عودة جماعية تشهدها سوريا لسوريين خرجوا خلال الحرب وقبلها في مشهد يعكس رغبة بالعودة إلى الجذور وبناء وطن أهلكته الحروب، لكن كان لعودة يهود سوريا الصدى الأكبر بحكم كونهم قد خرجوا من التسعينات، فبالتزامن مع زيارة وفد سوري أمريكي من يهود سوريا لدمشق تم فتح أبواب كنيس الافرنج في الحي اليهودي، وأقام الوفد اليهودي صلاته فيه لأول مرة منذ زمن طويل.
لم تكن هذه الزيارة الأولى ليهود سوريا، وإنما سبقها زيارة أُخرى في شباط الماضي ضمت شخصيات يهودية بارزة مثل الحاخام يوسف الحمرا والحاخام آشر لوباتين وعدد من اليهود السوريين، وقد زار الوفد مواقع تاريخية وثقافية يهودية هامة كمقابر اليهود السوريين، وكنيس إلياهو هانافي (كنيس جوبر) الذي يعد أقدم كنيس في العالم، والحي اليهودي في دمشق بالإضافة قبر الحاخام حاييم فيتال أحد أعلام التصوف اليهودي.
وقد لاقت هذه الزيارات ترحيباً عاماً، وبشكل خاص من ممثل الرئيس السوري في الحكومة السورية الجديدة أحمد بدرية، الذي وجه دعوة إلى يهود سوريا لزيارة بلدهم، في ما قيل في الإعلام أنّها محاولة لكسب التأييد الدولي وطمأنة اسرائيل أنها لن تكون بلد مستهدف من سوريا.
اليهود السوريون
عاش اليهود في سوريا منذ العصور القديمة، فيما تم استقبال أعداد كبيرة منهم بعد أن قامت إسبانيا بطردهم عام 1492 ويطلق عليهم اسم اليهود السفارديون، بالإضافة إلى اليهود الأكراد، وتمركزوا في حلب ودمشق والقامشلي.
بلغ تعداد اليهود في سوريا الحديثة حوالي 32.000، واجه معظمهم ضغوط كبيرة عقب حرب 1967 التي تم على إثرها احتلال الجولان السوري من قبل إسرائيل، وفرضت قيود عديدة عليهم مثل المنع من حرية الحركة لمسافة أكثر من 5 كيلو متر، كما مُنعوا من الوظائف الحكومية أو التطوع بالجيش أو أداء الخدمة العسكرية. أما من ناحية الأملاك الخاصة فقد جمدت أرصدت اليهود السوريين في البنوك ومنعوا من تحويلها إلى الخارج، ومنعوا من بيع ممتلكاتهم الخاصة، كما أغلقت المدارس والأوقاف اليهودية ثم صودرت وسلمت للأوقاف العامة.
كل هذا التضييق أدى باليهود إلى الهروب نحو لبنان، والكثير منهم تم تهريبه من سوريا من قبل ناشطين يهود في أنحاء العالم كالناشطة اليهودية الكندية جودي فيلد كار التي ساهمت في تهريب نحو 3000 يهودي.
في التسعينات وفي توافق دولي بين حافظ الأسد والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى خلفية مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 تم تخفيف بعض من هذه القيود والسماح لهم بمغادرة الأراضي السورية بشرط أن لا يتوجهوا نحو اسرائيل، بينما تركزت هجراتهم نحو بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والارجنتين، والمكسيك، والبرازيل، وبنما، وتشيلي، وجمايكا.
كما يشار في هذا السياق إلى أن هناك تمايز بين اليهود السوريين عامة، فهناك اليهود الحلبيين واليهود الشاميين، ولكل منهم طقوس خاصة، ولا يُفضلون الزواج فيما بينهم.
في عام 2011 كان يعيش 250 يهودياً في سوريا، معظمهم من دمشق، وفي عام 2014 تبقى فقط 50 شخص بينما فر الباقي خارج سوريا بسبب الحرب، أما يهود حلب فتقول بعض المصادر بأنّه “تم نقلهم بعملية سرية إلى عسقلان في إسرائيل نتيجة تهديد داعش للمنطقة، وفي 2016 تم إنقاذ آخر يهودي حلبي ليتم إنهاء وجودهم في المدينة”.
هل من الممكن إعادة بناء مجتمع يهودي في سوريا
تدل الزيارات المتكررة لليهود السوريين بالرغبة الحقيقية في العودة إلى بلادهم، لكن هناك تحديات كبيرة سوف تكون أمامهم أولها الاستقرار الأمني الذي لم يتوفر بعد، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تحول دون العودة الدائمة وهذا ما أشار إليه الحاخام حمرا. كما أنّ تعداد اليهود الذي لا يتجاوز 6 أفراد ومعظمهم من كبار السن تحول دون إقامة مجتمع يهودي حقيقي.
في هذا السياق، يقول بعض المراقبون بأنّ دعوات العودة من قبل الحكومة السورية الجديدة سببها تحقيق مكاسب سياسية وحسب، دون أن تكون قادرة على التأثير في اليهود السوريين بشكل حقيقي.
الجدير بالذكر أن الكثير من ممتلكات اليهود من بيوت ومحلات وأراضٍ موجودة إلى وقتنا هذا، لكن بعضها تم تصنيفها كأوقاف للدولة أو للكنيسة، وبعضها الآخر تم الاستيلاء عليه، وأخرى لا يزال القانون الناظم لها هو قانون الإيجارات القديم. ومن اللافت أنّ الكثير من هذه الممتلكات لم تعد بيد مستأجريها الأصليين، فالعديد منهم جيّروا عقودها لصالح آخرين فيما يطلق عليهم في لغة السوق: “فروغ”. لذا سيكون أمام الدولة مشكلة كبيرة إذا ما أراد اليهود العائدون استرداد ممتلكاتهم.
يعد اليهود السوريون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع السوري الذي يتميز بتنوعه الديني، لكن عموماً، وليس هذا خاصاً فقط باليهود السوريين، فسوريا بحاجة إلى مقومات الدولة الحقيقية لعودة جميع أبنائها إليها، وإلا ستكون عمليات الهجرة أكبر وستفقد كافة كوادرها البشرية من جميع الديانات والطوائف.
اقرأ أيضاً: كيف يحتفل السوريون في عيد الفصح 2025؟