نشرت «المجلة اليهودية» بتاريخ 28 أيار 2025 مقالاً صحفيّاً موقعاً باسم الصحفي جوناثان باس (Jonathan Bass) يتضمن النقاط التي تحدّث فيها الصحفي نفسه مع الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع عبر لقاء جمعهما في قصر الشعب في العاصمة السورية دمشق.. حول ماذا جرى الحديث؟ وماذا قال الرئيس الشرع حول النقاط المطروحة؟ كيف يرى البلاد من موقعه الحالي؟ ماذا عن العلاقة مع «إسرائيل»؟ والبناء والعدالة؟ هذه الأسئلة وغيرها ستجدون أجوبتها عبر هذا المقال..
تذكر المجلة أنها «التقت بالرئيس الذي يصفه السوريون لا كثائر، بل كـ «مرمّم»، الرجل الذي يحمل على عاتقه ترميم وطن منهك وممزق. في ذلك المكان الفاخر المحاط ببنايات بسيطة متهالكة، كان الحديث عن إعادة البناء، عن العدالة، وعن وطن يبحث عن ذاته بعد سنوات طويلة من النزيف».
الشرع: نبدأ من الأعماق..
«نحن لا نبدأ من الصفر، بل من الأعماق»، قالها الشرع بهدوء لكن بحزم كما يصف الصحفي باس، الذي قال إن الرئيس الجديد الذي تولى الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد، لم يتحدث بلغة الانتصارات، بل بلغة المسؤولية العاجلة.
قال الشرع: «لقد ورثنا أكثر من مجرد أنقاض. ورثنا صدمة، وانعدام ثقة، وتعباً، لكننا ورثنا أيضاً أملاً، هشاً نعم، لكنه حقيقي». وتتابع المجلة: يدرك الشرع تماماً أن النظام السابق — حكم حافظ الأسد ثم ابنه بشار — رسّخ مفهوماً مشوهاً للولاء، حيث كانت الطاعة تعني الصمت، والتعايش يُقابل بالكراهية، والاستقرار لا يتحقق إلا بالقمع.
وممّا جاء على لسان الرئيس الانتقالي السوري: «سيكون من غير النزيه أن أتحدث عن صفحة بيضاء، الماضي حاضر في عيون الناس، في الشوارع، في البيوت. لكن واجبنا الآن ألا نعيد إنتاجه، ولا حتى بنسخة مخففة. يجب أن نخلق شيئاً جديداً كلياً».
السجناء والمصالحة والمفقودون
«منذ اللحظة الأولى، بدأت خطوات الشرع بطيئة لكنها تحمل دلالات كبيرة. أطلق سراح المعتقلين السياسيين، وأعاد فتح قنوات الحوار مع معارضين في الداخل والخارج، ووعد بإصلاح جهاز الأمن سيئ السمعة».
يرى الرئيس الشرع أن الدولة الجديدة يجب أن تكون جامعة للجميع، إذ قال: «نحن ندعو جميع الأصوات إلى الطاولة: العلمانية، الدينية، القبلية، الأكاديمية، الريفية والحضرية. على الدولة أن تصغي الآن أكثر مما تأمر». واقترح تأسيس وزارة متخصصة بمصير المفقودين وضحايا المقابر الجماعية، مؤكداً ضرورة التعاون مع الولايات المتحدة لتوفير تقنيات الطب الشرعي وقواعد بيانات الحمض النووي.
الشرع لا يطلب الثقة بل المحاسبة
حين سُئل عن ثقة الشعب في حكومة جديدة تنهض من رماد الديكتاتورية، كان جوابه الرئيس الشرع مباشراً: «لا أطلب الثقة، بل الصبر والمحاسبة. حاسبوني، وراقبوا هذا المسار. هكذا فقط تولد الثقة».
وتستطرد المجلة أن الرئيس الشرع يدرك أن السوريين في القرى المدمرة والمدن الخاوية لا يبحثون عن شعارات، بل عن حياة طبيعية — عن فرصة لبناء منزل، وتربية أطفال، وكسب رزق بسلام.
