ما بين طوابير الأمس وطوابير اليوم كان الشعب السوري يقف لساعات وأحياناً لأيام لتحصيل متطلبات حياته المختلفة، أما أوراق الدولة فهي حكاية أُخرى، تبدأها بالانتقال بين الدوائر لأيام، وإذا كنت محظوظ تدفع رشوة “وبتمشي المعاملة”، في حين اليوم وبعد سقوط النظام أصبح عنوان هذه المرحلة الفوضى، وهذا الطبيعي في كل الدول التي يسقط نظامها، لكن أن ينتظر الناس لساعات لأجل ورقة “لا حكم عليه” هذا غير الطبيعي.
في دمشق يقف الناس طوابير أمام باب إدارة المباحث الجنائية “الأمن الجنائي سابقاً” لاستخراج ورقة لا حكم عليه، وأحياناً يعودون خائبين ليعودوا في اليوم التالي وأيضاً يقفون لساعات علّهم يحصلون عليها، فالطريقة المتبعة لاستخراج ورقة لا حكم عليه تقول لك أن تقف في طابور لتسجيل دور لك، وغداً تأتي لتقف في طابور آخر لتأخذ الورقة.
يناشد المواطنون وزارة الداخلية والعدل بفتح أفرع أُخرى في محافظة دمشق لاستخراج هذه الورقة، إذ لا يمكن لمحافظة بمساحة العاصمة أن يكون هناك فرع واحد لاستخراج ورقة مهمة يحتاجها المواطن في أي معاملة، فيقول المواطنون أن ورقة لا حكم عليه أساسية في معاملات السفر، وأن العديد من الحجوزات وتذاكر الطيران تفوتهم بسبب انتظارهم لاستخرج الورقة السابقة.
وطبعاً لاستخراج ورقة لا حكم عليه لا يكفي الوقوف في طابور تسجيل الدور والاستلام، فهناك أوراق عليك استخراجها لتقديم طلب الحصول على ورقة غير محكوم، فيجب أولاً استخراج ورقة استدعاء من النيابة العامة (المحكمة)، صورة عن هوية صاحب العلاقة، وصورة عن تذكرة الطيران للمسافرين، وصورة عن الوكالة العامة للمحاميين، وعند استيفائك هذه الأوراق تستطيع تقديم طلب الحصول على ورقة غير محكوم.
من جهته أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا أن إدارة المباحث الجنائية فتحت باب منح وثيقة السجل العدلي للمواطنين اعتباراً من 21 أيار 2025، حيث تم استخراج 7022 خلاصة سجل عدلي خلال خمسة أيام.
وأضاف أنه تم تفعيل إصدار السجل العدلي في المحافظات، حيث بدأ فرع حماة بإصدار 331 وثيقة، في حين يبقى السجل العدلي في كل من حمص وريف دمشق ودير الزور غير مفعل حتى الآن، وقال البابا أنه من المتوقع تفعيله خلال فترة وجيزة.
وفي البحث عن أسباب صعوبة الحصول على هذه الورقة، قال البابا أن هناك تخريب متعمد من فلول النظام البائد وقت سقوطه، كنوع من إغراق المركب وإدخال البلاد في فوضى مقصودة، كما تعرض المبنى لمزيد من العبث والتدمير على يد بعض المخربين وضعاف النفوس في لحظات التحرير الأولى.
وأشار البابا إلى أن إعادة الترميم والصيانة تستلزم وقتاً وموارداً ولا تكون بيوم وليلة، عدا عن المشكلات الفنية والحاسوبية المتعلقة بقواعد البيانات، وإعادة برمجتها ووصلها مع باقي المحافظات.
كما أن هناك مشكلات لوجستية تتعلق بكابلات نقل البيانات الضوئية ولوازم الشبكات، ومعالجة المدخلات الجنائية ودمجها ما بين المناطق المختلفة في نظام واحد من إذاعات بحث، وكف البحث، ومذكرات قضائية وخلاصة أحكام، للحصول على قاعدة بيانات موحدة على مستوى الجمهورية.
عدا عن وجود محافظات لم تستقر فيها بعد إدارات الدولة السورية، وبالتالي لا تستطيع الجهات المعنية تقديم ورقة لا حكم عليه، مما زاد من الجهد والتكلفة على المواطنين.
اقرأ أيضاً: التنمية الإدارية تطلق مشروع أرشفة سجلات العاملين رقمياً
رشاوى لاستخراج ورقة لا حكم عليه!
يرى البعض ممّن يتركون تعليقاتهم على الموضوع على فيسبوك بأنّ مشهد اليوم يذكرنا بمشهد الأمس عندما كنا نضع للموظف 5000 آلاف ليرة ضمن المعاملة حتى يقوم بعمله، أما اليوم، وفقاً لهؤلاء، فالرشاوى أكبر وإلا عليك الانتظار في الطابور، فوثيقة لا حكم عليه التي كانت تُنجر خلال عشرة دقائق ضمن صالات النافذة الواحدة أصبحت تحتاج لأيام ورشوة. يقول أحدهم معلّقاً على فيسبوك، إنه استخرج الورقة خلال عشرة دقائق عن طريق الموظف بعد أن قدم له مبلغ مالي.
التكاليف تزيد من نواحي أخرى أيضاً، في دير الزور في رحلة الحصول على ورقة غير محكوم تمر بالمحكمة، القسم الغربي، وفرع المباحث الجنائية “الأمن الجنائي سابقاً” عند الكليات، وبحساب بسيط لتكلفة هذه الورقة كما يقول أحد المواطنين وجد أنه دفع 105.000 بين رسوم وطوابع وأجور نقل.
وفي نفس السياق يشتكي المواطنون من الوقوف تحت أشعة الشمس لانتظار استخراج الورقة، في حين صالات النافذة الواحدة مغلقة أو لا يوجد فيها هذه الورقة، إذ كان الناس ينتظرون سابقاً في هذه الصالات، والجدير بالذكر أن ورقة غير محكوم أو لا حكم عليه ازداد الطلب عليها لأنها أساسية للتسجيل في الجامعات أو تجديد الإقامات، أو الحصول على عمل.
في حين يتساءل مواطنون ما إذا كانت قد أُزيلت اسماؤهم من الاعتقال فعلاً بعد أن أظهرت السجلات أن مليون ونصف مواطن كان مطلوب للنظام السوري، وتتراوح التهم بين من كان مطلوب للاحتياط أو الخدمة الإلزامية ومن كان مطلوب بتهم الإرهاب أو تهم جنائية أو سياسية، إذ يقول أحد المواطنين أنه كان مطلوب لإدارة المخابرات العامة، وذهب منذ أيام لاستخراج ورقة لا حكم عليه ليتبين أنه ما زال مطلوب لنفس الجهة، بينما تقول الجهات المسؤولة أنه على المواطن استخراج كف بحث حتى يتم إزالة اسمه من الاعتقال بحسب قضيته.
في النهاية الفوضى طبيعية في ظل سقوط نظام وبناء نظام جديد، لكن المواطن السوري الذي عانى الويلات خلال 14 عاماً لم يعد يستطيع تحمل هذه الفوضى، وخصوصاً بعد مرور 6 أشهر على التحرير وسقوط النظام التي بنظره كافية لعودة الدوائر الرسمية الأساسية لعملها.
اقرأ أيضاً: لمواجهة فوضىى التزوير.. وزارة العدل السورية تشدد إجراءات نقل الملكية العقارية