حاوره: عروة درويش
في حوار خاص مع موقع «سوريا اليوم 24»، يفتح لنا الدكتور نضال الحاج مصطفى قلبه، متحدثاً عن رحلته من محافظة الرقة السورية إلى مدينة إسكيلستونا في السويد، حيث استقر طبيباً مختصاً بالأمراض الصدرية، ومؤسساً لمبادرات تعليمية وطبية تستهدف دعم الكوادر الصحية في سوريا، خصوصاً في المناطق النائية. كما يُطلعنا على تجربته المهنية والإنسانية، وجهوده في تأسيس رابطة الأطباء السوريين في السويد، وتطلعاته لدورٍ فاعل في مستقبل القطاع الصحي السوري.
البدايات والمسيرة
لكل قصة نجاح بدايات وتحديات، والدكتور نضال كان شاهداً على الكثير منها. انطلقنا في حديثنا من سؤالنا التقليدي الأول:
لمن لا يعرف الطبيب نضال الحاج مصطفى، هل يمكن أن تقدم نبذة تعريفية عن نفسك وما الصعوبات ولحظات التوفيق التي تخللت مسيرتك المهنية والإنسانية والتي ينتظر الجمهور أن يتشاركها معك، سواء في سوريا أو في السويد؟
نضال صالح الحاج مصطفى طبيب أمراض صدرية بمشفى إسكيلستونا بالسويد. صاحب عيادة نتال للرعاية وللاستشارات الطبية في السويد. عمري 39 سنة. مواليد محافظة الرقة السورية. أقيم بإسكيلستونا مع زوجتي وأطفالي. انتقلت للسويد وبدأت مسيرتي بالرعاية المنزلية حتى حصولي على برنامج دراسة تكميلية للأطباء في جامعة لينشوبينغ. تخرجت بعد سنة وبدأت مزاولة مهنة الطب في مستشفى إسكيلستونا بقسم الأمراض الصدرية والمعدية. عضو نقابة الأطباء السويدية. أسست عيادة نتال للرعاية في السويد عام 2021.
عن دورة مقاومة الصادات الحيوية
بجهود فردية ومبادرات ذاتية، أطلق الدكتور نضال دورة تدريبية حول مقاومة الصادات الحيوية. فسألناه:
“المضادات الحيوية ومقاومة الصادات”، موضوع الدورة التدريبية للعاملين في الكادر الطبي بمحافظة الرقة السورية، ما السبب وراء اختيار الموضوع وما النتائج المرجوة لهذه الدورة، وهل ستكون بداية لسلسلة من التدريبات القادمة؟
دورة مقاومة الصادات الحيوية لرفع كفاءة الكوادر الطبية للتعامل مع المضادات الحيوية. بدأت الفكرة بشكل عفوي مني عندما سُئلت من قبل صيدلانية من محافظة الرقة السورية عن وصفة طبية لطفل صغير وكانت عن مضاد حيوي لا يُستخدم عادة إلا في حالات عدوى بكتيرية معقدة. قمت بمساعدة الصيدلانية وقررت أن أبدأ دورة لمقاومة الصادات الحيوية.
الدورة التعليمية هي نتاج تعاون منذ جائحة كورونا مع مجموعات طبية في سوريا وبالأخص منطقة الرقة. كنت على تواصل مستمر يومي مع أغلب الكوادر الطبية لإعطاء استشارات طبية لمرضى كورونا بحكم عملي كطبيب أمراض صدرية في السويد. هذه الدورة التعليمية يُبنى عليها كثير من الدورات التعليمية الطبية.
عن دور رابطة الأطباء السوريين في السويد
في ظل الحاجة للتنظيم والعمل الجماعي، برزت فكرة تأسيس رابطة للأطباء السوريين في السويد.
