لاتزال القدرة الشرائية ومستوى الدخل المحدود يلقي بظلاله على العديد من العادات الشرائية الاستهلاكية والعادات الاجتماعية للمجتمع السوري، ومنها شراء أضاحي عيد الأضحى المبارك مع دخول موسم الأعياد.
فعلى الرغم من انخفاض أسعار الأضاحي في سورية مقارنة بمثيلاتها في دول الجوار، لا تزال هوامش الفروق بينها مرتفعة مقارنة بالدخل والواقع الاقتصادي الذي لم يصل إلى مرحلة الاستقرار ولا يزال يعاني من تداعيات الحرب والتضخم، المترافق مع جمود في الأسواق والخدمات التي تنعكس على كافة فئات المجتمع.
مقارنة أسعار الأضاحي في سوريا بدول الجوار
شهدت أسعار الأضاحي من الأغنام انخفاضاً ملحوظاً خلال موسم هذا العام، مقارنة مع نظرائها في دول الجوار، وفقاً لرئيس لجنة تجار المواشي في دمشق وريفها، محمد شامان.
حيث يبلغ سعر الخروف بمتوسط وزن 50 كيلو غراماً نحو 235 دولار ليصل إلى نحو 400 دولار في سورية بما يوازي نحو مليونين و300 ألف ليرة سورية، و4 ملايين ليرة سورية وفقاً لسعر صرف يوم إعداد هذا التقرير، ويتراوح سعر الأضحية في الأردن بين 352 دولار و500 دولار، وفي العراق بين 385 دولار و500 دولار، وفي لبنان بين 300 دولار و 500 دولار، بينما يصل في فلسطين إلى 700 دولار، و1200 دولار.
أسباب موضوعية
يرجع مختصون أسباب الانخفاض في سعر رأس الغنم إلى 235 دولار خلال موسم هذا العام، مقارنة مع 370 إلى نحو 400 دولار في موسم العام الماضي، لعوامل موضوعية واقتصادية، تتعلق بعودة كامل الأراضي السورية إلى كنف الدولة وإمكانية استجرار الأغنام من مناطق كانت خارج سيطرة النظام السابق، وسهولة التنقل بعد رفع معظم الحواجز، إضافة لعوامل أمنية تتعلق بضبط الحدود بفعل الأجواء السياسية المتوترة، وتقلص عمليات تهريب الأغنام، والتحديات اللوجستية التي تعترض عمليات التصدير هذا العام أهمها عدم منح الجانب الأردني إذن مرور للشاحنات السورية، ما اضطر بعض التجار إلى تغيير منشأ الشحنات عبر استخدام بصمة أردنية بعد دخولها من الأراضي السورية، وهو ما زاد من الكلفة وعرقل التدفق الطبيعي للصادرات، وفقاً لرئيس لجنة تجار المواشي في دمشق وريفها، محمد شامان.
ومن جانب آخر، أشار تاجر الأغنام والأعلاف من حلب، أنور إسماعيل، إلى أن موجة الجفاف التي أثرت على البلاد أدت إلى تدهور المراعي الطبيعية، مما اضطر المربين إلى الاعتماد على الأعلاف الجاهزة، وهو ما رفع من تكاليف التربية ودفع الكثير منهم إلى بيع جزء من قطعانهم لتوفير النفقات، وتأمين متطلبات التربية المرتفعة التكاليف.
اقرأ أيضاً: ضيافة العيد في دمشق.. تقاليد عريقة برائحة الياسمين
انخفاض وهمي
عند النظر إلى الأرقام بصورة مجردة، قد يبدو أن سوريا هي الأقل تكلفة في المنطقة من حيث سعر الأضحية، لكن الواقع يقول إن “انخفاض السعر” لا يعني بالضرورة “سهولة الشراء”.
كما اعتبر مشترون اعتادوا على تقديم الأضاحي في كل عام، أنّ ما يشاع عن انخفاض أسعار الأضاحي غير دقيق، لافتين إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد للخروف الحي كان يتراوح حول 80 ألف ليرة سورية العام الماضي، ويبلغ سعره اليوم نحو 55 ألف ليرة سوريا.
مبينين أنّه بحساب بسيط مقارنة بسعر صرف الدولار، يبلغ سعر الكيلو غرام الواحد نحو 6 دولارات بناء على سعر الصرف الحالي، مقارنة بنو 5.3 دولار للكيلو غرام العام الماضي، على الرغم من انخفاض أسعار الوقود والتخلص من الأتاوات التي كانت تفرض على الحواجز، وغيرها من المبررات السابقة لرفع الأسعار.
ويتلاقى حديث المشترين ورواد سوق المواشي مع ما أكده الخبراء بأن غالبية مبيعات الأضاحي تتم عن طريق الحوالات، حيث أكد المشترون إحجام العديد من أقربائهم عن التضحية هذا العام، بفعل تقلص قيمة الحوالات، وضعف قدرتهم الشرائية مع استمرار تضخم الأسعار بالتوازي مع انخفاض أسعار الصرف التي لم تنعكس على أسعار المنتجات، إضافة لعوامل التضخم التي تعصف بدول المهجر، والتي أدت إلى تقلص قيمة الحوالات من المغتربين، الذين يتكلفون مبالغ إضافية لمعيشتهم هناك.
وفرة وكساد
ويقدر عدد رؤوس الغنم المتاحة في السوق بنحو 18.8 مليون رأس وفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، لكن الواقع يقول إن السوق يعاني من ركود نفسي واقتصادي، ويعكس حالة من فقدان الثقة بالاستقرار المالي المستقبلي.
