في زمن الأزمات، لا تعود الجامعات مجرد مبانٍ ومقاعد دراسية، بل تتحوّل إلى اختبار حقيقي لقدرة الدولة على حماية مستقبل طلابها. ومع تصاعد التوترات الطائفية التي طالت عدداً من طلاب محافظة السويداء في الجامعات السورية، ارتفعت أصوات طلابية وأكاديمية تطالب بحلول رقمية مرنة تنقذ المسار الأكاديمي من الضياع. وأعادت مقترحات كالتعليم عن بُعد، وتقديم الامتحانات إلكترونياً، وتفعيل مراكز بديلة في المحافظات إلى الواجهة نموذج «الجامعة الافتراضية السورية» التي أثبتت فاعليتها في أوقات الطوارئ، كجائحة كورونا، حين حافظت على استمرارية التعليم رغم تعذّر الحضور.
في سياق هذه التوترات، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قراراً صارماً يقضي بمنع نشر أو تداول أي محتوى يتضمن خطاباً يحض على الكراهية أو الطائفية أو العنصرية، وشددت على أن مخالفة القرار من قبل الطلاب أو الكادر التدريسي أو الإداري في أي من الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة سيعرض صاحبه للمساءلة القانونية والانضباطية، وقد تصل العقوبة إلى الفصل أو الإحالة للقضاء.
أحداث دامية وتداعيات مقلقة
وجاء اندلاع احتجاجات داخل المدن الجامعية في عدة محافظات، مثل دمشق وحمص وحلب، على خلفية تداول مقطع صوتي منسوب زوراً لأحد مشايخ السويداء يتضمن إساءة دينية، رغم نفيه ونفي وزارة الداخلية السورية أي صلة له به. لكن المظاهرات تحولت بسرعة إلى منصة للتجييش الطائفي، ووقعت اعتداءات جسدية على طلاب من أبناء السويداء، وصلت إلى طعن طالب في حلب ونقله إلى المستشفى بحالة خطرة، إضافة لحوادث ضرب في جامعات أخرى.
العودة القسرية إلى السويداء
أمام هذا الواقع المقلق، اضطر المئات من طلاب السويداء إلى مغادرة جامعاتهم والعودة إلى محافظتهم، ما أدى إلى انقطاعهم عن المحاضرات والجلسات العملية. بعضهم وجد نفسه مهدداً بخسارة عام دراسي كامل بسبب الغياب، رغم تلقيهم وعوداً غير رسمية بتبرير ذلك. وبعضهم تحدث عن عدم قدرة عائلته على تقبل فكرة العودة إلى الجامعة في ظل غياب الضمانات الأمنية، رغم أهمية الحضور للمواد العملية.
أما طلاب السنة التحضيرية، الذين يتوقف مستقبلهم الجامعي على هذا الفصل تحديداً، وجدوا أنفسهم أمام خسارة قد تقرر مسارهم الأكاديمي بالكامل. يقول أحدهم إن غياب الأمان في السكن الجامعي والطرقات يضعهم أمام معادلة صعبة: إما السلامة أو التعليم.
دعوات للحلول الرقمية في الجامعات السورية
في ظل هذا الواقع، طرحت العديد من الأصوات التعليمية حلولاً بديلة لضمان استمرارية الدراسة، منها اقتراحات بإجراء امتحانات إلكترونية، أو فتح مراكز امتحانية في السويداء مؤقتاً، أو تفعيل التعليم عن بُعد للجلسات العملية. وناشدت طالبة في الجامعة الدولية الخاصة، على وشك التخرج، إدارتها للسماح بتحكيم مشاريع التخرج عبر الإنترنت، لتفادي خسارة فصل دراسي حاسم.
ويجمع الطلبة وأهاليهم على ضرورة توفير بيئة جامعية آمنة خالية من التوترات الطائفية، عبر خطوات عملية تبدأ بضبط الخطاب الإعلامي والجامعي، واتخاذ إجراءات عقابية بحق كل من يحرّض أو يمارس العنف داخل الحرم الجامعي. فالتعليم، في نظرهم، لا يمكن أن يُستكمل في ظل الخوف، ولا بد من حماية الجامعات كمؤسسات علمية يجب أن تبقى بمنأى عن التجاذبات الطائفية والسياسية.