أنت عضو في رابطة الأطباء السوريين في السويد التي تهدف لتعزيز التعاون بين السوريين العاملين في المجال الطبي بالسويد، وتطوير الخدمات الصحية في سوريا، هل تمتلك الرابطة خارطة طريق واضحة لتحقيق أهدافها؟ لا سيما أنها في المرحلة الأولى التأسيسية والتعريفية وتتجه نحو المرحلة التنظيمية؟
أنا انتسبت لرابطة الأطباء السوريين في السويد ببداية تأسيسها كمنتسب بعد تحرير سوريا، والخطوط الأساسية للرابطة هي ترابط الأطباء والكادر الطبي في السويد مع بعضهم ودعم القطاع الطبي والمساهمة بإعادة إعماره.
الرابطة في طور البناء والتنظيم. بدأت تكون علاقات تعاون مع كثير من تجمعات المجتمع المدني في السويد. المشتركين الآن حوالي مئة شخص وسوف يتم اجتماع تعريفي للأعضاء وتصويت على مشاريع تطوعية في سوريا. الاجتماع تقرر 17/5 في مدينة يوتوبوري لكثرة الزملاء هناك.
حول التفاعل وحجم المشاركة
طرحنا على الدكتور نضال سؤالاً حول أرقام المشاركين في الأنشطة الأخيرة للرابطة، وهل يعتبرها مُرضية:
بلغ عدد الحاضرين للقاء التعريفي 190 سورياً من العاملين في القطاع الطبي بالسويد، في حين شهد الاجتماع الأول عبر الزوم والمعلن على صفحة فيسبوك حضور 30 عضواً من أصل 94 عضواً، هل ترضيك هذه الأرقام، وما الخطوات القادمة؟
أنا أطمح أن يزيد العدد وأن يكون هناك عمل طبي يساعد بإعادة بناء القطاع الطبي في سوريا. أنا أطمح أن يزيد العدد وأن يكون هناك عمل طبي يساعد بإعادة بناء القطاع الطبي في سوريا. وأسعى لأن تتحول الرابطة إلى منصة فاعلة للتنسيق بين الأطباء في المهجر والكادر داخل سوريا. نحتاج إلى مشاريع تعليمية مستمرة، وتدريبات نوعية تُراعي خصوصية كل منطقة وظروفها. أتمنى أن نصل إلى مرحلة نؤسس فيها بنية صحية معرفية مستدامة، لا تقتصر على الاستجابة الطارئة فقط. وأؤمن أن التعاون بين الجهود الفردية والمؤسسات المدنية هو المدخل الحقيقي لإصلاح ما تضرر في السنوات الماضية.
نظراً لطبيعة العمل التي تشمل التواصل داخل سوريا، سألناه عن علاقتهم بالحكومات السورية المتعاقبة:
اجتمعتم مع مسؤول في الحكومة السورية الأخيرة – حكومة تسيير الأعمال. هل اجتمعتم مع الحكومة الحالية، وهل نجم عن اجتماعاتكم أي شيء رسمي أو تلقيتم تسهيلات كي تتوسعوا في أعمالكم في سوريا؟
الرابطة تتكون من هيئة إدارية وتم تقسيم العمل حسب طبيعته على كل عضو إداري. تم الاجتماع حسب الإعلان لنا كأعضاء، ومخرجات هذا الاجتماع أكيد أنه سيكون تعاون وتسهيل، والحاجة للمساعدة كبيرة والتحديات كبيرة في القطاع الطبي السوري. هناك رغبة واضحة لدى الأعضاء في أن يتحول الجهد التطوعي إلى أثر ملموس على الأرض، خصوصاً في المناطق المحرومة طبياً. نتطلع إلى بناء علاقات شراكة مع منظمات طبية دولية ومراكز بحثية يمكن أن تدعمنا بالخبرة أو بالمادة العلمية. الطريق طويل، لكننا نؤمن أن الخطوة الأولى هي الأهم، وقد بدأنا بها بالفعل.

تطلعات الدكتور نضال لمستقبل سوريا الصحي
سألناه عن طموحاته الشخصية فيما يخص دوره في إعادة بناء المنظومة الصحية السورية:
في هذا الإطار ما الدور الذي يطمح إليه الطبيب السوري نضال الحاج مصطفى في المشهد الصحي لسوريا الجديدة؟
أنا صراحة أطمح أن أكون مؤثراً للتغيير الأفضل في القطاع الطبي السوري. بجهود فردية أعمل منذ سنة 2020 مع كوادر طبية في محافظة الرقة لتقديم الدعم الطبي والاستشارات للمرضى مجاناً. أنا لا أرى نفسي بمنصب سياسي أو طبي في سوريا، بل أرى نفسي صاحب مركز طبي في المستقبل في بلدي الرقة. أقدّم علمي وأحدث التقنيات للكشف عن سرطان الرئة وعلاجه حسب خبرتي في السويد.
