بقلم: هلا يوسف
إيلي كوهين اسم ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي والصحف العربية والعالمية بعد إعلان إسرائيل حصولها على مقتنيات خاصة برجل الموساد الذي عمل على مدار سنين كجاسوس لهم في سوريا وتم إعدامه من قبل الحكومة السورية أمام الجميع عام 1965، بالإضافة إلى إعلان حكومة الاحتلال عن جلب ملفه الكامل الذي يحتوي على وثائق وصور بالتعاون مع استخبارات دولة صديقة، لكن من هو كوهين، ولماذا عادت قصته للظهور الآن؟
إيلي كوهين خائن لوطنه أم مخلص لبلده؟
وُلد إيلي كوهين لعائلة مصرية يهودية وكانت يُقيم في مدينة الإسكندرية، عُرف عنه حماسه لفكرة الصهيونية وانضمامه لمنظمة الشباب اليهودي الصهيوني التي كانت تعمل على إقناع يهود مصر بالهجرة إلى فلسطين، وبالفعل انتقل والداه وإخوته الثلاثة إلى “إسرائيل”، إلا أنه تخلف عنهم وعمل كجاسوس في مصر تحت اسم “جون دارلينج” وقام بعدة تفجيرات ببعض المنشآت الأمريكية لإفساد العلاقة بين مصر وأمريكا آنذاك.
خرج من مصر عام 1955 بعد عملية لافون التي تم على إثرها إلقاء القبض عليه وعلى أفراد مجموعته، إلا أنه استطاع إقناع المحققين ببراءته وسافر نحو إسرائيل التحق فيها بالموساد وعاد إلى مصر إلا أنه تم اعتقاله إبان العدوان الثلاثي عام 1956، وعاود أدراجه إلى اسرائيل بعد الإفراج عنه، عمل عدة أعمال قبل أن ترى المخابرات الإسرائيلية بشخصيته نموذج الجاسوس الجيد، وقررت إرساله إلى مصر لكن غيروا رأيهم وقرروا إرساله إلى سوريا.
جاسوس في سوريا
لفق الموساد الإسرائيلي قصة حياة إيلي كوهين، إذ جاء إلى سوريا تحت اسم كامل أمين ثابت من عائلة مسلمة سورية سكنت الإسكندرية في مصر، وسافر هو وعائلته إلى الأرجنتين بعد أن كان عمه هناك، وبعد أن توفي والداه عام 1952 ظل يعمل في تجارة الأقمشة، هذه الرواية التي كان يقصها على مسامع من يريد التعرف عليه في سوريا.
لكن الحقيقة أن لحظة اختياره كجاسوس تدرب على استخدام الحبر السري وأدوات الاتصال اللاسلكي، وحفظ أسماء الشخصيات السياسية والعسكرية والاقتصادية السورية، وسافر إلى الأرجنتين عام 1961، استقبله فيها أحد الجواسيس هناك، وبقي سنة هناك يبني شخصيته الجديدة، وعُرف وسط الجالية العربية بحنينه للوطن “سوريا”، ولم يكن يفوت عليه حضور أي مناسبات يحضرها دبلوماسيون سوريون.
في عام 1962 وطأت قدم إيلي كوهين أو كامل أمين ثابت أرض دمشق، وبعد أقل من شهرين وصلت أولى رسائله إلى الموساد، وكان من المقرر أن يقوم بإرسال الرسائل مرتين في الأسبوع، وخلال مدة إقامته بدمشق بنى كوهين شبكة علاقات واسعة مع الضباط والسياسيين السوريين الذين كانوا يتحدثون بحرية عن ما يصلهم من أسلحة من الاتحاد السوفييتي، وخططهم في حال هاجمتهم إسرائيل، حتى استطاع كوهين تصوير مواقع التحصينات السورية في القنيطرة بواسطة ساعته عندما أخذه صديقه الضابط بزيارة لتلك المناطق.
بلغ مجموع رسائله إلى إسرائيل 29 رسالة خلال أربع سنوات، وفي آخر رسائله أبلغ إيلي كوهين قيادته في إسرائيل عن (اتفاق بين سوريا وأحمد الشقيري سياسي فلسطيني) لتدريب قوات منظمة التحرير الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: تيسير خلف: وثائق صهيونية بين يدي مؤرّخ فلسطيني.. علاقات سرّية بين الوكالة اليهودية وقيادات سورية
روايات متضاربة حول الكشف عن هويته الحقيقية
تضاربت الروايات حول الجهة التي كشفت هوية كامل أمين ثابت “إيلي كوهين” الحقيقية، فقد قدمت المخابرات السورية رواية اعتقاله بعد رصد إشارات لاسلكية غير معروفة ورصد رسالة مورس أثناء مرور سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن القومي السوري، ليقوم مسؤول الإشارة بالجيش السوري محمد وداد بشير بمداهمة سفارتين قريبتين من المبنى الذي يقطنه إيلي كوهين بعد طلب الإذن ومنها السفارة الهندية، وبعد التأكد من أن الإشارة لم تكن من السفارتين تم مداهمة المبنى الذي يقطنه كوهين ليتم إلقاء القبض عليه أثناء إرساله رسالة للموساد عام 1964.
