في مشهد لم نألفه في السنوات الأخيرة من عمر الأزمة السورية، تحرّكت أولى قوافل العودة من أحد مخيمات اللاجئين الأردنية باتجاه محافظة درعا جنوب سوريا، ليس بتنظيم أممي، ولا بترتيب سياسي، وإنما بتمويل من رجل أعمال سوري قرر أن يتدخّل من موقعه ليعيد بعضاً من السوريين إلى منازلهم.
الحديث هنا عن الدكتور رهيف حاكمي، الذي أطلق عبر «وَقف فرح» – الوقف الذري الذي أسّسه مع عائلته – مبادرة لتسيير قوافل عودة طوعية للسوريين من مخيمات اللجوء في الأردن، بدأت بقافلة أولى انطلقت من المخيم الإماراتي-الأردني إلى مدينة الصنمين وريفها في درعا.
أعلن إيهاب البكري، المدير التنفيذي لمجموعة أرمادا الإماراتية في الأردن، أن هذه القافلة التي نقلت ٦٤ عائلة سورية تمّت بتوجيه مباشر من الدكتور حاكمي، وتضمنت سبع حافلات وأكثر من ١٢ شاحنة لنقل العائلات وممتلكاتها، مشيراً إلى أن المشروع سيستمر على مراحل، بالتنسيق مع السلطات الأردنية.
وباسم «وَقف فرح» والدكتور حاكمي، وجه البكري شكره العميق للمملكة الأردنية الهاشمية، حكومةً وشعباً، على ما قدمته من رعاية واستضافة كريمة للاجئين السوريين طوال سنوات النزوح القاسية، التي ألقت بثقلها على الجميع.
أرقام اللاجئين في الخلفية
بحسب أحدث تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يقدّر عدد السوريين المسجلين في الأردن بنحو ٧٣٠ ألف لاجئ، يعيش نحو ١٨٪ منهم فقط في مخيمات مثل الزعتري والأزرق، بينما يتوزع الباقون على المدن الأردنية الكبرى، في ظروف معيشية صعبة تضغط على كل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
يحتضن مخيم الزعتري وحده – الواقع في محافظة المفرق – نحو ٨٠ ألف لاجئ، أما الأزرق فيضم قرابة ٣٨ ألفاً.
قدم الغالبية العظمى من هؤلاء البالغين مع الأطفال من محافظات مثل درعا وريف دمشق وحمص، حيث شهدت هذه المناطق قصفاً كثيفاً ومعارك دموية دفعت مئات الآلاف إلى الهروب بحثاً عن الأمان.
هل المبادرة بداية لنموذج جديد؟
في ظل الحراك الجديد للعودة الطوعية بعد فترات طويلة من الركود بسبب العقبات السياسية والأمنية والضغوط الاقتصادية، تبدو هذه المبادرة وكأنها «ضوء صغير في نفق طويل»، يظهر للمجتمع السوري أولاً، وللبقية ثانياً، أن الأفراد قادرون أحياناً على كسر الركود ولو بوسائل محدودة.
ما قام به الدكتور حاكمي يفتح باباً لمبادرات أخرى تشجع رؤوس الأموال السورية في المهجر على تكرار هذه الخطوة. ربّما حضور الدعم المؤسسي – عربياً ودولياً – لمبادرات صغيرة كهذه قد تكون واقعية بقدر الحلول الكبرى التي لا تزال عالقة بعض الشيء.
لن تحمل هذه القافلة المفتاح لحل أزمة النزوح، لكنها بالتأكيد تحمل معنى. معنى أن يكون السوري قادراً على العودة، حتى لو لم تُفرش له الطرق بسجاد الاستقرار. ومعنى أن يبادر فرد – بعيداً عن أي منصب رسمي – إلى المساهمة في حل عقدة من أعقد قضايا سوريا المعاصرة.
وكما أسلفنا، هكذا مبادرات، وبغض النظر عن أيّ تحفظ، تكسر خطاب اليأس وتبثّ جرعة جديدة في سلسلة الأمل التي يعاني الشعب السوري من اهتزازها منذ سقوط السلطة السابقة.
اقرأ أيضاً: الطاقة البديلة في سوريا…تحديات تمحى بجهود السوريين
اقرأ أيضاً: أسعار الأضاحي في سوريا.. ارتفاعات غير مسبوقة في ظل تراجع القدرة الشرائية