هدفي أن أنقل ما تعلمته هنا إلى هناك، لا فقط من ناحية التشخيص والعلاج، بل أيضاً في منهجية العمل والتنظيم. المعرفة لا قيمة لها إذا بقيت محصورة في العيادات الخاصة أو في الغربة. أريد أن أرى جيلاً جديداً من الأطباء في سوريا يتعامل مع الطب كعلم متجدد، لا كروتين أو واجب وظيفي. ولذلك، أحاول أن أكون حلقة وصل بين بيئة طبية متقدمة كالسويد، وواقع يحتاج إلى كل دعم ممكن كالذي نعيشه في سوريا.
تقييم التجربة التدريبية الأولى
وبما أن أول دورة أقيمت فعلاً، طلبنا تقييمه لها:
كان من المقرر إجراء الدورة في شهر آذار/مارس. هل وجدتم التجربة ناجحة ويجب تكرارها، أم أنّ هناك خطط جديدة للمراحل القادمة؟
تم عمل الدورة في محافظة الرقة نهاية فبراير وتمت على ثلاث أيام. شارك معي الاستشاري الدكتور عبد الحميد كاخي استشاري جراحة البولية والتناسلية في مشفى سكونا الجامعي. تجربة رائعة، المشاركة بالدورة ممتازة، والعدد وصل لأكثر من 70 مشترك.
التجربة راح نتابعها في محافظات أخرى أيضاً أونلاين عبر جوجل ميت. الخطوة الآن دورة بالجراحة البولية للدكتور عبد الحميد كاخي في حمص بالتعاون مع منظمة طبية أمريكية للأطباء السوريين. أنا والدكتور عبد الحميد كاخي راح نعمل دورة مشتركة للمناطق النائية في سوريا وعلى الأغلب الاختيار راح يكون لريف حمص وحماة.
عن التحديات في تدريب الكوادر
الواقع الطبي السوري معقّد، فطرحنا عليه السؤال التالي:
ما الصعوبات التي تواجه تدريب الكوادر الطبية في سوريا؟
الصعوبات للكوادر الطبية كثيرة منها عدم وجود بروتوكولات طبية معتمدة. التعليم المستمر خطوة مهمة للكوادر الطبية ولكن بسبب الحرب توقف التطور العلمي بشكل كامل بكثير من المناطق في سوريا. الظروف الاقتصادية عامل صعب ويجعل التفرغ للتعلم المستمر صعب. القطاع الطبي يحتاج بناء من جديد بأسس علمية متطورة تغير الثقافة الطبية في سوريا.
عن البيئة المحفّزة للعودة
وسألناه عن رأيه في كيفية خلق بيئة تدفع الكوادر الطبية للبقاء أو العودة إلى سوريا:
المشهد الصحي في سوريا يعاني، وهذا ليس بالأمر الذي بدأ من جديد، ولكن لا يبدو أن إصلاحه بالأمر الهيّن، خاصة في ظلّ استمرار هجرة الكوادر المؤهلة من سوريا إلى الخارج. برأيك، إضافة إلى عوامل الاستقرار الأمني، ما البيئة التي تجعل الكوادر المؤهلة طبياً تبقى في البلاد، أو حتى تعود إليها؟
العامل الأمني مهم وأساسي. أنا أعتبر تكافؤ الفرص وبيئة عمل مناسبة مع تحسين الوضع الاقتصادي للكوادر الطبية يجعل كثيراً منهم يرجعون للعمل في سوريا. الطبيب لا يحتاج فقط إلى راتب، بل إلى شعور بالأمان والاستقرار المهني حتى يتمكن من العطاء.
