في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها الملف السوري على مختلف المستويات، إثر سقوط النظام البائد في كانون الأول عام 2024، وأبرزهها مؤخراً رفع العقوبات، تبرز معطيات جديدة توحي بأن البلاد قد تدخل مرحلة من الانفتاح الاقتصادي التدريجي، بعد أكثر من عشرة أعوام عاشتها سوريا وسط عزلة دولية خانقة نتجت عن العقوبات الاقتصادية، والحرب، وانهيار البنية التحتية.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور محمد نضال الشعار، أن سوريا تلقت طلبات تأسيس ما يقارب 500 شركة في مختلف القطاعات منذ بداية العام الجاري.
وأكد الوزير الشعار أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مؤخرًا لرفع العقوبات عن سوريا ستسهم بشكل إيجابي في تعزيز قدرة الاقتصاد السوري على النمو والانفتاح على اقتصادات دول العالم.
وأوضح الشعار، في تصريح لوكالة الأنباء السورية “سانا”، أن رفع هذه العقوبات سينعكس بشكل خاص على القطاعين المصرفي والتجاري، من خلال تسهيل عمليات التحويلات المالية وتحسين دخول المواد الأساسية، وتقليل تكاليف النقل والاستيراد.
وأشار إلى أن هذا التحول يعد بادرة إيجابية قد تسهم في جذب تدفقات من رؤوس الأموال السورية في الخارج، بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية الراغبة في الدخول إلى السوق السوري.
اقرأ أيضاً: برج ترامب في دمشق…هل يتحول القول إلى فعل؟
رفع العقوبات والبنية التحتية في سوريا
أكد الشعار أن سوريا أصبحت وجهة استثمارية واعدة وجاذبة لكثير من الشركات العالمية، بعد سنوات طويلة من الانغلاق والمقاطعة تحت حكم نظام الأسد البائد.
وأشار إلى أن الوزارة تعمل حاليًا بالتنسيق مع عدد من الوزارات المعنية على مراجعة وتعديل قانون الاستثمار ومنظومة القوانين والأنظمة المرتبطة بالنشاط الاقتصادي، بهدف إنشاء بيئة استثمارية جاذبة ترقى إلى معايير الإنتاجية والتنافسية والجودة المطلوبة.
ولفت إلى أن سوريا تمثل سوقًا خصبًا يتيح فرصًا استثمارية واعدة في مجالات متعددة، تشمل الصناعة والتجارة والخدمات والطاقة والبنية التحتية وغيرها.
وأكد أن الوزارة تتلقى يوميًا العديد من الطلبات الاستثمارية، مشيرًا إلى أن ما يقارب 500 شركة قدمت طلبات تأسيس منذ بداية العام الجاري في مختلف القطاعات.
وشدد على أهمية توفير بنية تحتية داعمة لهذا التوجه، سواء من خلال تعزيز المؤسسات الحكومية أو عبر وضع تشريعات وقوانين تحفز وتسهل بيئة الأعمال وتجعلها أكثر جذبًا للاستثمارات المحلية والأجنبية.
وأكد وزير الاقتصاد أن رفع العقوبات سيمكن العديد من الشركات والمؤسسات السورية من الدخول في تعاملات حرة مع نظيرتها العالمية، وهو ما سيعزز حركة انتقال رؤوس الأموال وتدفق الاستثمارات إلى مختلف القطاعات الاقتصادية.
ولفت إلى أن هذه القطاعات حرمت من فرص التطوير والتوسع لأكثر من ستة عقود، نتيجة القيود والعزلة التي فرضتها العقوبات والحصار الدولي.
تسهيلات حكومية للشركات
تتزامن هذه الخطوات، مع مجموعة من الإجراءات والتسهيلات التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة في عام 2025، والتي تهدف إلى دعم الشركات وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وذلك في إطار جهودها لدفع عجلة إعادة الإعمار وتعزيز التنمية الاقتصادية، وخلق بيئة استثمارية مواتية، قادرة على تحفيز النمو وجذب رؤوس الأموال وفتح آفاق جديدة للتشغيل.
ومن أبرز التسهيلات التي تم توفيرها، الإعفاءات الضريبية والجمركية، والتي شملت الإعفاء من ضريبة الدخل على الأرباح لفترة زمنية محددة، بالإضافة إلى الإعفاءات على الرسوم الجمركية الخاصة بالمعدات والمواد الخام المستخدمة في الإنتاج.
