يعتبر موسم الحمضيات أحد المكونات الأساسية للقطاع الزراعي في سوريا، حيث يشكل مصدر دخل رئيسي لعشرات الآلاف من العائلات، خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس.
ومع اقتراب موسم 2024-2025 من نهايته، تشير البيانات الرسمية إلى أن الإنتاج تجاوز التوقعات الأولية، بينما يشهد التصدير توسعاً ملحوظاً، لا سيما باتجاه أسواق الخليج العربي، في تطور يعكس جانباً من التحولات الاقتصادية الأخيرة.
وبحسب الدكتور سعيد إبراهيم، مدير الاقتصاد والتخطيط في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، فإن حجم الإنتاج هذا الموسم تخطى 700 ألف طن، مقارنة بالتقديرات الأولية.
ومن جانبه، أشار الدكتور حيدر شاهين، مدير مكتب الحمضيات في الوزارة، إلى أن الإنتاج بلغ نحو 688 ألف طن، يتمركز بشكل أساسي في اللاذقية وطرطوس.
وتغطي المساحات المزروعة بالحمضيات بين 40 و43.5 ألف هكتار، وتضم ما يقارب 14 مليون شجرة، مما يوفر دخلاً مباشراً لأكثر من 50 ألف عائلة.
تفاوت في التقديرات وانخفاض عن المواسم السابقة
تشير التقديرات الرسمية إلى أن إنتاج موسم 2024-2025 يتراوح بين 688 و700 ألف طن، وهو ما يمثل تراجعاً مقارنة بالموسم الماضي 2023-2024، الذي بلغ إنتاجه نحو 841 ألف طن، أي بانخفاض قدره 18% وفقاً للدكتور حيدر شاهين، الذي يعزو ذلك إلى الظروف المناخية غير المواتية، مثل ارتفاع درجات الحرارة والرياح خلال مرحلتي الإزهار والعقد.
وفي المقابل، شهد الإنتاج في موسم 2022-2023 انخفاضاً، حيث بلغ 641 ألف طن، مقارنة بموسم 2021-2022 الذي سجل 760 ألف طن، والذي كان أقل من موسم 2020-2021 الذي بلغ 832 ألف طن.
ورغم التقديرات الرسمية، لا تزال هناك خلافات حول حجم الإنتاج الفعلي، حيث شكك رئيس لجنة تصدير الحمضيات، بسام علي، في صحة الأرقام الرسمية، مقدراً الإنتاج الحقيقي بحوالي 250 ألف طن فقط.
كما أشار إلى أن التراجع المستمر منذ عام 2010، حين بلغ الإنتاج 1.25 مليون طن، يعود إلى توقف 50-60% من الفلاحين عن زراعة الحمضيات، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ولا سيما تكلفة الأسمدة.
وهذا التباين يعكس التحديات المرتبطة بتوفير تقديرات دقيقة في ظل الظروف الراهنة.
اقرأ أيضاً: إنعاش قطاع الثروة السمكية في سوريا.. خطة لإنتاج 10 ملايين إصبعية
الصادرات: انتعاش ملحوظ وأسواق جديدة
رغم اختلاف تقديرات حجم الإنتاج، تشهد الصادرات الزراعية السورية، بما في ذلك الحمضيات، انتعاشاً واضحاً.
فقد كشف محمد العقاد، رئيس لجنة سوق الهال وعضو لجنة تجار ومصدري الخضراوات والفواكه في دمشق، عن تصدير 272.500 ألف طن من المنتجات الزراعية إلى دول الخليج العربي خلال الشهرين الماضيين، حيث تصدرت السعودية قائمة الدول المستوردة، تلتها الكويت، الإمارات، وقطر.
وأشار العقاد إلى تحسن ملحوظ في وضع الصادرات مقارنة بالفترات السابقة، مؤكداً أن حركة عبور الشاحنات عبر الحدود السورية أصبحت أكثر سلاسة بعد التغيرات السياسية الأخيرة.
ويعكس هذا التحسن البيانات الصادرة عن معبر نصيب الحدودي مع الأردن، حيث أوضح نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع في الأردن، ضيف الله أبو عاقولة، أن حركة الشحن عبر المعابر البرية زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ بداية عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع عبور آلاف الشاحنات في الاتجاهين عبر معبري جابر ونصيب.
وهذا النمو في حركة التصدير نحو الخليج والأردن يعكس انفتاح الأسواق أمام المنتجات الزراعية السورية، مما يشير إلى فرص جديدة للمصدرين ويعزز النشاط التجاري في القطاع الزراعي.
تأثير الموسم على السوق المحلي: وفرة مع تساؤلات حول الأسعار
يشير الدكتور حيدر شاهين إلى أن حجم الإنتاج الحالي “كافٍ لتلبية احتياجات السوق، مع وجود وفرة في التصدير”، مؤكداً أن الأسعار لا تزال “مقبولة” رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج.
وبحسب التقديرات الرسمية، فإن المعروض من الحمضيات، على الرغم من تراجعه عن الموسم السابق، يظل كافياً للحفاظ على استقرار الأسعار، أو على الأقل الحد من ارتفاعها الناتج عن نقص المعروض.
ومع ذلك، تبقى مسألة “الأسعار المقبولة” محل نقاش في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن السوري.
كما أن ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، التي أشار إليها بسام علي، قد ينعكس على الأسعار في السوق المحلي، حتى مع توفر الإنتاج بكميات جيدة.
ويظل التوازن بين حجم الإنتاج، تكاليف الفلاحين، معدلات التصدير، والقوة الشرائية للمستهلكين عاملاً رئيسياً في تحديد مستوى الأسعار النهائي.
اقرأ أيضاً: هل يتعافى قطاع النحل في سوريا بعد سنوات من الركود؟
جهود الوزارة لتعزيز قطاع الحمضيات: من الإنتاج إلى التصدير
لمواجهة التحديات الراهنة في قطاع الحمضيات، تتخذ وزارة الزراعة عدداً من التدابير الهادفة إلى تحسين الإنتاج وتعزيز القدرة التنافسية.
وتشمل هذه الإجراءات تحديث خريطة زراعة الأصناف، تأهيل وترميم البساتين المتضررة، وتدقيق المساحات والإنتاج ضمن برنامج الاعتمادية لضمان جودة المنتج وتحسين عمليات الفرز والتوضيب.
كما تركز الوزارة على إنتاج غراس خالية من الأمراض، تحديث الأدلة الإرشادية، وتدريب الفلاحين والتجار على أساليب التسويق والنقل الفعالة.
وفي إطار دعم القيمة المضافة، تعمل الوزارة على تشجيع إنشاء معامل للعصائر بالقرب من مناطق الإنتاج للحد من الفاقد وتعزيز العائد الاقتصادي.
كما تتضمن الجهود إعادة تأهيل البساتين القديمة بهدف تحسين الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية.
ومع دخول موسم 2024-2025 مراحله النهائية، تظهر تباينات في تقدير حجم الإنتاج مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن حركة التصدير تشهد انتعاشاً مدفوعاً بتسهيلات تجارية وانفتاح أسواق جديدة.
وبينما تؤكد الجهات الرسمية على وفرة المنتج المحلي بأسعار مقبولة نسبياً، تظل تكاليف الإنتاج والنقل تحديات مستمرة، مما يستدعي مواصلة الجهود لدعم الفلاحين وتعزيز حضور المنتجات السورية في الأسواق المحلية والدولية.