عندما تتوفر أدوات العمل، وتُحترم الكفاءات، وتُرفع الحواجز البيروقراطية، فالكثير من الأطباء في الخارج سيفكرون جدياً بالعودة. رأيت بنفسي كم من الطاقات السورية في المهجر تعاني من الحنين، ولكنها تتردد بسبب غياب المقومات. إذا وُضعت أرضية صحيحة، يمكن أن نشهد عودة تدريجية لعدد كبير من الكفاءات، لا بدافع العاطفة فقط، بل عن قناعة بأن لهم دوراً في البناء.

عن تجربته الشخصية بين سوريا والسويد
انتقلنا للحديث عن رحلته الشخصية، فسألناه:
بالنسبة للطبيب نضال الحاج مصطفى بالاستمرارية والاجتهاد، كيف كانت الرحلة من سوريا إلى السويد، وهل من رحلة معاكسة متوقعة سواء اليوم أو في المستقبل القريب؟
رحلتي كانت محفوفة بالمخاطر مثل أغلب الناس اللي هاجرت للسويد ولكن رحلة بناء الدكتور نضال الحاج مصطفى في السويد كانت أصعب.
بالنسبة للرحلة المعاكسة، دائماً تراود أحلامنا كالأطفال الصغار نحلم بهذا الحلم ونحدث به أنفسنا كي لا ننساه. «أعلل النفس بالآمال أرقبها، علي أراها أو أرى من يراها». هكذا حالنا مع سوريا كحال الشاعر، ولكن الواقع يقول إننا تجذّرنا في السويد و ترابطت اقدارنا مع هذا البلد الجميل. لكن هناك احتمال يكون هناك عمل تطوعي طبي موجه للمناطق النائية بغض النظر عن العرق او الطائفة لهذه للمناطق.
تجربة Natalcare: بين الطب التقليدي وريادة العمل الصحي
في ختام الحوار، توجهنا بسؤالنا إلى الدكتور نضال حول مشروعه الشخصي في السويد «نتال للرعاية» الذي يمثل نقلة في مفهوم الممارسة الطبية، ويتجاوز حدود العيادة التقليدية:
يعتبر مشروع Natalcare في السويد من مشاريع الرعاية الصحية الطموحة، ما الذي أضافه لك على الصعيدين الشخصي والمهني؟ وهل تنصح الأطباء بأن يفعلوا مثلك؟
نتال للرعاية تقدم استشارات طبية في السويد. نتال للرعاية تقدم خدمات تحليل شاملة للفحص المبكر للأمراض. الخدمات تقدم أونلاين أو في مركز نتال للرعاية في إسكيلستونا.
نتال للرعاية غيّرت طبيعة عملي الطبي إلى شغف بناء وجود أملكه وأبنيه بنفسي. أكيد أنصح زملائي بالاعتماد على أنفسهم وتطوير الذات. فهذا أسلوب مختلف عن العمل الطبي التقليدي. العمل أونلاين كجزء من العمل أصبح حالة عادية بعد جائحة كورونا.
حين تتحول الغربة إلى جسر، لا جدار
ليست الغربة عند الدكتور نضال الحاج مصطفى هروباً من وطنٍ يتهاوى، بل مسؤولية مضاعفة أمام مرآة الضمير. في كل سطر من حديثه، نسمع شيئاً من ذلك «الحلم المؤجل» الذي يحمله كثيرٌ من السوريين على ظهورهم دون ضجيج، يحملونه على أكتافهم ويواصلون السير.
ما قاله نضال ممارسة يومية يمكن أن تبدأ برسالة، أو استشارة، أو دورة في «الرقة» تُدار من «إسكيلستونا». ربما لا يستطيع الطبيب أن يغير وجه المشهد الصحي وحده، لكن من المؤكد أن إشعاله لشمعة واحدة في هذا الظلام الصحي الكثيف هو عمل مقاومة… من النوع الذي لا يضج ولا يُصفّق له كثيرون، لكنه يغيّر.
اقرأ أيضاً: نهر الفرات يلفظ أنفاسه.. من ينقذ شريان الحياة في سوريا والمنطقة؟!