بقلم: هلا يوسف
تحت عنوان من المنتج إلى المستهلك وبرعاية غرفة تجارة حماة، افتتح محافظ حماة عبد الرحمن السهيان مهرجان حماة للتسوق قبيل عيد الأضحى المبارك. لكن على العموم، ما مدى نفع هذه المهرجانات للمستهلك أولاً، وللاقتصاد العام ثانياً؟ سنحاول تالياً أن نفهم – انطلاقاً من حدث مهرجان واحد – وصولاً إلى الفكرة العامة للمهرجانات، مدى أهمية أن يكون لدينا ثقافة المهرجانات الاقتصادية والسياحية.
مهرجان التسوق في حماة
أُقيم مهرجان حماة للتسوق في خان رستم باشا، ويستمر عمله من 5/28 حتى 6/4، مما أعطى للمهرجان بُعداً تاريخياً ممزوجاً بثقافة البيع والشراء، بينما وصف القائمون على المهرجان الحركة بالمقبولة. وعبّر الزائرون عن رضاهم على الأسعار الموجودة وتأكيدهم بأنها أرخص من خارج المهرجان، أما مندوبو الشركات نوهوا إلى وجود عروض ممتازة يتم تقديمها للمواطن وتساعده في شراء حاجياته.
أشار رئيس مجموعة الفجر لتنظيم المعارض والمؤتمرات الأستاذ إحسان المصري أن أسباب غلاء الأسعار في السابق تبددت من ضغوط مالية وأمنية بالإضافة إلى الرشاوى والأتاوات التي كانت تُفرض على التجار والصناع، لذا من الطبيعي أن تنخفض الأسعار وخصوصاً في مهرجانات التسوق، ونوه إلى أن المهرجانات الاقتصادية تُقام ثلاث مرات خلال السنة يُقدم فيها التجار عروضهم ومنتجاتهم للمواطنين.
ومع غياب مهرجانات التسوق في أسواق المحافظات الأُخرى، يبقى الهدف الأساسي من أي مهرجان تحريك السوق ودفع العجلة الاقتصادية للأمام عن طريق تشجيع عملية البيع والشراء، وامتداداً لما سبق نعود للتساؤل المنطقي في هذا السياق: ما جدوى هذه المهرجانات حقيقةً؟
اقرأ أيضاً: مهرجان التسوق في دمشق بمشاركة 118 شركة
جدوى مهرجان التسوق
عادة تسعى مهرجانات التسوق إلى زيادة إنفاق المستهلكين، وخلق ولاء بين العلامة التجارية والمستهلك، وغالباً ما تصبح هذه المهرجانات جزءاً من المنظومة التجارية للدولة، فتنتظرها الدولة كما ينتظرها المواطن. بل إنّ هناك من يسافر من دولة إلى أُخرى لزيارة فعالية معينة كمهرجان دبي للتسوق الذي انطلق منذ عام 1996 ومستمرة فعالياته السنوية إلى الآن، فقد استطاعت الإمارات تحويل مهرجان دبي للتسوق إلى عادة تجارية ومركز استقطاب للزوار من كافة أنحاء العالم بسبب اعتمادها على المبادئ الثلاثة التي تهم أي شخص (التسويق، الترفيه، الربح) فنلاحظ أنها حققت غايات التاجر والمستهلك وأيضاً الدولة، وحققت أرباح تجاوزت 145 مليار درهم، عدا عن الزوار الذين تجاوز عددهم المليون زائر.
كما أنّ هناك جانب آخر لمهرجانات التسوق وهو الجانب السياحي، فعن طريق افتتاحها ظهر مفهوم السياحة العائلية، فمهرجانات التسوق تستهدف العائلة واحتياجاتها ككل، عدا عن تحويلها إلى مكان للمنافسة بين البضائع والمنتجات المتشابهة مما يؤدي إلى تقديم منتجات أفضل بسعر أقل.
