الكاتب: أحمد علي
شهدت الحدود السورية «الإسرائيلية» مساء أمس الثلاثاء، 3 حزيران 2025، تصعيداً مفاجئاً، حيث أُطلقت صواريخ من الجنوب السوري باتجاه مرتفعات الجولان المحتلة، تلاها رد عسكري «إسرائيلي» عنيف وعدائي. وهذا الحدث أعاد من جديد تسليط الضوء على التوترات المستمرة في المنطقة وفي الملف السوري على وجه التحديد، وأثار تساؤلات حول الجهات المسؤولة عن التصعيد ودوافعها.. فمن قصفَ «إسرائيل» من سوريا ولماذا؟! وما الآراء وردود الأفعال على ما جرى؟! كامل التفاصيل تجدونها عبر هذا التقرير الخاص الموسع من «سوريا اليوم 24»…
قصف «إسرائيل» من سوريا
في بادئ الأمر، أعلنت إذاعة الجيش «الإسرائيلي» أن صاروخين من نوع «غراد» أُطلقا من منطقة درعا جنوب سوريا، وسقطا في مناطق مفتوحة بمرتفعات الجولان المحتلة دون وقوع إصابات، مع غياب المعلومات عمن قام بهذا الهجوم أو من يقف خلفه، وبينما زعم البعض من رواد وناشطي التواصل الاجتماعي في البداية أن الهجوم هو هجوم من الجيش السوري الجديد ضد إسرائيل تبيّن لاحقاً أن الأمر مختلف.
لاحقاً، تبنت جهتين هذا القصف: جهة منشئة حديثاً، والأخرى قبل أشهر. الأولى هي مجموعة مسلحة تُطلق على نفسها اسم «كتائب الشهيد محمد الضيف»، المسؤولية عن إطلاق الصواريخ، مشيرة إلى أن الهجوم جاء رداً على «المجازر في غزة» وأن العمليات ستستمر حتى يتوقف «قصف المستضعفين» في القطاع. وبعد هذا التبني سارع البعض للقول إن «حماس» هي من تقف خلف العملية مشيرين إلى اسم المجموعة الذي يوحي بعلاقتها بـ «حماس».
وبعد قليل، كان من المفاجئ والغريب أن جهة أخرى تبنت العملية، وهي تطلق على نفسها اسم «جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا» التي نشرت مقطع فيديو يظهر قاعدتين لصواريخ «غراد» في وضعية الإطلاق، في إشارة منها إلى مسؤوليتها عن القصف.
حماس تنفي
بعد انتشار أقاويل كثيرة لعلاقة حماس بالعملية، نفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رسمياً أي علاقة لها بما يُسمى «كتائب الشهيد محمد الضيف» التي تبنّت إطلاق صواريخ من جنوب سوريا باتجاه مرتفعات الجولان، وبحسب تقارير إعلامية، أكدت حماس أن هذه المجموعة ليست جزءاً من جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام، ولا ترتبط بها تنظيمياً أو ميدانياً.
وأشارت إلى أن استخدام اسم القائد الراحل محمد الضيف في هذا السياق هو محاولة لاستغلال رمزية اسمه دون أي صلة حقيقية بالحركة أو بفصائل المقاومة الفلسطينية المعروفة.
من جانبه، وفي إطار تعليقه على الأمر، وصف عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال بإدلب كمال عبدو لوسائل إعلام عربية ما جرى بأنه «استخدام رخيص لاسم الشهيد محمد الضيف»، معرباً عن قناعته بأن الأمر «لا علاقة له بالضيف وفصائل المقاومة الفلسطينية».
الرد «الإسرائيلي»
رداً على إطلاق الصواريخ، شنّ جيش الاحتلال «الإسرائيلي» قصفاً مدفعياً على مواقع في جنوب سوريا، وأعلن لاحقاً عن تنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع في مناطق مختلفة بريف درعا والقنيطرة وسعسع. وحمّل وزير دفاع الكيان السلطة السورية الحالية المسؤولية وبالاسم الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، عن كل ما يحدث داخل أراضي سوريا، وأنها ستتحمل العواقب طالما استمرت الأنشطة العدائية من أراضيها، وذلك وفق ما ذكرت صحيفة «يسرائيل كاتس» العبرية.
وقال مراسل الإخبارية، إن «قوات الاحتلال قصفت نقاطاً في منطقة سحم الجولان غربي درعا» أمس الثلاثاء 3 حزيران 2025 بعد ما وصفه بـ «مزاعم إسرائيلية» بسقوط صاروخين في مرتفعات الجولان المحتل مصدرهما الجنوب السوري.
لاحقاً، وفي ساعات الصباح الأولى من اليوم الأربعاء 4 حزيران، شنّ طيران الاحتلال سلسلة غارات جوية، استهدفت محيط مدينة إزرع في ريف درعا الشرقي، وتل شعار بريف القنيطرة، إضافة إلى منطقتَي سعسع وكناكر في ريف دمشق.
