في جميع الحروب لا يوجد أحد بمأمن من الخطف، القتل، أو الاعتقال، والباحث عن الحقيقة يدفع ثمنها غالياً في ظل الحروب الهوجاء التي لا تفرق بين صحفي ومدني ومقاتل. لكن الفرق الوحيد بين قتيل وآخر، أو مفقود وآخر، هو مدى الأهمية التي تمنحها دولته له، فمن منا لم يسمع بالصحفي أوستن تايس Austin Tice بالرغم من مرور أعوام على اختفاءه، وبالرغم من تعاقب أكثر من حكومة أمريكية إلا أنهم لم يتنازلو عن ملفه، ويريدون معرفة مصيره ومصير باقي المفقودين الأمريكيين.
ليس من المستغرب هذا التصرف على الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جعلت ملف المفقودين الأمريكيين على قائمة شروط رفع العقوبات عن سوريا، واشترطت تعاون الحكومة السورية في ذاك الملف لتحظى بدعمها، وها هو الرئيس الشرع يقدم وعداً لأمريكا بمساعدتها لمعرفة مصيرهم، فقد التقى الرئيس الشرع المبعوث الأمريكي لسوريا، والذي يشغل منصب سفير أمريكا في تركيا توماس بارك Thomas Park، وتصافحا اتفاقاً على معرفة مصير المفقودين وتسليمهم سواء كانوا أحياء أو أموات للولايات المتحدة.
من هم المفقودين الأمريكيين
من أبرز المفقودين الأمريكيين أوستن تايس الصحفي الأمريكي الذي عمل كصحفي مستقل لعدة وسائل إعلامية، كفرانس برس، واشنطن بوست وغيرها، وتفيد المعلومات عن اختفائه عند نقطة تفتيش في صيف 2012 إذ كان يبلغ من العمر حينها 31 عاماً، وقد زارت والدته دمشق بعد سقوط النظام السوري السابق والتقت بالرئيس الشرع، وتشير المعلومات أن تايس كان ضابطاً في مشاة البحرية الأمريكية وخدم في العراق وأفغانستان، ولاقت تقاريره عن سوريا رواجاً كبيراً.
أما الناشطة الحقوقية والعاملة في مجال الإغاثة كايلا مولر Kayla Mueller لا يُبحث عنها وإنما عن رفاتها، فقد قام تنظيم الدولة الإسلامية داعش باختطافها أثناء عملها في حلب وتركها لمستشفى أطباء بلا حدود عام 2013 وقُتلت في شباط 2015، لكن تضاربت المعلومات عن الجهة التي قامت بقتلها، فتشير المعلومات أن داعش هي من قامت بقتلها في حين خرج متحدث باسم التنظيم يقول أنها قُتلت بغارة جوية أردنية حملت اسم عملية الشهيد معاذ الكساسبة، والآن تريد أمريكا رفاتها لدفنها بكرامة في بلدها.
ومن المفقودين الأمريكيين المعالج النفسي مجد كمالماز Majd Kamalmaz، ولد في دمشق لكنه عاش حياته في أمريكا، عمل كمعالج نفسي وساعد كثير من المتضررين في أنحاء العالم كالمتضررين من إعصار كاترينا، وزار البوسنك والهريسك وغيرها من البلدان، ومنذ اندلاع الثورة السورية وجد كمالماز أن أكثر المتضررين هم اللاجئين في لبنان لذا أنشأ مركزي رعاية نفسية في منطقتي عرسال والبقاع عام 2012، دخل إلى سوريا في شباط 2017 بمساعدة أحد المنسقين لإنشاء مركز دعم نفسي في الغوطة الشرقية، لكن تبين فيما بعد تعامل المنسق مع الأمن السوري الذي ألقى القبض عليه في منطقة برزة، أما عن سبب وفاته فقد تضاربت المعلومات بين أنه قُتل تحت التعذيب بعد أربعة أشهر من اعتقاله بحسب الناشط “قتيبة الأدلبي”، وتبيّن أنه أُصيب بأزمة قلبية عام 2017 تم على إثرها نقله إلى مستشفى قطنا العسكري الذي أكد وفاته بحسب تقرير حصل عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي.
الآن هناك بعثة قطرية تبحث عن رفات مواطنين أمريكيين أعدمتهم داعش بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ففي عام 2014 انتشر مقطع فيديو لشخص متشدد يتحدث بلكنة بريطانية متمكنة يقوم يقطع رؤوس صحفيين اثنين من الجنسية الأمريكية وهما جيمس فولي James Foley وستيفن سوتلوف Steven Sotloff، وأُدين عام 2022 الشافعي الشيخ، وهو جهادي من لندن باحتجازه رهائن والتأمر لقتل الصحفيين السابقين.
وأما المهمة الرئيسية للبعثة القطرية كانت البحث عن رفات عامل الإغاثة بيتر كاسيج Peter Kassig الذي أُعلن عن اختطافه عام 2014 في منطقة دابق شمال سوريا على يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وانتشرت معلومات عن قيام التنظيم بقتله عبر قطع رأسه.
وتشير المعلومات أن هناك قائمة مكونة من 11 اسماً لأمريكيين مفقودين في سوريا خلال الأربعة عشر عاماً الماضية.
اقرأ أيضاً: إدارة بايدن تعتقد أن الأمريكي أوستن تايس على قيد الحياة بعد اختفائه في سوريا منذ 2012
من جهة أُخرى وعقب سقوط النظام السابق عثر على رجل أمريكي مفقود في سوريا، وبحسب قوله كان محتجز في السجن لعدة أشهر بعد دخوله البلاد كحاج، وتحدث ترافيس تيمرمان Travis Timmerman إلى عدة وسائل إعلام أنه سافر إلى سوريا “لأغراض روحية”، وعن سبب احتجازه قال تيمرمان أنه دخل إلى سوريا بطريقة غير شرعية عبر لبنان.
رأى السكان المحليون تيمرمان يمشي حافي القدمين في شوارع دمشق، وبحسب تصريحاته لعدة وسائل إعلامية منها CNN قال عن فترة احتجازه أنها لم تكن سيئة للغاية إذ قال: “لم أتعرض للضرب أبداً، الجزء السيئ الوحيد حقاً هو أنني لم أستطع الذهاب إلى الحمام عندما أريد ذلك، لم يكن يُسمح لي بالخروج إلا ثلاث مرات في اليوم للذهاب إلى الحمام”.
باختصار، البحث عن المفقودين الأمريكيين سيكون غالباً عن رفاتهم، إذ لا يُتوقع أن يكونوا على قيد الحياة بعد هذه المدة الطويلة، لكن من المستغرب أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن رفات سوريين يحملون الجنسية الأمريكية، وتعاملهم مع هؤلاء المجنسين وكأنهم أمريكيين يعطينا درساً بالتزام الحكومات بالحفاظ على كرامة مواطنيها سواء كانوا أحياء أم أموات.
اقرأ أيضاً: من هو توماس باراك وما أهمية تعيينه سفيراً لأمريكا في سوريا؟