات مؤقتة إلا أنها ستبقى مستمرة بما تقتضيه مصالح البلدين، ولا شك أن لكل من سوريا وروسيا مصالح كبرى بالشراكة بين البلدين.