لكن نشرت صحيفة هآرتس عن أرملة رفعت الجمال: فيلترود شيفلدت، تقول أن من تعرف على شخصية إيلي كوهين رفعت الجمال “رأفت الهجان” الجاسوس المصري لدى إسرائيل عند انتشار صورة لإيلي كوهين مع الفريق الأول علي علي عامر ومجموعة من قادة وضباط سوريين في مرتفعات الجولان السوري المحتل، إذ كان قد تعرف عليه في السجن أثناء تجنيده ليكون جاسوس لمصر.
ورواية أُخرى مصدرها الكاتب المصري محمد حسنين هيكل أوردها في كتابه “سنوات الغليان” وأعاد تأكيدها في سلسلة لقاءاته على قناة الجزيرة تقول أن اكتشافه كان عن طريق المصادفة إذ عرضت نفس الصورة على المخابرات المصرية التي تعرفت عليه فوراً نتيجة وجود سوابق له في مصر.
أما الرواية الإسرائيلية تقول أن سوريا تلقت آنذاك أجهزة كشف إرسال جديدة ومتطورة من الاتحاد السوفييتي، وهذه الأجهزة ساهمت في الكشف عن كوهين، بينما نشرت إحدى الصحف اللبنانية لقاء مع مدير المكتب الثاني السوري أحمد سويدان الذي أكد أن كوهين كان تحت المراقبة لمدة عام كامل.
إيلي كوهين أسطورة حقيقية أم تضخيم إعلامي
يحاول الإعلام الإسرائيلي إظهار إيلي كوهين على أنه أسطورة قدمت لإسرائيل الكثير عبر بروباغندا إعلامية، لكن الحقيقة أن معظم ما قدمه من رسائل كان غير مهم ولا يتجاوز الثرثرات، وبحسب تقارير إسرائيلية فإن الثقة الزائدة التي اكتسبها كوهين بقدرته على إخفاء هويته أوقعته بالفخ، إذ كان يرسل الكثير من الرسائل في السنة الأخيرة له قبل إلقاء القبض عليه، مما أدى إلى كشفه.
كما أن ما قام به كوهين لا يتعدى ما يقوم به أي جاسوس مدرب بالحد الادنى من التدريب، ونجاحه في البقاء لمدة أربع سنوات يعود إلى عدم الاستقرار الأمني لسوريا في تلك الحقبة، إذ كانت تعاني البلد من الانقلابات العسكرية والخلافات الداخلية بين القيادات التي مهدت لهذا الخرق الأمني، لذا ما تقوم به إسرائيل لا يتعدى الحرب النفسية التي تقوم على تضخيم العملاء وتصغير الأعداء، بالإضافة إلى توجيه رسالة للعملاء الحاليين في الدول المتواجدين بها أنها تهتم لأمرهم حتى في حال وفاتهم أو إلقاء القبض عليهم.
وبحسب قناة الجزيرة فإن شهادات العديد من المسؤولين السوريين آنذاك أكدت أن كوهين لم يستطع تكوين شبكة تجسس أو تجنيد أشخاص لصالحه، أو حتى التقرب من شخصيات سياسية عالية المستوى، وجل معلوماته كانت مبنية على تحليلات شخصية وأحاديث اجتماعية مع أصدقاء له، ومن هنا نكتشف زيف معلومة تشير إلى اجتماع كامل أمين ثابت “كوهين” بأمين الحافظ عندما كان ملحق عسكري في بيونس آيرس، وقد أكد الرئيس الأسبق أنه وصل الأرجنتين بعد خروج كوهين منها.
وتأكيداً للمعلومات السابقة، نفى إيلي كوهين في جلسة التحقيق الأخيرة يوم 3 مارس / آذار 1965 أن يكون قد تعرف على شخصيات سياسية أو عسكرية رسمية، مثل ميشيل عفلق أو صلاح البيطار، كما نفى زيارته للجبهة في الجولان أو مقابلة الفريق أول علي عامر (القائد المصري العام للقوات العربية الموحدة آنذاك) خلال زيارته لسوريا والجبهة أواخر عام 1964.
كما أن البروباغندا الإعلامية التي قامت بها إسرائيل بأن كوهين كان عضواً بمرتبة عليا في حزب البعث وأن له علاقات برئيس الوزراء صلاح الدين بيطار أو ميشيل عفلق وغيرهم من الشخصيات النافذة في سوريا آنذاك ليست صحيحة بحسب كتاب “حقائق لم تنشر عن الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين” الذي نشر عام 2001 لصلاح الدين الضللي، الذي ترأس المحكمة العسكرية التي تشكلت لمحاكمة كوهين، بالإضافة إلى المعلومات المضللة حول احتمالية ترأسه لسوريا أو أن يكون وزير دفاعها، مستغلة إسرائيل الاضطرابات الداخلية والتحولات السياسية التي كانت تعيشها سوريا.