اقرأ أيضاً: الشرع في باريس: ماذا حملت الزيارة وحول ماذا جرى الحديث؟
العمل لا الأيديولوجيا
يطرح الرئيس السوري رؤية اقتصادية واضحة تقوم على توفير العمل في مجالات الزراعة، والصناعة، والبناء، والخدمات العامة: «لم يعد الأمر أيديولوجياً، بل هو عن منح الناس سبباً للبقاء، سبباً للحياة، وسبباً للإيمان» يقول الشرع، ويتابع: «سوريا المستقرة تُبنى في الأسواق، في الصفوف الدراسية، في الحقول، وفي الورش. سنعيد سلاسل الإمداد. وستعود سوريا مركزاً للتجارة».
وتذكر الصحيفة نقلاً عن الشرع أنه يؤمن بأن السلام الحقيقي لا يعني غياب الحرب فقط، بل وجود الفرص: «كل شاب يعمل هو روح بعيدة عن التطرف. وكل طفل في المدرسة هو صوت للمستقبل»، قالها في تأكيد منه أن التنمية هي حائط الصد الأول ضد العنف.
حول سوريا و«إسرائيل»
في ملف العلاقات مع «إسرائيل»، تحدث الشرع بصراحة غير مسبوقة على حدّ قول المجلة: «يجب أن تنتهي مرحلة القصف المتبادل اللانهائي. لا وجود لدولة تزدهر وسماؤها مليئة بالخوف».
وعبّر عن «رغبته في العودة إلى روح «اتفاقية فك الاشتباك 1974» (Dofa Accord) ليس كهدنة، بل كأساس لضبط النفس وحماية المدنيين، وخاصة دروز سوريا في الجنوب والجولان» وفق التعبير الوارد في المصدر. وتابع الشرع: «دروز سوريا ليسوا بيادق، بل مواطنون لهم جذور وولاء وتستحق حقوقهم الحماية. أمنهم غير قابل للمساومة».
ورغم أنه «امتنع عن طرح/اقتراح التطبيع المباشر – he stopped short of proposing immediate normalization» مع «إسرائيل» وفق ما تذكر المجلة، إلّا أنه لمّح وأبدى استعداده إلى إمكانية حوارات مستقبلية تستند إلى القانون الدولي والسيادة المتبادلة، مضيفاً: «السلام يجب أن يُبنى على الاحترام، لا على الخوف. وسننسحب من أي مفاوضات تخلو من الوضوح والصدق».
اقرأ أيضاً: تركيا و«إسرائيل» في سوريا: تنسيق أمني أم تحاصص وتقاسم نفوذ؟!
مفاجأة دبلوماسية
أكثر التصريحات إثارة للدهشة -وفقاً للمجلة- كانت حين أبدى الرئيس الشرع استعداده للجلوس مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب (Donald Trump) الذي قال عنه: «بغض النظر عما يقوله الإعلام، أراه رجلاً يسعى للسلام. لقد تعرضنا لنيران العدو نفسه. ترامب يفهم النفوذ والقوة والنتائج. سوريا بحاجة إلى وسيط صادق يعيد الحوار إلى مساره. إذا كانت هناك إمكانية للتفاهم تضمن الاستقرار للمنطقة والأمن للولايات المتحدة وحلفائها، فأنا مستعد للمحادثة. هو الرجل الوحيد القادر على إعادة ترتيب هذه المنطقة».
واعتبرت «المجلة اليهودية – jewishjournal» هذا التصريح جريئاً و«يكشف عن استعداد سوريا الجديدة للقيام بخطوات غير تقليدية سعياً وراء السلام والاعتراف».
الواقع مؤلم ولا وعود وردية…
«هذه ليست قصة خرافية، بل تعافٍ — والتعافي مؤلم»، هكذا أنهى الشرع حديثه، متحدثاً عن التحديات الكبرى التي تواجه البلاد: «أكثر من مليون ضحية في مقابر جماعية، 12 مليون نازح، اقتصاد منهار، عقوبات مستمرة، وميليشيات متنافسة في الشمال».
لكن رغم ذلك، يصرّ الرئيس الانتقالي أحمد الشرع على أن مستقبل سوريا لا يُصاغ في غرف المؤتمرات وحدها، بل في كل بيت يُبنى، وكل يد تعمل، وكل قلب يحلم بالسلام.