ما يميز تجربة منظمة بنفسج ليس فقط سرعة استجابتها للأزمات، بل قدرتها على رؤية ما هو أبعد من الإغاثة الطارئة. منذ انطلاقتها، تبنّت المنظمة نهجاً متكاملاً يجمع بين الإغاثة الفورية وبناء حلول طويلة الأمد، بدءاً من دعم التعليم وتمكين النساء، وصولاً إلى إعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق المنكوبة. هذه الرؤية تعكس فهماً عميقاً لتعقيدات الأزمة السورية واحتياجات مجتمعها، وهو ما منح المنظمة طابعاً خاصاً ومكانة بارزة بين المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.
البدايات والنشأة
تأسست منظمة بنفسج أواخر عام 2013 كمنظمة إنسانية غير ربحية، تنشط في كل من سوريا وتركيا. هدفها الرئيسي هو دعم المتضررين من النزاعات والكوارث، عبر مشاريع تعتمد على الإغاثة العاجلة، إلى جانب التركيز على دعم الصحة النفسية والاجتماعية، وتعزيز التعليم والتمكين الاقتصادي، خاصة للفئات الأضعف مثل النازحين والأشخاص ذوي الإعاقة. ويشكل الشباب والمتطوعون العمود الفقري لبرامج المنظمة، إذ يساهمون في تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى إعادة بناء المجتمع السوري.
اقرأ أيضاً : فايز سارة: عن العمل المدني والتطوعي في سوريا
من المبادرات الأولى إلى التوسع الواسع
منذ أولى خطواتها، بدأت بنفسج بخطوات متواضعة ولكن ذات أثر عميق. دعمت أول مشروع تعليمي في شمال سوريا نهاية عام 2013، عبر توفير الدعم لمدرستين استفاد منهما أكثر من 460 طالباً. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف المنظمة عن التوسع. فقد تنوعت برامجها لتشمل الحماية، الصحة، الأمن الغذائي، وسبل العيش، مع الحفاظ على تركيزها على الفئات الهشة.
كما أطلقت حملات إنسانية واسعة مثل «حملة الأمل» لدعم الأيتام، و«من أجل الإنسانية» التي استهدفت لاجئي تركيا عبر توفير التدفئة والمواد الأساسية للعائلات المحتاجة.
في وجه الكوارث: زلزال 2023 نموذجاً
عندما ضرب الزلزال المدمر شمال سوريا عام 2023، كانت بنفسج من أوائل الجهات التي استجابت ميدانياً. وفّرت المساعدات الغذائية والطبية والمأوى للمتضررين، إلى جانب تقديم دعم نفسي واجتماعي، خاصة للأطفال، لمساعدتهم على تجاوز آثار الصدمة. وكمبادرة نوعية، أطلقت المنظمة مشروع «وقتي» الذي أنشأ بيئات تعليمية آمنة، مع خدمات للدعم النفسي والصحة العقلية، لضمان عودة الطلاب لحياة طبيعية رغم الكارثة.
اقرأ أيضاً: “أولمبياد الخيام” للأطفال اللاجئين في إدلب شمال غرب سوريا
من مبادرة شبابية إلى مؤسسة ذات تأثير
ما حققته بنفسج خلال سنوات قليلة يجعلها نموذجاً للعمل الإنساني المدروس، الذي يجمع بين القيم والمهنية. فقد بدأت كمبادرة شبابية تطوعية، لكنها اليوم منظمة متجذّرة وفاعلة، قادرة على التعامل مع أعقد التحديات، من آثار الحرب حتى الكوارث الطبيعية.
علاقات استراتيجية وشراكات فعالة
نجحت بنفسج في بناء شبكة علاقات قوية مكّنتها من توسيع نطاق عملها وتعزيز تأثيرها. فقد نسجت شراكات استراتيجية مع جهات دولية مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي، وأخرى أوروبية مثل المفوضية الأوروبية (ECHO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، لدعم مشاريع الصحة والتعليم.
كما حافظت على تعاون فعّال مع منظمات إقليمية مثل الهلال الأحمر العربي السوري ومنظمة أرض الإنسان، بالإضافة إلى تنسيقها مع الجهات المانحة والحكومات المحلية، لا سيما في تركيا، لتسهيل إيصال المساعدات وتنفيذ المشاريع.
هذه الشبكة من العلاقات ساعدت بنفسج على تعزيز الشفافية والفعالية، وسمحت لها بالتوسع في مشاريع إعادة الإعمار والتمكين الاقتصادي، مما أكسبها ثقة المجتمعات المحلية والشركاء الدوليين على حد سواء.
ختاماً: الأمل في زمن الانهيار
في ظل استمرار الأزمة السورية بكل ما تحمله من تعقيدات ومعاناة، تبقى بنفسج واحدة من قصص الأمل القليلة التي تروى في زمن الانهيار. إن صمودها ونموها لم يكن محض صدفة، بل نتيجة عمل دؤوب، ورؤية واضحة، وإيمان عميق بقدرة الإنسان على صنع التغيير.
اليوم، تكتب منظمة بنفسج فصلاً جديداً من فصول الصمود السوري، وتؤكد أن العمل الإنساني ليس مجرد استجابة عاجلة، بل هو التزام طويل الأمد ببناء مستقبل أفضل.
اقرأ أيضاً: الخوذ البيضاء: عمل إنساني تحدى الحرب على مدى 14 عاماً