كما شملت الحزمة تسهيلات جمركية ترمي إلى تبسيط إجراءات الاستيراد والتصدير وتسريع دوران الأعمال، مما ينعكس إيجابًا على وتيرة تنفيذ المشاريع.
ولضمان توفير البنية التحتية المناسبة للمشاريع الاستثمارية، تم توفير أراضٍ مخصصة للمستثمرين بأسعار مدعومة، مع تسهيل إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة للتملك والاستثمار.
كما تم تقديم دعم حكومي فني ومالي لعدد من القطاعات الحيوية، خاصة تلك المرتبطة بجهود إعادة الإعمار، بهدف تعزيز قدراتها التشغيلية والتنافسية، ومن أجل تعزيز ثقة المستثمرين، تم توفير ضمانات حكومية لحمايتهم من مختلف أنواع المخاطر.
أما على الجانب القانوني، تم العمل على تحديث القوانين المتعلقة بالاستثمار، بهدف تقليل البيروقراطية، وتبسيط الإجراءات عبر إنشاء نافذة استثمارية واحدة تتولى إنجاز جميع المعاملات المرتبطة بإطلاق المشاريع من تراخيص وتصاريح، بالإضافة إلى تسهيل عملية تسجيل الشركات والمشاريع الاستثمارية وإصدار التراخيص اللازمة بشكل أسرع.
كما تم التركيز على تعزيز الحماية القانونية للمستثمرين، بما في ذلك حماية الملكية الفكرية وحقوق الاستثمار، مما يساهم في بناء بيئة أكثر أمانًا وجاذبية للاستثمار، خاصة من قبل الشركات الكبرى والمستثمرين الدوليين.
اقرأ أيضاً: مصرف سوريا المركزي يستعد لإعادة تفعيل نظام “سويفت” العالمي للتحويلات المالية
قانون تأسيس الشركات في سوريا
يسمح القانون السوري بتأسيس عدة أنواع من الشركات، لكل منها خصائص ومتطلبات محددة، ويعتبر المرسوم التشريعي رقم 29 لعام 2011، المعروف بقانون الشركات، الإطار القانوني الرئيسي الذي ينظم تأسيس هذه الكيانات، إضافة إلى التعاميم والقرارات التي صدرت بعد سقوط سلطة الأسد، والتي عدلت قليلاً على ما ورد في المرسوم.
وتشمل الأنواع الرئيسية للشركات المسموح بتأسيسها في سوريا شركة المساهمة العامة، التي يتطلب تأسيسها وجود عشرة مساهمين على الأقل، مع حد أدنى لرأس المال قدره مليار ليرة سورية.
أما شركة المساهمة الخاصة، فتحتاج إلى ثلاثة مساهمين أو اكثر، لكن الحد الأدنى لرأس مالها يبلغ 100 مليون ليرة سورية.
والشركة ذات المسؤولية المحدودة يمكن تأسيسها بشريكين أو أكثر، مع حد أدنى لرأس المال قدره 50 مليون ليرة سورية.
وشركة التضامن تتطلب شريكين على الأقل، مع رأس مال لا يقل عن 15 مليون ليرة سورية.
وشركة التوصية البسيطة تتكون من شركاء متضامنين وشركاء موصين، مع حد أدنى لرأس المال قدره 15 مليون ليرة سورية.
في الختام، أن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ستكون لها آثار كبيرة على القطاعين المصرفي والتجاري، من حيث تسهيل التحويلات المالية، وتحسين توريد المواد الأساسية، وخفض تكاليف النقل والاستيراد، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه أمام تدفق الاستثمارات والمعاملات المالية، ويمهد لإعادة هيكلة الاقتصاد بقيادة وجهود الحكومة الحالية.
لكن يبقى السؤال: كيف ستتمكن الحكومة السورية من استغلال هذه الفرصة التاريخية لجذب المستثمرين وتأمين التمويل اللازم لإعادة إعمار البلاد؟ وهل سيشهد الواقع الاقتصادي في سوريا تحولات جوهرية قريبة تعيد للقطاعات الحيوية نشاطها وتفتح آفاقاً جديدة أمام النمو والاستقرار المالي؟