الكاتب: أحمد علي
في ظلّ سيل الأخبار المتداولة والترجمات المتسرّعة غير الدقيقة التي أغرقت منصات التواصل والمواقع الإخبارية بشأن عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة على سوريا، نجد أنه بات لزاماً علينا في موقع «سوريا اليوم 24» أن نعود إلى المصدر الأصلي للمعلومات، وعرضها كما هي بعيداً عن أي تحريف أو تسييس. لذلك، ومن منطلق المهنية والموضوعية الصحفية، نقدّم لقرائنا هذا التقرير استناداً إلى الترجمة الدقيقة لما صدر عن الاتحاد الأوروبي بشأن القرار رقم 2025/1110، مع شرح واضح ومفصّل للأسماء والكيانات المعنية، مستندين إلى النص الرسمي والجداول التي أعدها الاتحاد الأوروبي والتي يمكنكم الوصول إليها عبر المرفق في النهاية.
عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة على سوريا
في 28 أيار 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة عقوبات جديدة ضمن إطار قراره المتعلّق بمساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في العالم. وقد طالت هذه الحزمة ثلاثة فصائل مسلحة سورية معروفة بارتباطها بـ «الجيش الوطني السوري» المعارض للنظام السابق، إلى جانب اثنين من قادتها البارزين.
وجاءت العقوبات على خلفية موجة عنف شهدها الساحل السوري في آذار من العام الجاري 2025، والتي استهدفت مدنيين من الطائفة العلوية، وارتُكبت خلالها جرائم وصفها الاتحاد الأوروبي بـ«الفظيعة».
عقوبات جديدة… وجروح قديمة
في نص القرار رقم 2025/1110، الذي عدّل القرار السابق 2020/1999، أشار الاتحاد إلى ارتكاب عمليات قتل تعسفي وتعذيب وتهجير قسري للمدنيين في المناطق التي كانت مسرحاً لأعمال العنف، ما استوجب إدراج مسؤولين مباشرين وكيانات على لائحة العقوبات.
وشدد القرار على أن هذه الخطوة تأتي في إطار التزام الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة منتهكيها، خاصة في ظلّ تكرار الانتهاكات الممنهجة في النزاع السوري.
اقرأ أيضاً: العقوبات تتراجع لكن حالة الطوارئ مستمرة بعد التمديد.. ما دلالات ذلك؟
شخصيتان عسكريتان في عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة على سوريا
من هو محمد حسين الجاسم؟
أُدرج اسم محمد حسين الجاسم، المعروف بلقب «أبو عمشة»، ضمن قائمة العقوبات الأوروبية الجديدة. ويُعتبر الجاسم مؤسّس وقائد فرقة السلطان سليمان شاه (Sultan Suleiman Shah Division)، وهي ميليشيا مسلّحة تنشط في الشمال السوري. (الاسم الكامل: محمد حسين الجاسم – اللقب الشائع: أبو عمشة – تاريخ الميلاد: 1985 – مكان الولادة: قرية الجوصة – محافظة حماة – الجنسية: سورية)
اتهمه القرار الأوروبي بقيادة قواته في الهجوم على المدنيين في الساحل السوري خلال آذار 2025، وبارتكاب عمليات قتل تعسفي بحق أفراد من الطائفة العلوية. وكانت قد تحدثت تقارير حقوقية وإعلامية في وقت سابق إلى أن «أبو عمشة» يدير شبكة مالية معقدة تدر عليه أرباحاً تُقدّر بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً. ووفقاً لتحقيق أجرته منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، فإن الدخل السنوي لـ «أبو عمشة» يصل إلى أكثر من 30 مليون دولار أمريكي، ناتجة عن ممارسات غير قانونية تشمل الابتزاز، والاعتقالات التعسفية، ومصادرة الممتلكات، وفرض الأتاوات على السكان المحليين في منطقة شيخ الحديد بعفرين.
ووفق تقارير أخرى، يعتمد «أبو عمشة» على شبكة من أشقائه الخمسة لإدارة استثماراته في سوريا وتركيا وليبيا. وتتضمن هذه الاستثمارات مكاتب لتحويل الأموال، وتجارة السيارات، ومكاتب عقارية، ومطاعم، بالإضافة إلى شبكات لتهريب البشر والمخدرات. فيما أشارت تقارير إلى أن هذه الشبكة العائلية تلعب دوراً محورياً في تعزيز النفوذ المالي لـ «أبو عمشة» وتوسيع نطاق أنشطته الاقتصادية غير المشروعة.
وأفادت شبكة «روزنة» الإعلامية، بأن «أبو عمشة» استغل الدعم المالي المقدم لمقاتليه في سوريا وليبيا، حيث أجبرهم على التنازل عن جزء من رواتبهم لصالحه. كما تم توثيق حالات اختلاس من الأموال المخصصة كمرتبات شهرية للعناصر، مما ساهم في تعزيز ثروته الشخصية على حساب المقاتلين.
وبناءً على ما تحدثت به هذه التقارير وغيرها، عن الانتهاكات والممارسات المالية غير القانونية، طالبت منظمات حقوقية، مثل «المركز السوري للعدالة والمساءلة»، بفرض عقوبات دولية على «أبو عمشة» وفصيله. وقد استجابت الولايات المتحدة لهذه الدعوات بفرض عقوبات عليه في عام 2023، تلتها العقوبات الأوروبية الأخيرة في مايو 2025.