معظم المعلومات المضخمة عن دور إيلي كوهين تم دحضها من قبل العديد من الكتاب الإسرائيليين والأمريكيين، ويمكن هنا ذكر الكاتب الإسرائيلي نوعام نحمان تافر صاحب كتاب “إيلي كوهين.. الملف المفتوح” الذي اكد فيه عدم أهمية المعلومات التي قدمها كوهين، كما أشار الكاتب الأميركي ويسلي بريتون معد بحث ملفات إيلي كوهين” إلى أن دور إيلي كوهين كان مبالغا فيه، ولم يزود إسرائيل بمعلومات مهمة”.
أفلام ومسلسلات عن سيرة حياة كوهين
تم إنتاج فيلمين يحكيان قصة إيلي كوهين بطرق عديدة، أول هذه الأفلام فيلم أمريكي يحمل اسم جاسوس المستحيل The Impossible Spy سنة 1987م، ومثّل دور كوهين جون شيا وصور في إسرائيل، أما الإنتاج الثاني كان مسلسل يحمل اسم الجاسوس The SPY في عام 2019 بثته شبكة نتفليكس ولعب دور البطولة فيه الممثل الكوميدي الإنجليزي ساشا بارون كوهين والممثلة الإسرائيلية هادار را تزون روتیم بدور زوجته نادية، من تأليف وإخراج جدعون راف، والعملين تغذيا على القصص والسرديات الإسرائيلية التي بالغت بدور كوهين في عمله كجاسوس بسوريا، كما أنها لجأت إلى معلومات مغلوطة ومتناقضة في طرحها يستطيع أي مشاهد اكتشافها، عدا عن اتباع أسلوب الطرح الفانتازي البعيد عن الواقعية.
كما تقول مصادر أن مسلسل باب الحارة بجزأيه الرابع والخامس تطرق إلى قصة الجاسوس إيلي كوهين تحت اسم مأمون بك ويكنى أبو كامل (مثل دوره الفنان فايز قزق) وهو جاسوس فرنسي كان يعمل في الأرجنتين وعاد للوطن ثريا ويدافع عنه وينقذ الكثير من الناشطين بعلاقاته مع أكبر قادة الجيش الفرنسي.
رفات كوهين والتشكيك بحصول إسرائيل على ملفه العام الحالي 2025
إلى الآن لم يعرف أين دُفن الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، وتقول المعلومات أن الأشخاص الذين كانوا يعرفون موقع رفاته محدودين وهم أمين الحافظ الرئيس السوري آنذاك، وحافظ الأسد قائد الدفاع الجوي والاثنان ماتا، بالإضافة إلى سعيد جاويش رئيس مجموعة المداهمة التي ألقت القبض على كوهين آنذاك والذي بالطبع لن يخبر عن مكان قبره بحسب قناة العربية، لكن بعد هذه المعلومة هل سنشاهد قريباً خبر معرفة مكان دفن كوهين ونقل رفاته إلى إسرائيل؟
من ناحية أُخرى شككت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي بخبر حصول الموساد على ملف إيلي كوهين الكامل من سوريا بعملية نوعية بالتعاون مع جهاز استخبارات صديق كما وصفته إسرائيل، متخذةً من استخدام كاميرا من طراز Canon PowerShot SX720 موديل عام (2015) في الفيديو الرسمي الذي عرضه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي للمواد المستعادة دليلاً، وبحسب تفسير الصحفي نضال معلوف أن الموساد يستخدم تكنولوجيا قديمة نسبياً في عملية حديثة لتوثيق المقتنيات، أم أن المقطع المصور نفسه قديم، ونُشر بالتزامن مع ذكرى إعدام كوهين، كما قال المكتب أنه من ضمن المقتنيات 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية وكذلك تم العثور على الحكم القضائي الأصلي الذي يقضي بإعدامه، والذي تضمن السماح لرئيس الطائفة اليهودية في دمشق، الراحل الحاخام نيسيم أندبو، بمرافقته وفقاً للتقاليد الدينية.
ربما في قادم الأيام تتكشف حقائق أُخرى عن كوهين استناداً إلى مقتنياته، وتضخيماً آخر لدوره في الصراع الإسرائيلي السوري، وربما نكون أمام اختراقات جديدة للدولة السورية من قبل إسرائيل لتثبيت انهيار الأمن القومي السوري في ظل التحولات السياسية الحاصلة الآن.
اقرأ أيضاً: اليهود السوريون.. هل يعودون حقاً إلى سوريا أم أنّها مجرّد أخبار جذّابة؟