في قلب جبال القلمون السوري، تتربع صيدنايا كجوهرةٍ تاريخيةٍ وروحيةٍ، تحمل بين أزقتها عبق الحضارات المتعاقبة، وتحتضن أديرةً وكنائسَ تُعدّ من أقدم المعالم المسيحية في الشرق. إلا أنها – ومع الأسف – ارتبطت بسجنٍ يحمل اسمها، «سجن صيدنايا»، الذي أصبح رمزاً للقمع والتعذيب الانتهاكات.. لذلك، كان لزاماً علينا أن نسلط الضوء على صيدنايا المدينة، لإنصافها أمام التاريخ، ولتمييزها عن السجن سيئ السمعة والصيت، وإبراز إرثها الثقافي والديني.
تقع صيدنايا على بعد 30 كيلومتراً شمال دمشق، وتتميز بموقعها الجبلي الذي يمنحها مناخاً معتدلاً ومناظر طبيعية خلابة. تشتهر بإنتاج العنب والتين والعديد من الأشجار المثمرة، مما يجعلها مقصداً للزوار والسياح. وتضم المدينة العديد من الفنادق والمنتزهات التي تستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم، خاصة خلال الأعياد والمواسم الدينية.
دير سيدة صيدنايا: منارة روحية وتاريخية
يُعد دير سيدة صيدنايا من أهم المعالم الدينية في المدينة، ويعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، حيث بناه الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس تنفيذاً لوصية السيدة العذراء، وفقاً للتقاليد المحلية. ويحتوي الدير على أيقونة العذراء التي يُعتقد أن القديس لوقا رسمها، وتُعتبر من أقدس الأيقونات في العالم المسيحي، فيما يستقبل الدير الحجاج من مختلف أنحاء العالم، خاصة في عيد ميلاد السيدة العذراء في 8 سبتمبر من كل عام.
وتتميز صيدنايا بتنوعها الديني، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون جنباً إلى جنب في جو من التآخي والتسامح.
اقرأ أيضاً: انتقادات كبيرة تطال احتفالات في ساحة سجن صيدنايا
«سجن صيدنايا»: وصمة في تاريخ المدينة
على الرغم من أن سجن صيدنايا يقع خارج الحدود الإدارية للمدينة، إلا أن اسمه ارتبط بها، مما ألحق ضرراً بسمعة صيدنايا. بُني السجن عام 1987، ويُعرف بسمعته السيئة بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت داخله. ووصفته منظمة العفو الدولية بـ «المسلخ البشري»، نظراً لممارسات التعذيب والقتل الممنهج التي مُورست بحق الآلاف من المعتقلين.
وكانت «سوريا اليوم 24» قد أعدت تقريراً مصوّراً من داخل المدينة، لتنقل رأي الشارع الرافض لاختزال المدينة بسجن غريب عنها، ويبعد عنها 7 كم، سمي زوراً بـ «سجن صيدنايا»، فكانت المحطة الأولى في بيت السيد فايز ماريا الذي أصر على استضافة فريق العمل في لفتة طيبة منه عكست روح أهل هذه المدينة الذين يفتحون أبوابهم للجميع.
وخلال حديثهم الخاص بالمنصة، رفض أهالي المدينة عنوان التقرير الذي أعدته قناة «الجزيرة» والذي حمل عنوان: «وما أدراك ما صيدنايا» مشيرين إلى البيان الذي صدر باسم اللجنة الأهلية في صيد نايا بهذا الصدد: «اعتراضنا على العنوان وليس على المضمون الذي يفضح المجازر التي حدثت داخل السجن»، وقالت سيدة من سيدات المدينة: «هذه التسمية تحز في النفس، ولها تأثيرات سلبية على السياحة».
هذا وأكد أهالي الحي على الوحدة بين الأديان المختلفة في المدينة: «نحن متكاتفين مع بعضنا، ما في فرق، نحن نستحي من قول إسلام ومسيحية، كلنا أهل وإخوة».
اسم صيدنايا: بين الأسطورة واللغة والتاريخ
اختلف الباحثون في تفسير معنى الاسم، فبعضهم يرى أنه مشتق من «صيدون»، إله الصيد عند الفينيقيين، نظراً لوجود هيكل قديم لهذا الإله بالقرب من دير السيدة. ويرى آخرون أن الاسم يعني «صيد دنايا»، أي مكان الصيد، أو «سيدتنا» بالآرامية. وهناك من يربط الاسم بكلمة «سيدانايا»، أي السيدة الجديدة، حيث «نايا» تعني الجديدة باليونانية.
ومن الأساطير المرتبطة بتسمية المدينة، قصة الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس، الذي كان في رحلة صيد في المنطقة، فظهرت له غزالة اسمها «نايا» طاردها وحاول اصطيادها حتى وصلت إلى تلة، وهناك تحولت إلى امرأة بيضاء، يُعتقد أنها السيدة العذراء، وأمرته ببناء دير في ذلك المكان، فبنى دير سيدة صيدنايا.. أي أن «صيد» جاءت من فعل الإمبراطور البيزنطي و«نايا» هو اسم الغزالة، ومن هنا كانت «صيدنايا»، وهذه الرواية التي سمعها فريق «سوريا اليوم 24» من أهالي المدينة عند زيارتها والحديث مع أهلها.
- يمنكم متابعة التقرير المصوّر كاملاً من هنا