كما أفاد رئيس لجنة تجار المواشي في دمشق وريفها، محمد شامان، أن عمليات استجرار الأغنام إلى سوق عدرا المركزي لا تنقطع طوال العام، لكنها تشهد ارتفاعًا ملحوظًا مع اقتراب المناسبات الدينية الكبرى، مبيناً أن العدد الحالي للأضاحي المتداولة في السوق يتراوح بين 25 ألفًا و40 ألف رأس، جميعها خضعت للإجراءات الوقائية البيطرية اللازمة، وهي خالية من الأمراض وتخضع للفحوصات الدورية.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه تجار ومربون زيادة الإقبال خلال اليومين المقبلين، واتخاذ قرار الشراء من قبل عدد من المشترين، تعكس عوامل السوق صورة أقل تفاؤلاً، مع بقاء احتمالات وصول عدد أكبر من المغتربين إلى البلاد بعد سنوات من البعد، لقضاء العيد مع ذويهم، وتقديم الأضحيات من قبل الأشخاص الذين عادوا سابقاً ويقومون بترميم منازلهم، وغيرها.
الخروف السوري
أكد شامان أن الأغنام السورية، خصوصًا من السلالة المعروفة بالعواس، لا تزال تحظى بإقبال واسع في الأسواق العربية، رغم أنها الأعلى سعرًا مقارنة بالأغنام المستوردة من دول أخرى، لغزارة لحمها وجدواها الاقتصادية، ومذاقها المميز.
وتتركز تربية الأغنام في سوريا بعدة مناطق رئيسية، أبرزها البادية السورية، والمنطقة الشرقية مثل دير الزور والحسكة، حيث تنتشر سلالات مميزة مثل الأغنام النجدية، وأيضاً في ريف دمشق وحماة وحلب، وشمال غرب سوريا التي تشمل مناطق مثل إدلب وريفها، ومحافظة الرقة، وحمص، وجبال الساحل.
وتشتهر سورية بأنواع مميزة من السلالات منها أغنام العواس، والأغنام النجدية، وتعد مصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر التي أصبحت ذات خبرة واسعة بتربيتها، كما توفر عوامل المناخ وطبيعة المنطقة بيئة رائدة لتعزيز الإنتاجية والتوالد خصوصاً مع التكاليف القليلة لتربيتها مقارنة ببقية المواشي من حيث بساطة الحظائر وقدرتها على الرعي في مختلف المناطق والتقاط الأعشاب القصيرة وكثافة التوالد التي تقدر بين مرتين إلى ثلاث مرات في العام.
اقرأ أيضاً: هل تنقذ المنحة القطرية موظفي سوريا من شبح الفقر؟
كيفية شراء الأغنام
يعد تقديم الأضاحي في سورية والعالم العربي عادة دينية اجتماعية، ونوجه لك اليوم نصيحة لتسهيل شراء الأضحية، فعلى الرغم أنه من الأفضل اصطحاب أحد المقربين من أصحاب المعرفة بالخراف، غير أنه يمكنك التأكد من صحة الخروف من نشاطه، وحركته، وأسنانه وعيونه.
كما ننصح بالتوجه إلى التجار المعروفين، والتأكد من وزن الخروف قبل شراءه وعدم الشراء بطريقة (المشايلة)، بمعنى أن هذا الخروف بهذا السعر، وذلك لأنه في الغالب فإن التاجر يعرف تماماً وزن الخروف، وهو يحاول بيعه بطريقة غير سليمة، إضافة للتأكد من نوع الخروف بسبب فارق اللحم بين الأنواع، وعدم شراء الخراف كثيفة الصوف للغاية، بسبب وزن الصوف المبالغ به، بالتالي عدم تحقيق كمية لحم مجدية.
ومن خلال هذا التقرير، لم تكن حالة السوق في سوريا هي الوحيدة التي تشهد تغيرات ملحوظة، بل إن أسعار الأضاحي في دول الجوار أيضًا شهدت تحولات مختلفة، سواء من حيث الاتجاه العام للأسعار أو مستوى القدرة الشرائية لدى السكان.
ولا بد من الإشارة إلى إن أزمة الأضاحي في سوريا لا تقتصر فقط على سعر الأضحية، بل تتعلق بعمق المشكلة الاقتصادية التي أنهكت القدرة الشرائية للمواطن، وأخلت بآليات الدعم التقليدية، وأفقدته ثقته بفرص التخطيط لمستقبله.
فالفارق الحقيقي ليس في قيمة العملة أو تكلفة الحيوان، بل في قدرة الفرد على تحمل هذه التكلفة ضمن دخله الشهري المتواضع، بما يجعل عوامل المقارنة بين الأسعار في دول الجوار غير دقيقة على المستوى العملي.
وختاماً: رغم اختلاف درجة التأثر بين منطقة إلى أخرى، لم تعد الأضحية فريضة دينية فقط أو عادة اجتماعية محفوظة، بل تحولت إلى قرارٍ اقتصادي مرهق، يخضع لحسابات دقيقة، وقد تكون خارج الإمكان بالنسبة للكثيرين.
حيث يحمل سوق الأضاحي هذا العام طابعًا مزدوجًا؛ فبينما تظهر فيه بعض المؤشرات الإيجابية كتحسن تنظيم السوق وتوفر عدد أكبر من المعروضات، إلا أن ذلك لا يلغي استمرار الضغوط المالية والظروف المناخية الصعبة التي تثقل كاهل المربين والمستهلكين على حد سواء.
ومع اقتراب أيام العيد الكريم، والمفترض أنها أيام الفرح والسكينة، يبقى الأمل معقودًا على أن تكون هذه المؤشرات المتباينة بداية لانفراجة حقيقية، وأن تتحول الآلام التراكمية إلى استقرار نسبي، يطمح إليه السوريين ولو كان محدودًا، بعد سنوات طويلة من القلق والعوز.