والفكرة الجيدة أن سوريا تشتهر بصناعات وموارد عديدة يمكن اعتمادها لافتتاح مهرجانات واستقطاب الزوار من كافة المحافظات ومن كافة البلدان بما أننا الآن في مرحلة بناء اقتصاد جديد. فعلى سبيل المثال، في تقرير حول جدوى المواسم والمهرجانات بوصفها رافد تنموي مستدام، صدرت عن ملتقى أسبار السعودي، أكد هذا التقرير على أهمية استغلال الموارد التي تشتهر بها السعودية في افتتاح مهرجانات متخصصة كالمهرجان الوطني للعسل في أبها، المهرجان الوطني للزيتون بالجوف وغيرها من الفعاليات التي يمكن من خلالها فعلاً دفع العجلة الاقتصادية نحو النمو.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ: ماذا لو افتتحنا مهرجان لبيع الزيتون ومنتجاته بأسعار منافسة، أو مثلاً كل محافظة تفتتح مهرجان للأكلات الشعبية التي تشتهر بها، كيف ستكون الحركة الاقتصادية والسياحية؟
ولا يمكن أن ننسى الدور الاجتماعي الذي تقوم به هذه المهرجانات، من إظهار القيم الأخلاقية والتعايش بين جميع الزوار والباعة. فبحسب التقرير السعودي السابق الذي تحدثنا عنه، تساعد المهرجانات في تعزيز العلاقات الاجتماعية والثقافية بين الزوار، وهنا لا بد أن نتوقف قليلاً، فنحن في سوريا أكثر ما نحتاجه الآن تعزيز السلم الأهلي وإعادة الروابط الاجتماعية التي كان المجتمع السوري يتميز بها، وربما تكون فكرة المهرجانات جيدة لإعادة المحبة والألفة بين مكونات المجتمع السوري.
كما لا يجب أن نغفل هنا قدرات السوريين على استغلال التنوع الطبيعي والمناخي في البلاد، كمواقع مميزة لإقامة مهرجانات عالية الجودة، وقادرة على تحقيق أهدافها.
لا استغلال للخبرات!
من جانب آخر، مهرجانات التسوق في سوريا رغم وجودها لكنها لا تحقق الأهداف المرجوة، وهنا كان لا بد من البحث عن رأي خبير اقتصادي بهذه الفكرة للوقوف على الأسباب، فبدوره قال رئيس قسم التسويق في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور محمد الغريب: “المعارض والمهرجانات التسويقية فرصة جيدة لتسويق المنتجات وترويجها، إلا أن أغلب المهرجانات والمعارض في حلب خاصة وسوريا عموماً تفتقر لأفكار وخبرات مبتكرة تسهم في تحقيق الفائدة المشتركة للتاجر والأهالي معاً”.
كما أنّ هناك مشكلتين تعترضان التسويق والبيع في المعارض بحسب الدكتور الغريب، الأولى هي انخفاض القدرة الشرائية لدى الأهالي وهو ما يخفض نسب الشراء بشكل عام، أما النقطة الثانية فهي تكلفة الاشتراك في المعارض والتي تكون مرتفعة غالباً وهو ما يعيق البيع بأسعار مخفضة.
أما الحل يكون بوجود جهات داعمة تقدم تسهيلات الاشتراك بأسعار مخفضة أو مجانية وتقدم تسهيلات لوجستية خاصة بنقل البضائع، عندها يمكن إلزام المشاركين من تجار وأصحاب محال بنسب معينة من التخفيضات، وبهذه الصورة يمكن أن تحقق مهرجانات ومعارض البيع الغاية منها.
المهرجانات في سوريا
المهرجانات الخاصة فقط بالتسوق في سوريا قبل 2011 كانت أقل من نظيراتها بغير مجال كالمهرجانات الفنية والثقافية والسياحية، ومع ذلك كانت تقام قبيل كل موسم دراسي أو قبيل الأعياد.
وبالرغم من سقوط النظام السابق استمرت فعاليات المهرجانات التسوقية في أعمالها، كمهرجان منتج بلدنا قبيل شهر رمضان، ومهرجان التسوق في دمشق وغيرها من الفعاليات الخاصة.
والجدير بالذكر أن سوريا بلد يعتمد بشكل كبير على السياحة، لذا انصب التركيز سابقاً على مهرجانات الفنون والسياحة للترويج للبلد، كمهرجان المحبة والسلام في اللاذقية، وكرنفال القطن التي كانت تشتهر به مدينة حلب، مهرجان درة الفرات التي كانت تُقام فيها مسابقات ملكة جمال الفرات بالإضافة إلى العروض الثقافية والتسوق، وفعاليات تدمر السياحي أو فعاليات البادية كما يطلق عليه، عدا عن مهرجانات بصرى الشام، ومهرجانات القلعة والوادي، وإدلب الخضراء للفنون الشعبية.
في النهاية، نحن في مرحلة البناء من الصفر تقريباً سواء بالاقتصاد أو المجتمع، لذا تعد فكرة المهرجانات جديرة بالاهتمام من قبل المعنيين لانتعاش الاقتصاد من جهة، وإعادة الحياة الاجتماعية والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوري.
اقرأ أيضاً: مدينة سلمية تختتم مهرجان فصل الربيع لـ بطولة الشطرنج