سيف بولاد أبو بكر… قائد في الظل
الاسم الثاني على قائمة العقوبات هو سيف بولاد أبو بكر (Seif Boulad Abou Bakr)، القائد العام لـ فرقة الحمزة (Hamza Division)، أحد أبرز الفصائل ضمن هيكلية «الجيش الوطني السوري» المعارض للنظام السابق. (الاسم الكامل: سيف بولاد أبو بكر – تاريخ الميلاد: بين عامي 1987–1988 – مكان الولادة: بلدة بزاعة – منطقة الباب – شمال سوريا – الجنسية: سورية)
وكانت قد تحدثت تقارير إعلامية ودولية عن اتهامات خطيرة موجهة إلى القيادي في «فرقة الحمزة» المعروف باسم وليد، تتعلق بتورطه في اعتداءات جنسية ضد نساء، بالإضافة إلى مشاركته في تنظيم عمليات خطف وسرقة وابتزاز مالي. ووفقاً لما ورد في بيان رسمي صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، يُشتبه في أن وليد أقدم في عام 2020 على قتل أحد المعتقلين بعد إخضاعه لانتهاكات متواصلة استمرت شهراً، وذلك بسبب عدم قدرته على دفع فدية مالية.
وتحمّل منظمات حقوقية «أبو بكر»، مسؤولية مباشرة عن سياسة القمع التي تنتهجها جماعته بحق السكان المحليين. وتشمل هذه السياسة اختطاف نساء كرديات، وسوء معاملة المعتقلين بشكل عنيف، وهي ممارسات أدت في بعض الحالات إلى وفاة المحتجزين تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.
3 فرق عسكرية في عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة على سوريا
فرقة السلطان سليمان شاه… سجل أسود
إلى جانب قائدها «أبو عمشة»، استهدفت العقوبات الكيان نفسه: فرقة السلطان سليمان شاه (Sultan Suleiman Shah Division) التي تأسست عام 2016 في مدينة جرابلس، بقوام أكثر من 2000 مقاتل، والتي تورّطت في أحداث الساحل السوري الأخيرة وسبق أن اتهمت بجرائم ضد المدنيين في عفرين.
فرقة الحمزة… من عفرين إلى الساحل
أُدرجت فرقة الحمزة (Hamza Division) ككيان على لائحة العقوبات أيضاً، وهي ميليشيا مسلّحة تأسست عام 2016، ذات تاريخ طويل من الانتهاكات، خصوصاً في مناطق الأكراد بالشمال السوري. متهمة بإدارة مراكز احتجاز استخدمت فيها أساليب تعذيب، وقامت بعمليات اعتقال تعسفية وابتزاز ونهب، بالإضافة إلى مشاركتها في موجة العنف الأخيرة ضد المدنيين في الساحل السوري، وهي أيضاً تنتسب إلى «الجيش الوطني» وتُعتبر من أبرز فصائله.
فرقة السلطان مراد… الحضور العابر للحدود
آخر الكيانات التي شملتها العقوبات الأوروبية هي فرقة السلطان مراد (Sultan Murad Division)، وهي إحدى أقدم الفصائل الموالية لتركيا في سوريا. تأسست الفرقة عام 2013، وتتألف من 5000 إلى 10000 مقاتل، نشطت في الشمال السوري ضد القوات الكردية، وشاركت في عمليات عسكرية خارج سوريا (ليبيا، ناغورنو كاراباخ، النيجر)، وهي متهمة بارتكاب انتهاكات ممنهجة بحق المدنيين، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب
القرار الأوروبي أشار إلى مشاركتها أيضاً في أحداث الساحل السوري، مما أكسبها موقعاً في قائمة العقوبات الجديدة.
رسالة أوروبية مشفّرة
تعليقاً على ما ورد، يرى المراقبون أن هذا الإدراج يحمل دلالة على تحميل الكيانات، لا الأفراد فقط، مسؤولية الانتهاكات الميدانية، ومن وجهة نظر البعض، فإن هذه العقوبات ترسل رسالة مزدوجة مفادها أن الاتحاد الأوروبي يراقب ما يجري داخل الأراضي السورية، وأن الانتماء إلى «الجيش الوطني» أو غيره لا يمنح الحصانة من الملاحقة.
ما الذي تعنيه هذه العقوبات فعلياً؟
تشمل العقوبات الأوروبية عادةً تجميد الأصول في دول الاتحاد، وحظر السفر إلى الدول الأعضاء، بالإضافة إلى منع أي تمويل أو دعم من قبل كيانات أوروبية وعزل سياسي ودبلوماسي للأسماء المدرجة.
ختاماً، وفي وقتٍ تتضاعف فيه حملات التضليل وتشويه الحقائق، تبقى مهمّة الصحافة المهنية نقل الصورة كما هي، مستندة إلى الوثائق لا الإشاعات. ونحن في «سوريا اليوم 24»، نؤكد التزامنا بتقديم المعلومة الدقيقة، وندعو قرّاءنا إلى الرجوع للمصادر الرسمية بعيداً عن منابر التهييج والتحريف.
مرفق: المصدر الرسمي لقرار العقوبات الذي فرضه الاتحاد الأوروبي مع الجداول التفصيلية
