ثريا الحافظ اسم من ذهب ونضالات، بعروقها المقاومة، وروحها تنشد لرفع الظلم وأخذ الحقوق، هي ابنة شهيد وزوجة مناضل قاد ثورة ضد الإنكليز في العراق. صاحبة الإرث النضالي الفكري الذي أضاء درب سوريا ودرب كل حرّ في هذا العالم، إنها الأيقونة السورية الروائية والأديبة ثريا.
امرأة من التاريخ، بنت دمشق، شامية متأصلة بالجرأة والعنفوان، ناضلت في وجه الاحتلال الفرنسي، يا ترى كيف صنع هذا النضال في ثريا؟ وكيف خطت دروبه بصدى صوتها، وحفرت اسمها في التاريخ.
نشأة ثريا الحافظ
تولدها دمشق، رحبت دمشق في العام 1911 بميلاد ثريا الثائرة، فهي فتاة تسري المقاومة في حمضها النووي، ابنة أسرة مجاهدة ضد الاستعمار الفرنسي، ابنة أمين لطفي الحافظ شهيد السادس من أيار عام 1916 بعد إعدامه شنقاً مع عدد من الشهداء، فكيف لعروقها ألا تنبض كرامة.
درست في دمشق وقادت بها المظاهرات أيضاً ضد الاستعمار الفرنسي، مع رفيقاتها في النضال للضغط من أجل الإفراج عن السجناء جميعهم بما فيهم زوجها منير الريس.
كانت معلمة في مدارس دمشق، ثم أصبحت مديرة لعدة مدارس في العاصمة قبل إحالتها للتقاعد فيما بعد.
اقرأ أيضاً: نساء سوريات يؤسسن مشاريع صغيرة لتأمين حياة كريمة في إدلب
الحافظ والنضال النسوي
كافحت الأميّة، فعداء الجهل جزء من النضال الذي قادته الحافظ، وكان جل جهدها ينصب على العمل على مكافحة أميّة المرأة السورية خصوصاً والعربية عموماً لأن لا عدو للمرأة كالجهل.
كانت من المشاركات في أول مظاهرة نسائية ضد الوجود الفرنسي في سوريا، وعملت كذلك على تشغيل الأيدي العاملة ورعت الأيتام.
أسست أول جمعية نسائية شعبية، مع تأسيس جمعية “خريجات دور المعلمات” وتسلمها لأمانه سرها في وقت لاحق، ومن الجمعيات التي أسستها كذلك: نقطة الحليب، الفنون السورية.
لم يقتصر نشاط الحافظ على سوريا وحسب، بل امتد ليشمل النطاق العربي، فحازت على عضوية في النادي العربي، وجمعية نساء العرب القوميات، إلى جانب نقابة المعلمين والاتحاد القومي في فترة الوحدة بين سوريا ومصر.
نضالها لم ينضب أو يتوقف من أجل المرأة السورية وكرامتها، فقد استطاعت أن تنتزع حق المرأة السورية بالمشاركة في الانتخابات، فبذلك استطاعت أن تكون أول امرأة ترشح نفسها للانتخابات في سنة 1953 إلى جانب سيدة أخرى من دمشق وثالثة من يبرود.
هل توقف نضالها عند حدود السياسة؟ بالطبع لا. فكانت أول امرأة تحمل سلاحاً ضد الاستعمار الفرنسي وليس فقط في سوريا، بل شاركت بالمقاومة الشعبية التي انطلقت من دمشق عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، والتي انطلقت دعماً للمجهود الحربي المصري.
اقرأ أيضاً: سها جودت أغنت الوسط الثقافي
الحافظ والأدب
شاركت زوجها في تأسيس جريدة “بردى” وكان من أبرز الداعمين لها ولنضالها لإيمانه بحرية المرأة، فباتت تكتب مقالاً أسبوعياً تطالب فيه بحقوق المرأة الاجتماعية والسياسية، وفي نفس العام 1945، أسست “دار كفالة الفتاة” لمساعدة بنات شهداء العدوان الفرنسي على البرلمان السوري.
تأثرت بالتراث الإسلامي لإنشاء منتداها الذي أطلقت عليه اسم “منتدى سكينة الأدبي”، وكانت رفيقاتها في المنتدى واللواتي شكلن أسرته: زاهدة حميد باشا، مرزية القوتلي، وماوية الشيخ فضلي، وألفة عمر باشا الإدلبي، وأمل جزائري، وعزيزة هارون، وعناية رمزي التي كانت أمينة سرّ المنتدى.
أسس هذا المنتدى في منزلها في دمشق، اُفتتح في مقر النادي العربي عام 1953، وبفضل تأسيسه ساهم في انتشار الأدب والفن في البلاد، ولعب دوراً في معالجة القضايا القومية والوطنية، ورفع من مستوى الحياة الاجتماعية.
أُوقِف المنتدى في سورية عام 1963، فاضطرت الحافظ للانتقال إلى القاهرة، حيث استأنف المنتدى نشاطه هناك، لكن وسط حدود ضيقة.
وممن تحدثوا فيه ناصر الدين النشاشيبي، وعبد الله شمس الدين، صاحب نشيد (الله أكبر فوق كيد المعتدي)، الذي دوّى عام 1956، ولحنه محمود الشريف، كما كان النشيد الوطني الليبي منذ 1961 حتى 2011.
ومن الشعراء الذين تغنوا بالمنتدى الشاعر المصري أحمد علي حسن، الذي كتب: (ها هنا منتدى سكينة أحيته ثريا، فهل عرفت ثريا؟ أمةً جمّة النشاط وجيلاً أدبياً وعالماً عربياً).
كما قال صقر بن سلطان القاسمي في منتدى سكينة: “إيه يا منتدى سكينة مني لكَ أن أبقى في حماكَ صديقاً فاهد مني تحيةً لثريا وانشر الورد زاكياً وصديقاً”.
اقرأ أيضاً: أمينة خولاني.. المرأة الشجاعة الدولية
أبرز ما ألفته الحافظ
ألّفت ثريا كتابين أدبيين، الأول بعنوان “حدث ذات يوم” عام 1961، تحدثت فيه عن نضالها وحياتها بشكل عام، أما الثاني فحمل عنوان “الحافظيات” 1979-1980، تحدّثت عن تاريخ كامل لنهج مليء بالكفاح والإخلاص والمعتقدات التي كانت تتبناها آنذاك، وقد أهدت ذلك الكتاب لمجاهدات تحرير فلسطين، وقال مصطفى الشهابي في الكتاب المذكور: “إنك لتجد نفسك أمام جاذبين، أحدهما غنى الأحداث التي تروى لك، ولعلك واجد نفسك فيها، والآخر صدق وصراحة ما يُروى. ففي حياة ثريا الحافظ معين لا ينضب من الحركة والاندفاع”.
ختاماً، في العام 2000 وبعد 89 سنة من النضال، كتبت الحافظ آخر فصولها معلنة الرحيل، تقاسمت سنين عمرها القاهرة ودمشق، ثقلا الوطن العربي وبؤرتا نضاله، فكانت بذلك ثريا نجمة تضيء الأمة العربية وداراً للقومية، وصوتاً يصدح للنساء بصوت النساء لحرية وحقوق النساء.
اقرأ أيضاً: أزمة العنف ضد النساء السوريات في ظل قانون لا يحميهن
