في أعقاب يوم من التوتر والاشتباكات المسلحة التي هزّت منطقة أشرفية صحنايا بريف دمشق، توصلت الحكومة السورية ووجهاء من الطائفة الدرزية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وجاء هذا الاتفاق بعد اجتماع موسع ضم محافظي ريف دمشق والسويداء والقنيطرة، بالإضافة إلى مشايخ عقل من السويداء، في محاولة لاحتواء الأزمة المتصاعدة التي كما يبدو كان طرفاها فصائل مسلحة وصفت بكونها «خارجة عن القانون» من قبل الحكومة مع دور لـ «داعش»، وأهالي صحنايا الذين كانوا يحملون سلاحاً والمعروفون بتبعيتهم لحركة «رجال الكرامة».
وأعلن محافظ ريف دمشق، عامر الشيخ، أن الاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في أشرفية صحنايا، مع التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة. كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بين وجهاء المنطقة والسلطة لبحث تداعيات الأحداث الأخيرة وتنظيم آلية لانتساب شباب المدينة لاحقاً لجهاز الأمن العام.
وأكد الشيخ أن قوات الأمن العام تمكنت من السيطرة على كامل منطقة أشرفية صحنايا، واعتقال وقتل عناصر المجموعة «الخارجة عن القانون» التي هاجمت قوات الأمن والمواطنين في صحنايا خلال اليومين الماضيين.
من تسجيل مسيء إلى اشتباكات دامية
بدأت الأحداث بتداول تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، نُسب إلى أحد مشايخ محافظة السويداء، ما أثار موجة غضب شعبية ودينية واسعة. الشيخ المعني نفى علاقته بالتسجيل، وأكدت وزارة الداخلية السورية أن التحقيقات الأولية لم تثبت صحة نسبة التسجيل إلى الشخص المتَّهم، مشيرة إلى أن العمل مستمر لتحديد هوية صاحب الصوت ومحاسبته وفق القانون.
في أعقاب ذلك، اندلعت اشتباكات مسلحة بين مجموعات كانت تنتمي سابقاً إلى فصائل المعارضة السورية وأخرى محلية في مدينة أشرفية صحنايا. واستخدمت المجموعات المهاجمة أسلحة خفيفة ومتوسطة في استهداف المباني السكنية، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين وعناصر الأمن العام.
غارات تحذيرية
في خضم هذه الأحداث، شنت الطائرات الحربية «الإسرائيلية» غارات على منطقة أشرفية صحنايا، استهدفت عناصر من الأمن العام، وأدت إلى مقتل أحدهم، إلى جانب مدني من أبناء المنطقة. وأوضحت «إسرائيل» أن هذه الغارات كانت «تحذيرية» لمنع «أي مساس بالطائفة الدرزية».
هذا التدخل الإسرائيلي، الذي جاء تحت ذريعة حماية الدروز، أثار تساؤلات حول نوايا تل أبيب الحقيقية. ففي الوقت الذي تدّعي فيه «إسرائيل» حرصها على سلامة الدروز، فإن تدخلها العسكري هو محاولة لتأجيج الصراع الداخلي في سوريا، وزيادة تعقيد المشهد الأمني والسياسي فيها، خصوصاً مع التصريحات الصادرة من مسؤوليها والتي تقول بإن الحرب لن تنتهي إلا عند تقسيم سوريا.
تحركات المسلحين المجهولين: عبثية أم ارتباطات خفية؟
وتزامناً مع التدخل الإسرائيلي، شهدت المنطقة تحركات لمجموعات مسلحة مجهولة الهوية، استخدمت أسلحة خفيفة ومتوسطة في هجماتها على مواقع الأمن العام والمناطق السكنية. ورغم عدم تبني أي جهة لهذه الهجمات، إلا أن نمط العمليات والأسلحة المستخدمة يثيران الشكوك حول ارتباط هذه المجموعات بتنظيمات إرهابية مثل «داعش»، خاصةً في ظل تقارير عن نشاط متزايد للتنظيم في مناطق أخرى من سوريا، مثل دير الزور، حيث قُتل خمسة مقاتلين أكراد في هجوم نُسب إلى «داعش» مؤخراً.
اقرأ أيضاً: جرمانا والسلم الأهلي.. أين وصلت الأمور الآن؟!
دعوات للتهدئة وتحذيرات من الفتنة
أصدرت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز بياناً رسمياً استنكرت فيه بشدة مضمون التسجيل، واعتبرت أن من يقف خلفه هم «أصوات نشاز مأجورة» تسعى إلى تفكيك وحدة البلاد وإثارة الفتنة. كما دعا الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للمسلمين الموحدين، إلى محاسبة كل من يسيء للرموز الدينية، مؤكداً أن كل مخطئ يُحاسب بشخصه ولا يمثل غيره.
من جانبه، دعا الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني إلى معالجة الأوضاع بمنطق الدولة ووحدة سوريا، محذراً من أن الاقتتال يخدم الاحتلال الإسرائيلي، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي وصياغة اتفاق نهائي لعدم عودة التوترات.
استقرار «هشّ»..
رغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يبقى الوضع في أشرفية صحنايا «هشاً» حتى الآن بحسب وصف بعض الأهالي في المنطقة، مع استمرار المخاوف من تجدد الاشتباكات، فيما يأمل الأهالي أن يكون هذا الاتفاق خطوة نحو استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيداً عن الفتن والتحريض الطائفي.
ختاماً، وفي ظل التحديات الكبرى المرتبطة بالتدخلات الإقليمية والمنظمات المصنفة بكونها «إرهابية» دولياً، يصبح من الضروري تعزيز الوحدة الوطنية، وتكثيف الجهود لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، والحفاظ على السلم الأهلي، بعيداً عن الفتن الطائفية والتدخلات الأجنبية التي لا تخدم سوى مصالحها الخاصة.