المهجرون، ملف أصبح يطرق باب الحكومة السورية بقوة أكبر بعد التحرير، فبعد أن كادت الكثافة السكانية تخنق إدلب والشمال، اليوم تنفسوا الصعداء وفتحت سوريا ذراعيها لأبنائها بكامل أراضيها، لكن الفوضى قوضت آمال المهجرين وجعلتهم في مهب القرارات السريعة، كمساكن العرين أو الحرس الجمهوري سابقاً في قدسيا التابعة لريف دمشق، لكن ما القصة؟
صدر بلاغ يوم الإثنين الواقع في 25 أيار عن اللجنة التابعة للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية يوجب إخلاء السكان لمساكن العرين خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام، مع اعتبار أن عدم الإخلاء خلال هذه المدة يعني تحمل الساكن لجميع التبعات القانونية للموضوع بما فيها الإخلاء القسري.
شكل هذا البلاغ حالة شعبية دفعت بالسكان للنزول إلى الشارع احتجاجاً على القرار، وجاء ذلك مع تغيب لجنة السكان التي تشكلت مع بداية سقوط النظام السابق وكانت مسؤولة عن منطقة قدسيا، فبحسب أحد المواطنين هذه اللجنة هي من سمحت لهم بالسكن في مساكن العرين.
يقطن الآن مساكن العرين عائلات العساكر التابعين لوزارة الدفاع بالإضافة إلى مدنين عاملين في وظائف مدنية وعائلات مهجرة قادمة من الشمال السوري، والجدير بالذكر أن معظمهم من سكان جوبر والغوطة الشرقية أي المناطق القريبة من دمشق، وبحسب الأهالي وقبل صدور البلاغ بأيام تم اجراء استبيان تضمن عدة أسئلة عن العقار والساكنين فيه، ومنها أرقام الشقق والكتلة وجهة العمل والرقم الذاتي وطبيعة عمل المقيم.
رفض الأهالي ترك مساكنهم وأكدوا أنه لا يوجد مكان يذهبون إليه في ظل ارتفاع الإجارات في مدينة دمشق وما حولها، لذا وجدوا في إعلاء الصوت والاحتجاج سبيلاً لإيصال همومهم، فمعظمهم تكلفوا بمبالغ مالية كبيرة لنقل أثاثهم من الشمال السوري إلى مساكن العرين، وبحسب الأهالي قاموا أيضاً بعدد كبير من الإصلاحات في تلك المنازل حتى استطاعوا السكن فيها، والآن من يعوضهم؟
بحسب الآراء المتداولة يقول بعض سكان هذه المناطق أن الحكومة السورية تقوم بإعادة هيكلة مساكن العرين لتوزيعها بشكل صحيح على ضباط وعناصر وزارة الدفاع حصراً، بالرغم من أن العائلات القاطنة حالياً تم اختيارها من قبل لجنة السكان، ومعظمهم من المصابين أو الأرامل والأيتام ولا تتجاوز معاشاتهم 150 دولار في حين أن أقل منزل في تلك المنطقة أجاره بين 100 و200 دولار.
في حين قال مدير “ملف الإسكان لمهجري جوبر” المهندس محمد جلال أن ما يحدث في مساكن العرين أزمة إنسانية حقيقية، وأشار إلى أن حي جوبر لا يزال منطقة مدمرة بالكامل غير صالحة للعيش فيها، فلا تتوافر فيها الخدمات الأساسية والبنية التحتية، كما أن ملف إعادة الإعمار لم يطرح بشكل واضح إلى الآن.
ويُقدر عدد العائلات القاطنة في مساكن العرين من أبناء حي جوبر حوالي 1000 عائلة، بينما يتراوح عدد المهجرين الإجمالي من أبناء هذا الحي بين 1700 إلى 2000 عائلة معظمهم اتجهوا نحو الشمال خلال الثورة السورية.
والجدير بالذكر أن مساكن العرين كان يطلق عليها مساكن الحرس وكان يقطنها عساكر وضباط النظام، ومع سقوطه وحل الجيش التابع له أُخرجت العائلات منه.
اقرأ أيضاً: هل تحرك الاستثمارات الأجنبية والعربية عجلة التعافي الاقتصادي في سوريا؟
ملف المهجرين وإعادة الإعمار كيف سيُحل؟
في ظل الفوضى السابقة كان لا بد من الحديث في هذا المقال حول الحلول الممكنة للمهجرين، وتجارب دول استطاعت إيجاد حل لمهجريها وأُخرى فشلت ووقعت في ازمة اقتصادية كبيرة.
هنا لا بد من ذكر الحرب الأهلية في لبنان التي قتلت البشر والحجر عام 1976/1977، وامتدت بمفاعيلها حتّى توقيع اتفاقية الطائف في 1991. وفقاً لمساحة لبنان الصغيرة نستطيع القول أنها فشلت في إعادة الإعمار عبر اعتمادها على القروض الخارجية ذات الفوائد الكبيرة لإعادة إعمار البيوت والبنى التحتية، وكانت الحكومة اللبنانية تتعاون في ذلك مع البنك الدولي والبنوك الخليجية، وبالرغم من ارتفاع نسبة الدين الخارجي للبنان الذي وصل إلى 150% إلا انها حلت مشكلة إعادة الإعمار للعاصمة فقط مع إهمال لباقي المناطق.
ساهمت الجاليات اللبنانية في دول العالم بدعم إعادة الإعمار عبر التحويلات المالية، وتغذية مشاريع الإسكان والمشاريع الصغيرة لكنها لم تكن كافية للتغطية على النواقص في التمويل والتنظيم.
أما في أوكرانيا التي لا تزال تعاني من الحرب، وفرت لمهجريها الداخليين حلاً مؤقتاً عبر تقديم إعانة إيجار السكن، أي أنها توفر لهم مساكن مدفوعة الإيجار، وتعوض أصحاب تلك البيوت بمبالغ مالية، ويأتي ذلك بالتعاون مع مجلس أوروبا لأوكرانيا الذي يوفر الدعم المالي لحكومة أوكرانيا، ويمكن تطبيق هذا الحل في مشكلة المهجرين السوريين بمساكن العرين أو غيرها من المناطق عبر استئجار الدولة لمنازل من أصحابها في دمشق وريفها وتقديمها للمهجرين القابعين في المخيمات، مع تحديد أجار معقول لهذه المنازل، وبذلك أيضاً تلزم الدولة المؤجرين بخفض أسعار الإجارات.
كما يمكن استخدام المساكن الجاهزة التي تستخدمها تركيا عادة، وإيواء المهجرين داخلياً، إذ يمكن العمل على إزالة الأنقاض من المناطق المدمرة ووضع هذه المنازل فيها مع إمكانية توسيعها عند القيام بمشروع إعادة الإعمار الحقيقي، وهنا يمكن أن تستفيد الحكومة السورية من علاقاتها مع الدول العربية والإقليمية في دعم هذه الخطوة كونها تشكل أساساً لإعادة الإعمار.
في النهاية ملف المهجرين وإعادة الإعمار هو بلا شك ملف معقد ولا يمكن حله بسهولة، لكن النازحين السوريين قابعون بين مطرقة النزوح وسندان تحصيل لقمة العيش، لذا لا بد من العمل بالسرعة القصوى لحل هذا الملف.
اقرأ أيضاً: خطة أممية لإعادة إعمار سوريا.. ما هي وماذا تتضمن؟