في وقتٍ تسعى فيه سوريا للخروج من ظلال الحرب وبناء مستقبل اقتصادي مستقر، برزت الخطة الأمربكية السورية مشتركة تُعدّ بمثابة خارطة طريق لإعادة تأهيل قطاع النفط والغاز، الذي يُعد شرياناً أساسياً في الاقتصاد السوري. الخطة التي اطّلعت عليها شبكة CNBC عربية، ليست مجرد وثيقة تقنية، بل مشروع استراتيجي شامل يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، وقد يكون لها تأثير جوهري على مستقبل المنطقة بأسرها.. فما هي؟ إليكم التفاصيل!
تحمل الخطة بصمات تعاون بين شخصيات فاعلة، أبرزهم الرئيس التنفيذي لشركة «أرغنت» للغاز الطبيعي المسال، جوناثان باس Jonathan Banks، الذي نقل المقترح إلى كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب Donald Trump والرئيس السوري أحمد الشرع، في مرحلة ما قبل قرار الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأميركية.
حجر الأساس في الخطة الأمريكية السورية
من أبرز ملامح هذه الخطة الطموحة، إنشاء كيان مشترك يُعرف باسم «SyriUS Energy»، سيكون الجسر الذي يربط الشركات الأميركية بالحكومة السورية ضمن إطار قانوني واضح. وهذا الكيان من المتوقع إدراجه في البورصة الأميركية، حيث يُمنح الصندوق السيادي للطاقة السوري حصة تبلغ 30% من الأسهم، لضمان الاستفادة الوطنية المباشرة من العوائد.
فيما تأتي هذه المبادرة في إطار توجه أوسع لإشراك شركات طاقة أميركية كبرى في إعادة بناء البنية التحتية الحيوية للطاقة، بالتوازي مع توفير فرص عمل للسوريين وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للدولة.
الأهداف المعلنة: تنمية اقتصادية وسيادة وطنية
لا تقف الخطة عند حدود إعادة تشغيل الآبار والمصافي، بل تمتد لتشمل إعادة بناء البنية التحتية للطاقة لضمان:
- توفير الكهرباء والوقود بشكل مستقر وبأسعار معقولة.
- دعم جهود إعادة الإعمار عبر توليد إيرادات مستدامة.
- حماية الموارد الوطنية من تدخلات غير حكومية أو خارجية.
- تمكين عودة سوريا إلى خارطة تجارة الطاقة الإقليمية.
- تعزيز الشراكات مع شركات التكنولوجيا والمعدات الأميركية.
خمس مراحل للتنفيذ: من تأمين الحقول إلى التكامل الإقليمي
تقسم الخطة إلى خمس مراحل رئيسية، تبدأ من استعادة السيطرة على الموارد وتنتهي بتكامل سوريا في شبكة الطاقة الإقليمية:
المرحلة الأولى: تأمين الأصول وتقييم البنية التحتية
تشمل هذه المرحلة تأمين أبرز الحقول مثل العمر والتيم والتنك، إلى جانب إجراء مسوحات فنية لأنابيب النفط والمصافي وشبكات الكهرباء، مع رسم خريطة لاحتياجات الإمدادات الطارئة وتحديد أولوياتها.
المرحلة الثانية: استقرار الإمدادات المحلية
تُعنى هذه المرحلة بإعادة تأهيل مصافي حمص وبانياس، وشبكات الأنابيب، وخاصة خط الغاز العربي، مع توسعة الوصول إلى الغاز الطبيعي للمنازل ومحطات الطاقة.
المرحلة الثالثة: تأسيس الكيان القانوني وجذب الاستثمار
هنا يبدأ إنشاء الكيان القانوني المدرج في البورصة، بالتوازي مع تأسيس شركة «SyriUS Energy» الوطنية، والتعاون مع شركات عالمية مثل شيفرون وإكسون وتوتال. كما تشمل المرحلة صياغة عقود إنتاج عادلة وتطوير بيئة استثمارية آمنة.
المرحلة الرابعة: الحوكمة والشفافية
تسعى الخطة إلى تعزيز الشفافية من خلال رقمنة وزارة النفط، وتأسيس صندوق سيادي للطاقة يُشرف على توزيع العوائد، بالإضافة إلى آليات صارمة لمكافحة الفساد وربط الإيرادات بالبنية التحتية والخدمات الصحية والطاقة.
المرحلة الخامسة: التصدير والتكامل الإقليمي
تركز هذه المرحلة على إعادة دمج سوريا في منظومة الطاقة الإقليمية، من خلال تأهيل الموانئ وتفعيل خطوط أنابيب عبر العراق وإسرائيل أو مرافئ بانياس وطرطوس، وربط سوريا بشبكات الطاقة المشتركة مع الدول المجاورة.
أصول مستهدفة: من الحقول إلى الموانئ
الخطة تُحدد مجموعة من الأصول ذات الأولوية لإعادة التأهيل، وهي: حقول العمر والتيم والتنَك – مصافي حمص وبانياس – موانئ بانياس وطرطوس – محطات التوليد والمخازن الاستراتيجية.
ستُشكل هذه الأصول قاعدة الانطلاق للمشروع، مع توجيه الاستثمار نحو ترميم بنيتها وزيادة إنتاجها بما يتوافق مع المعايير الحديثة.
اقرأ أيضاً: العقوبات تتراجع لكن حالة الطوارئ مستمرة بعد التمديد.. ما دلالات ذلك؟
رفع العقوبات: بوابة التعاون
يشار إلى أنه في الثالث والعشرين من أيار الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية إعفاءات مؤقتة من العقوبات، شملت أهم المؤسسات النفطية في سوريا، مثل المؤسسة العامة للنفط، وشركتي مصفاة حمص وبانياس، والشركة السورية للغاز، إضافة إلى مرافئ طرطوس واللاذقية، ومديريات النقل البحري.
وقد اعتُبر هذا القرار بمثابة الضوء الأخضر لبدء تنفيذ التعاون الاقتصادي، خاصة في ظل التصريحات التي تؤكد رغبة واشنطن في تحرير السوق السورية من عوائق العقوبات، بما يتيح للشركات الأميركية العودة للعمل دون خشية من الملاحقات القانونية.
«سوريا أولاً»
أطلقت المبادرة أيضاً حملة وطنية بعنوان “Syria First”، تهدف إلى حشد الكفاءات السورية للمشاركة في إعادة الإعمار، وإعادة بناء ثقة السوريين في المؤسسات الوطنية، عبر إدارة شفافة لموارد الطاقة.
والشعار مستوحى من حملة ترامب الشهيرة «أميركا أولاً»، لكنه يعكس الرغبة في جعل قطاع الطاقة محركاً للسيادة والازدهار السوري.
التمويل… كلمة السر
يرى جوناثان باس أن نجاح هذه الخطة مرهون بالحصول على تمويل مصرفي موثوق، سواء من البنوك العالمية أو من دول داعمة مثل قطر والإمارات. ويحذر من سيناريو الاعتماد على مستثمرين مغامرين يفتقرون إلى الرؤية طويلة المدى.
وأكد أن «الأصول يجب أن تكون قابلة للتمويل، والمعدات تحتاج إلى فترة تصنيع طويلة، وبالتالي فإن الشروع في التنفيذ يتطلب تمويلاً مضموناً قبل توقيع أي عقد مع المقاولين».
كما أشار إلى أن فريقه على استعداد لتقديم التفاصيل الفنية والمالية للمشروع، بالتعاون مع كفاءات سورية في الداخل والخارج، لكن يبقى الشرط الأساسي هو توفير البيئة الاستثمارية الآمنة والمستقرة حسب تعبيره.