الكاتب: أحمد علي
في بلاد عُرفت منذ فجر التاريخ بخصوبة أرضها، باتت الزراعة اليوم أمام اختبار وجودي. فمع تراجع الدعم وارتفاع التكاليف، وجد المزارع السوري نفسه في مواجهة معادلة خاسرة: يزرع ليخسر. ومع نهاية شهر أيار، وبداية حزيران، قررت الحكومة وقف استيراد أصناف أساسية من الخضار، في خطوة وُصفت بأنها بداية لتصحيح المسار، لكنها تثير في الوقت ذاته أسئلة عن الجدية والاستدامة.. فهل يكفي منع استيراد الخضار لإنقاذ الزراعة؟ أم أن الحلول أعمق من قرار؟
منع استيراد الخضار: يُنعش الأمل ولكن بحذر!
أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن وقف استيراد عدد من أصناف الخضار المحلية بدءاً من مطلع حزيران، وتشمل: البندورة، الخيار، البطاطا، الكوسا، الباذنجان، البصل، والثوم. قوبل القرار بارتياح واسع بين أوساط المزارعين، الذين تكبدوا خسائر فادحة مؤخراً، لدرجة دفعت بعضهم لترك محاصيلهم تتلف في الأرض، إذ لم تعد تغطي تكاليف القطاف والنقل.
ويأمل الفلاحون أن يؤدي هذا الإجراء إلى تحسن الطلب على المنتج المحلي، وارتفاع أسعاره بما يضمن لهم هامش ربح يساعدهم على الاستمرار.
ورغم الترحيب الرسمي والشعبي من الفلاحين، أبدى كثيرون تخوفهم من أن يؤدي القرار إلى ارتفاع الأسعار بشكل إضافي، خصوصاً في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة. إذ تتراوح أسعار الكيلو الواحد لبعض الأصناف حالياً بين 3000 إلى 8000 ليرة سورية أو أكثر قليلاً، وهي أرقام تفوق قدرة الكثير من العائلات السورية.
جورج خزام: لا تقتلوا الزراعة باسم السوق
علّق الخبير الاقتصادي جورج خزام على القرار بلهجة حادة ضد منتقدي القرار الحكومي، مشيراً إلى أن بعض الأصناف الزراعية المحلية تعاني من كساد شديد، وأن استمرار استيرادها يفاقم من معاناة المزارعين، الذين «يُجبرون على بيع منتجاتهم بأقل من التكلفة»، على حد تعبيره.
وأوضح خزام أن دعم الزراعة ضرورة اقتصادية وليست عاطفية، فالمزارع حين يخسر، تتسع دائرة البطالة، ويقل الإنتاج، ويزيد الاعتماد على الخارج، مما يؤدي إلى استنزاف العملات الصعبة ورفع الأسعار.
وفي ختام منشور له على صفحته الشخصية في «فيسبوك» قال: «إن التفكير بمنطق المصلحة العامة للدولة والشعب يقضي بدعم وحماية الزراعة والمزارعين والصناعة والصناعيين لمنع استنزاف الدولار وتشغيل العاطلين عن العمل» مضيفاً: «تحقيق الاكتفاء الذاتي هو دعم للسيادة الوطنية.. الويل لأمةٍ تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج».
دعم الزراعة.. مسؤولية وطنية لا مجرد قرار
من جانبه، وصف طالب الهندسة الزراعية محمد الشيخ حميد، القرار الحكومي بأنه مجرد «إبرة بنج»، مشيراً إلى أن وقف الاستيراد دون خطة شاملة لا يكفي لإنقاذ الزراعة. وطرح في منشور تفصيلي خطة طوارئ، تبدأ بدعم مباشر للفلاح، وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، وضبط السوق لضمان عدالة البيع والشراء.
ودعا الشيخ حميد إلى إطلاق سياسات زراعية متوسطة المدى تشمل تخطيطاً زراعياً واضحاً، وتشجيع الصناعات الغذائية التحويلية، وتحسين سلاسل التسويق والتخزين، ودعم التصدير، وتفعيل التأمين الزراعي، معتبراً أن دعم الزراعة اليوم لم يعد ترفاً اقتصادياً، بل بات شرطاً لسيادة الغذاء واستقرار المجتمع.
اقرأ أيضاً: الأمن الغذائي في سوريا.. هل الزراعة في مهب الريح؟!
الزراعة خطّ الدفاع الأول..
ختاماً، لطالما صمد المزارع السوري أمام الظروف، لكنه لا يستطيع وحده إنقاذ قطاع بأكمله بطبيعة الحال. لذلك، فإن قرار منع الاستيراد من المفترض أن يكون بداية سلسلة إجراءات متكاملة، تبدأ بدعم الإنتاج المحلي ولا تنتهي عند تنظيم الأسواق. لأن من دون خطة اقتصادية متماسكة، تضمن استقرار دخل الفلاح، وتكافئه على جهده، ستبقى الزراعة عرضة لتقلبات السوق وتجاهل السياسات.
فالأمل معقود على أن يكون قرار وقف الاستيراد مجرد البداية، يتبعه تطوير في البنية التحتية الزراعية، ومراجعة نظام التسويق، وتقديم الحوافز العادلة، ودعم الاستثمارات الزراعية. فبهذا وحده يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة، وإنقاذ ما تبقى من القطاع الزراعي في سوريا، وإعادة الاعتبار لأحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني.
ومن نافل القول، إنه حين يُترك الريف وحيداً، ستُترك معه البلاد مكشوفة اقتصادياً واجتماعياً. فالزراعة ليست فقط مصدراً للغذاء، بل هي خط الدفاع الأول عن السيادة الاقتصادية والاجتماعية. ولهذا، فإن حماية هذا القطاع تمثل أولوية وطنية، لا تقبل التأجيل أو التراخي.