وفي أعقاب تداول مقاطع مصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مغادرة طلاب من محافظة السويداء للسكن الجامعي في العاصمة دمشق، خرج عدد من المسؤولين السوريين بتصريحات تؤكد رفضهم المطلق لأي مساس بالوحدة الوطنية أو استغلال الحرم الجامعي لأغراض طائفية أو سياسية.
ونفى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور مروان الحلبي، صحة ما وصفه بـ «الادعاءات المنتشرة عبر الإنترنت»، مؤكداً أن الفيديوهات التي تم تداولها تعود لفترات سابقة ولا تعكس واقع المدن الجامعية حالياً على حد تعبيره. ولفت إلى أن الأوضاع داخل السكن الجامعي «مستقرة وتحت السيطرة»، مشدداً على أن الوزارة تتابع الملف بشكل مباشر، وتسعى إلى إعادة الطلاب القادمين من السويداء إلى سكنهم بأمان وبما يضمن سلامتهم.
الإعلام الرسمي يتصدى
من جانبه، شدد وزير الإعلام، الدكتور حمزة المصطفى، على ضرورة الحفاظ على المؤسسات التعليمية كرمز للوحدة والتنوع، ورفض أي محاولات لجرّها إلى خلافات طائفية أو صراعات سياسية. وقال في منشور على حساباته الرسمية إن التواصل مستمر مع وزارة التعليم العالي لمتابعة مستجدات الوضع، مؤكداً أن «الجامعات ستظل منارات للعلم والمعرفة، ولن يُسمح بتحويلها إلى أدوات للفُرقة والفتنة».
وأكد المصطفى كذلك أن الوزارة مستعدة للتنسيق الكامل مع وزارة الداخلية ومحافظة السويداء بهدف ضمان أمن وسلامة الطلبة، وإعادتهم إلى مساكنهم الجامعية في أسرع وقت ممكن، مع توفير الحماية اللازمة لهم.
بدوره، أكد محافظ السويداء، مصطفى البكور، أن أبناء المحافظة يحظون باهتمام مباشر من الجهات الرسمية، وأن أي اعتداء أو تجاوز يُرتكب بحقهم سيتم التعامل معه بحزم. وأشار إلى أن المحافظة تتابع أوضاع طلابها في الجامعات السورية، ولا تقبل بأي مساس بحقوقهم داخل الحرم الجامعي أو خارجه.
اقرأ أيضاً: ما بين اتفاق السويداء وغارات الكيان.. ما الذي تريده «إسرائيل» بالضبط؟!
يشار ختاماً، إلى أن مغادرة عدد من طلاب السويداء للسكن الجامعي في منطقة أوتوستراد المزة بالعاصمة، أثارت استياءً واسعاً في أوساط مجتمعية وأكاديمية، خصوصاً أنها جاءت عقب سلسلة من التوترات التي شهدتها مناطق مثل جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء نفسها، والتي تُعدّ من أبرز مناطق وجود الطائفة الدرزية في البلاد.
ورغم التوصل إلى تفاهمات أمنية متفاوتة بين الجهات الرسمية وممثلين عن المجتمع المحلي في هذه المناطق، إلا أن المخاوف من عودة التوترات لا تزال قائمة، خاصة مع نشاط مجموعات تُتهم بإثارة الفتنة الطائفية تحت شعارات خارجة عن القانون.
فيما تتزايد الأصوات المطالبة بتحييد الجامعات والسكن الطلابي عن أي تجاذبات طائفية أو سياسية، باعتبارها مؤسسات ينبغي أن تبقى ملاذاً آمناً للعلم، ومنصّة لبناء مجتمع متنوع ومتسامح. ويرى مراقبون أن الاستجابة السريعة للمؤسسات الرسمية عبر التصريحات والتطمينات تشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى مرافقتها بخطط عملية تضمن السلامة النفسية والجسدية للطلبة، وتعزز الثقة ببيئة التعليم العالي في البلاد.