الموقف الرسمي السوري
أدانت وزارة الخارجية السورية القصف «الإسرائيلي»، مؤكدة أن سوريا لا تشكل تهديداً لأي طرف في المنطقة، وأن الأولوية هي بسط سلطة الدولة وإنهاء وجود السلاح خارج المؤسسات الرسمية لتحقيق الأمن والاستقرار. كما دعت المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في وقف الاعتداءات ودعم جهود إعادة الأمن والاستقرار.
وأعلنت الوزارة عبر مكتبها الإعلامي، أن المعلومات المتداولة بشأن إطلاق نيران من الأراضي السورية باتجاه المناطق الإسرائيلية لم يتم التحقق من صحتها حتى اللحظة، مضيفةً أن هناك جهات عدة قد تكون بصدد تأجيج التوترات الإقليمية لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب استقرار المنطقة.
وشدد البيان على أن سوريا لا تمثل ولن تمثل مصدر تهديد لأي طرف في المنطقة، مؤكداً أن أولوية الحكومة في جنوب البلاد تتركز على فرض سلطة الدولة بشكل كامل، وإنهاء مظاهر انتشار السلاح خارج الأطر الرسمية، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار لجميع السكان.
كما أعربت الخارجية السورية عن إدانتها الشديدة للقصف الإسرائيلي الذي طال عدداً من القرى والبلدات في محافظة درعا، مخلفاً خسائر بشرية ومادية كبيرة. واعتبرت أن هذا التصعيد يعد انتهاكاً واضحاً للسيادة السورية، ويساهم في زيادة التوتر الإقليمي في وقت تشتد فيه الحاجة إلى التهدئة واعتماد المسارات السلمية
تحليلات وآراء حول قصف «إسرائيل» من سوريا
في تعليقه على ما جرى، اعتبر الكاتب والإعلامي السوري المقيم في أمريكا، إياد شربجي أن ما جرى «لعبة وسخة قد تكون إسرائيلية» حسب تعبيره، مضيفاً: «لكن إن تبين أنها غير ذلك، فمن الواضح أن هناك جهات تعمل على توريط السلطة والبلد، ويجب التعامل معها على هذا الأساس وضربها بيد من حديد»، وذلك وفق ما جاء عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك».
بالمقابل، اعتبر الناشط غسان المفلح أن «أطراف عدة لها مصلحة في ذلك بما فيها نتنياهو» وأن «المنفذ يجب أن يحاكم»، مشيراً إلى أن «سهل حوران لايزال فيه مسلحين، ويجب أن تبسط الدولة السيطرة عليهم» من وجهة نظره.
أما عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال بإدلب، فاعتبر بشكل واضح وصريح أن الأمر «مرتبط بأجهزة استخبارات إقليمية وعلى رأسها إيران، إذ تبدو منزعجة من الانفتاح السوري مع الولايات المتحدة» على حد وصفه. وترغب هذه الجهات الإقليمية «جر سوريا إلى مستنقع جديد»، مطالباً بضرورة تدخل كل الأطراف لإعادة ترتيب الأوضاع في الجنوب السوري، وذلك في حديث له لقناة «الجزيرة».
تعليق أمريكي
وفي أوّل تعليق أمريكي على الأحداث حتى لحظة كتابة هذا التقرير، قال النائب الأمريكي جو ويلسون Joe Wilson في منشور عبر منصة X إن تمكين وزارة الدفاع الأمريكية من العمل بحرية في جميع أنحاء سوريا يُعد شرطاً أساسياً لكي تتمكن الحكومة السورية الجديدة من الوفاء بالتزاماتها تجاه الرئيس دونالد ترامب. وأشار إلى أن المسؤولين السوريين أكدوا بشكل واضح أن بلادهم لن تُشكّل تهديداً لـ «إسرائيل»، معتبراً أن تقييد وصول القوات الأمنية إلى بعض المناطق سيمثّل نقطة ضعف يمكن استغلالها.
اقرأ أيضاً: تركيا و«إسرائيل» في سوريا: تنسيق أمني أم تحاصص وتقاسم نفوذ؟!
قوى السلام صمام أمان!
ختاماً نقول إن التصعيد الأخير بين سوريا و«إسرائيل» يعكس هشاشة الوضع الأمني في المنطقة وسوريا على وجه التحديد، ومن هنا، فإن مسؤولية قوى السلام، الإقليمية والدولية، لم تعد ترفاً دبلوماسياً، بل ضرورة وجودية، وعليها أن تتحرك اليوم، لا بوصفها وسيطاً رمادياً حيادياً، بل بصفتها صمّام أمان يمنع المنطقة من الانحدار نحو مسارات التوتير والفوضى والمغامرات العبثية.