هل نظرت يوماً إلى السماء، وتساءلت ماذا يوجد بعدها؟ وقادتك هذه التساؤلات والفضول إلى دراسة الفلك والفيزياء الشمسية، هذا ما حصل مع عالمة الفيزياء السورية الأمريكية شادية الحبّال، التي كانت إحدى النساء القلائل ممن اقتحمهن هذا العالم الذكوري، وإحدى النساء النادرات من الشرق الأوسط اللواتي أثبتن أنفسهن في العالم الغربي بهذا المجال.
ولدت شادية الحبال في مدينة حمص السورية، لأبٍ صنف كعالم في الطب النفسي “نعيم الرفاعي”، ودرست بكالوريوس الفيزياء والرياضيات في جامعة دمشق، لتتخرج منها وتتوجه نحو الجامعة الأمريكية ببيروت وتختص في الفيزياء خلال تحصيلها الماجستير، الشغف والطموح قادا الحبال نحو أمريكا لتحصيل الدكتوراه من جامعة سينسيناتي University of Cincinnati في ولاية أوهايو عام 1977.
شادية الحبال…سيدة الشمس
لم يأتِ لقب سيدة الشمس للحبّال من الهواء، فهي فعلاً كانت مهتمة بالشمس والفضاء، فقد عملت كباحثة في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر Boulder لمدة عام منذ تخرجها، ودخلت الحبّال أعرق الجامعات من أوسع أبوابها لكن هذه المرة كباحثة وأستاذة، فقد وضعت بصمتها في جامعة هارفرد Harvard كباحثة في مركز فيزياء الفضاء “سميث سونيان” واستمرت في عملها هذا لأكثر من عشرين عاماً، كما حصلت على كرسي الأستاذية في جامعة ويلز ببريطانيا عام 2000، وفي عام 2002 عملت كمحررة في مجلة البحوث الجيوفيزيائية قسم فيزياء الفضاء.
جالت الحبّال العالم ضمن ترأسها لحملات علمية لرصد كسوف الشمس، فقد ترأست 10 حملات منها حملة الهند 1995، وجواديلوب عام 1998، والصين عام 2008، وبولينيزيا الفرنسية عام 2010، وبالتعاون مع وكالة ناسا قادت فرق علمية لدرسة الهالة الشمسية أثناء الكسوف، واستمر عملها بهذه الفرق في أعوام [2006، 2008، 2009].
استمر عطاؤها لوكالة ناسا الأمريكية، فكان دورها رئيسياً في الإعداد لرحلة المسبار الشمسي الذي يعد أول مركبة فضائية في العالم تدور حول الهالة الشمسية بشكل فعلي، ومن جانب آخر قارب تعداد أوراقها البحثية المنتشرة حوالي 100 ورقة بحثية، فقد قدمت 60 منها لمجلات التحكيم العلمية، بينما قدمت ثلاثين منها خلال مشاركاتها بالمؤتمرات العلمية، بينما كان دورها في تشجيع النساء حاضراً من خلال قيادتها لحركة أكاديمية علمية خاصة بالنساء عرفت باسم “النساء المغامرات”.
شغلت شادية الحبّال عضوية عدة جمعيات علمية عالمية، منها الجمعية الفلكية الأمريكية، والجمعية الأمريكية للفيزياء الأرضية، جمعية الفيزيائيين الأمريكيين، الجمعية الأوروبية للفيزياء الأرضية، والاتحاد الدولي للفلكيين، والجدير بالذكر أن الدكتورة شادية الحبّال تتمتع بدرجة الزمالة في الجمعية الملكية للفلكيين.
حصدت العالمة شادية الحبّال ثمار جهدها عبر تكريمات وجوائز جاءت كاعتراف بأعمالها وإسهاماتها، كجائزة Pioneer التابعة لمؤسسة الفكر العربي في ديسمبر 2004، وجائزة Certificate of Guest Professor من جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية عام 2001، وخلال عملها في جامعة هارفرد حصلت على شهادة تقدير من مركز سميتونيان للفيزياء الفلكية عام 1997، وشهادة تقدير من المركز الدولي لأبحاث الغلاف الجوي والمناخ عام 1996.
وفي السنوات الأخيرة تم تكريم الحبّال أكثر من مرة، فقد منحتها جامعة العلوم والتقنية في الصين درجة أستاذة زائرة عام 2019، وآخر تكريمات لها كانت من جامعة برنو للتكنولوجيا BUT التي منحتها لقب دكتوراه فخرية في 29 نوفمبر 2024، تقديراً لإسهاماتهما الاستثنائية في العلوم والتعليم، وجاء هذا التكريم بمناسبة الذكرى السنوية الـ 125 لتأسيس الجامعة، وإبرازاً لدور المرأة في مجال العلوم.
اكتشافات رائدة غيرت توجهات الفلك
ساهمت أبحاث عالمة الفلك والفيزياء شادية الحبّال في حماية التقنيات الحيوية من تأثيرات النشاط الشمسي، ومن خلال رحلاتها الاستكشافية لكسوف الشمس في الهند تم إنشاء مجموعة دولية صغيرة من شيربا الرياح الشمسية، كما أشرفت على أطروحات أربعة طلاب دكتوراه، في حين وصفت مجلة “ساينس” الأمريكية الشهيرة أبحاثها بأنها بمثابة “القنابل المتفجرة”.
تعمل حالياً الدكتورة شادية الحبّال كعضو هيئة تدريس في معهد علم الفلك بجامعة هاواي، كما تشغل أيضاً منصب رئيس هيئة التدريس، إضافة إلى رئاستها للجنة جائزة هالي التابعة لقسم الفيزياء الشمسية في الجمعية الفلكية الأمريكية.
في النهاية، لاقت العالمة السورية الأمريكية شادية الحبّال الصدى الواسع في بلدها سوريا بعد أن قامت السفارة الأمريكية بسوريا بتوجيه شكر لها ولإنجازاتها، ودحضت بموجبها إشاعة مقتلها على أيدي مجهولين بعد سقوط النظام السابق.
اقرأ أيضاً: من هو توماس باراك وما أهمية تعيينه سفيراً لأمريكا في سوريا؟