الكاتب: أحمد علي
في مشهدٍ سياسيٍّ متقلب، حيث تتقاطع المصالح وتتنافر الأيديولوجيات، تقف سوريا اليوم على مفترق طرقٍ حاسم. فبعد سنواتٍ من العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية، تلوح في الأفق بوادر تحولٍ جذري في علاقاتها الدولية. ويفتح هذا التحول أمام دمشق آفاقاً جديدة لإعادة بناء اقتصادها وتعزيز مكانتها الإقليمية، لكنّه في الوقت ذاته يفرض تحدياتٍ تتطلب حنكةً سياسية واستراتيجية دقيقة، ليبقى السؤال: ما بين الصين وأمريكا أين ستقف سوريا؟!
الصين وسوريا: شراكة استراتيجية تتجاوز العقوبات
لطالما كانت الصين من أبرز الداعمين لسوريا في المحافل الدولية، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن عدة مرات لمنع فرض عقوباتٍ دولية على دمشق. وفي كانون الثاني 2025، جددت الصين موقفها الرافض للعقوبات الأحادية الجانب، مؤكدةً أن هذه الإجراءات «غير قانونية وتلحق ضرراً كبيراً بالشعب السوري».
وبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرياض عن نيته وقف العقوبات على سوريا، رحبت الصين بقرار رفع العقوبات عن سوريا، مؤكدةً دعمها لاستقرار وتنمية البلاد. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان بأن بكين «تعارض دائماً العقوبات الأحادية غير القانونية» وتدعم سوريا في استعادة الاستقرار والتنمية.
مقارنة تجارية: سوريا والصين ودولٌ مماثلة
اقتصادياً، شهدت العلاقات التجارية بين سوريا والصين نمواً ملحوظاً. ففي عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وسوريا حوالي 389.18 مليون دولار أمريكي، مع ارتفاعٍ في الصادرات الصينية إلى سوريا بنسبة 21.9% مقارنةً بالعام السابق. وتشمل هذه الصادرات معداتٍ كهربائية ومنتجاتٍ صناعية متنوعة.
لكن رغم النمو في العلاقات التجارية بين سوريا والصين، إلا أن حجم التبادل التجاري لا يزال محدوداً مقارنةً بدولٍ أخرى ذات حجمٍ اقتصاديٍّ مشابه. فعلى سبيل المثال، يشهد التبادل التجاري بين تونس والصين تطوّراً مطّرداً في السنوات الأخيرة، إذ بلغ إجمالي حجم التبادل بين البلدين نحو 1.8 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وفق أحدث الإحصاءات المتاحة. وعلى الرغم من أن الميزان التجاري لا يزال يميل بشدة لصالح الصين، فإن الصادرات التونسية إلى السوق الصينية سجّلت نمواً سنوياً ثابتاً بنسبة تقارب 5%.
وبالمقارنة مع سريلانكا، فقد بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين حوالي 4.584 مليار دولار أمريكي، ووفق الاحصاءات المتوفرة، بلغت الواردات السيرلانكية من الصين نحو 4.332 مليار دولار أمريكي، مسجلة زيادة بنسبة 40% مقارنة بعام 2023، فيما بلغت الصادرات السريلانكية إلى الصين حوالي 251.91 مليون دولار أمريكي، مع انخفاض بنسبة 2% مقارنة بالعام السابق.
ويتضح من البيانات أعلاه أن حجم التبادل التجاري بين الصين وسوريا لا يزال محدوداً مقارنةً بتونس وسيريلانكا على سبيل المثال، وتم اختيار هذين البلدين كمقارنين في التحليل نظراً للتقارب والتشابه في بعض الجوانب منها المساحة وعدد السكان، بالإضافة إلى انضمامهما إلى جانب سوريا في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
أبواب مفتوحة على الجميع
في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، تجد سوريا نفسها أمام فرصةٍ تاريخية لإعادة صياغة سياستها الخارجية. فبدلاً من الانحياز الكامل إلى محورٍ دون آخر، يمكن لدمشق تبني سياسة أو نهج «عدم الانحياز»، مستفيدةً من العلاقات مع مختلف الأطراف لتحقيق مصالحها الوطنية. فهذا النهج قد يتيح لها الاستفادة من الدعم الصيني في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا، ومن الانفتاح الأمريكي في مجالات الاستثمار والتعاون الاقتصادي، دون الوقوع في فخ التبعية لأيٍّ من القوتين.
إن تبني سياسة متوازنة ومرنة قد يكون السبيل الأمثل لسوريا لتحقيق الاستقرار الداخلي والنمو الاقتصادي، مع الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي.
وربما سيكون من المفيد في هذا السياق أن نستذكر معاً أن سوريا كانت قد انضمت إلى حركة سميت في حينها «حركة عدم الانحياز» منذ تأسيسها الرسمي في مؤتمر بلغراد عام 1961، الذي حضرته 25 دولة من آسيا وأفريقيا، بما في ذلك سوريا، لتشكل معاً نواة الحركة التي سعت إلى خلق تيار مستقل بعيداً عن الاستقطاب بين المعسكرين الشرقي والغربي خلال الحرب الباردة.
وحينها جاءت مشاركة سوريا في الحركة انسجاماً مع تاريخها النضالي ضد الاستعمار الفرنسي، ورغبتها في ترسيخ سيادتها الوطنية دون الخضوع لأي من القوى العظمى. وقد تبنت دمشق مبادئ الحركة، التي شملت الاحترام المتبادل للسيادة، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمساواة والتعاون المتبادل، والتعايش السلمي.
اقرأ أيضاً: الدرونات والمسيرات تغيّر قواعد اللعبة.. ماذا عن مستقبل سوريا العسكري؟