في خطوة دبلوماسية لافتة تعكس تحوّلاً في السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري، أعلنت الولايات المتحدة في 21 أيار 2025 عن تعيين توماس باراك (Thomas Joseph Barrack)، سفيرها الحالي لدى تركيا والمستشار المقرب من الرئيس دونالد ترامب، مبعوثاً خاصاً لها إلى سوريا. ويأتي هذا التعيين بعد إعلان ترامب المفاجئ عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، في مؤشر على رغبة واشنطن في إعادة الانخراط في الملف السوري بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في كانون الأول الماضي، وإنهاء حربٍ دامت 14 عاماً.
من هو توماس باراك؟
توماس جوزيف باراك المولود في 28 نيسان 1947 في كاليفورنيا، هو رجل أعمال أمريكي من أصول لبنانية، ومؤسس شركة «كولوني كابيتال» (Colony Capital)، وهي شركة استثمارية عالمية. يُعد باراك من أبرز الشخصيات المقربة من الرئيس ترامب، حيث ترأس لجنة تنصيبه الرئاسي عام 2016، وكان مستشاراً رئيسياً له خلال حملته الانتخابية. وفي كانون الأول 2024، تم تعيينه سفيراً للولايات المتحدة في تركيا، وقدم أوراق اعتماده للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 أيار 2025.
خلفية التعيين: تحولات إقليمية ودولية
كما أشرنا في المقدمة، يأتي تعيين باراك في منصبه الجديد في سياق تحولات إقليمية ودولية، أبرزها إعلان الرئيس ترامب عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وهو ما يُعد تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية تجاه دمشق. وهذا القرار جاء بعد لقاء ترامب مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في السعودية في 14 أيار 2025، حيث حثه على تطبيع العلاقات مع «إسرائيل».
كما يعكس التعيين اعترافاً أمريكياً بتزايد الدور التركي في الملف السوري، خاصة بعد الإطاحة بالرئيس الأسد، حيث أصبحت أنقرة لاعباً رئيسياً على الساحة السورية.
مهام باراك كمبعوث خاص
من المتوقع أن يحتفظ باراك بمنصبه كسفير للولايات المتحدة في تركيا، بالإضافة إلى مهامه الجديدة كمبعوث خاص إلى سوريا. سيكون دوره محورياً في تنسيق الجهود الأمريكية والتركية لدعم الحكومة السورية الحالية، وتقديم المساعدات الإنسانية، والعمل على إعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب.
يُعد تعيين باراك مؤشراً على رغبة واشنطن في إعادة الانخراط في الملف السوري، بعد سنوات من الانسحاب النسبي. كما يعكس التعيين ثقة الإدارة الأمريكية في قدرة باراك على التعامل مع التعقيدات السياسية والدبلوماسية في المنطقة، نظراً لعلاقاته الواسعة وخبرته الطويلة في الشؤون الشرق أوسطية.
من جهة أخرى، يُعزز التعيين من دور تركيا كشريك استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، خاصة في ظل التعاون المتزايد بين البلدين في الملفات الأمنية والاقتصادية.
تحديات أمام باراك
يُواجه توماس باراك جملة من التحديات المعقّدة في مهمته الجديدة كمبعوث أمريكي خاص إلى سوريا، تتداخل فيها الأبعاد السياسية والإنسانية والإقليمية. فأولى هذه التحديات تتعلق بملف إعادة الإعمار، إذ تحتاج سوريا إلى جهود هائلة لردم آثار الدمار الذي خلّفته الحرب المستمرة لأكثر من عقد، وهي عملية لا يمكن إنجازها دون تنسيق دولي واسع يضمن الموارد، والاستقرار، والتعاون بين الجهات الفاعلة.
وإلى جانب ذلك، تبرز قضية اللاجئين السوريين كملف شائك يتطلب حلولاً مدروسة وآليات فعالة لضمان عودتهم الآمنة والطوعية، في ظل واقع سياسي هش وبنية تحتية متهالكة، وذلك نظراً لتشعباتها الإنسانية والسياسية. فمع وجود أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، تُعتبر أنقرة طرفاً أساسياً في أي خطة لإعادة اللاجئين. وبحكم منصبه كسفير في تركيا، من المتوقع أن يلعب باراك دوراً محورياً في تنسيق الجهود بين واشنطن وأنقرة لضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين، مع مراعاة التوازنات السياسية والضغوط الداخلية في كلا البلدين.
كما تفرض التوازنات الإقليمية المعقدة على باراك ضرورة المناورة بحذر بين القوى المؤثرة في المشهد السوري، وعلى رأسها روسيا، إذ يتعين عليه مراعاة مصالحها المتشابكة دون المساس بأولويات بلاده أو مصالح حلفائها، وعلى رأسهم تركيا. أما التحدي الأبرز والأكثر حساسية، فيتمثل في ملف التطبيع بين سوريا و«إسرائيل»، وهو ملف بالغ التعقيد يتطلب جهوداً دبلوماسية غير تقليدية، لما يحمله من تاريخ طويل من العداء والمخاوف المتبادلة.
اقرأ أيضاً: الصين وأمريكا: هل سنشهد سياسة «عدم انحياز» جديدة لسوريا؟!
ختاماً، يمثل تعيين توماس باراك كمبعوث خاص للولايات المتحدة إلى سوريا خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل الدور الأمريكي في المنطقة، وتعزيز التعاون مع الحلفاء الإقليميين، خاصة تركيا. ومع التحديات الكبيرة التي تواجهه، سيكون نجاح باراك في مهمته مرهوناً بقدرته على التنسيق الفعال بين الأطراف المختلفة، وتحقيق توازن دقيق بين المصالح المتعارضة في الساحة السورية.