تحديات كبيرة على أرض الواقع، وواقع صحي متردٍ، حوّل وزير الصحة الصحة السوري مصعب العلي إلى رجل مكوكي يجوب العالم لتقديم المساعدة لقطاعٍ يحتاجه كل سوري، لذا انطلق نحو جنيف وحضر اجتماع جمعية الصحة العالمية لعل وعسى أن يخرج منها بدعم دولي أكبر للقطاع الصحي.
خلال كلمته في الجمعية أطلق وزير الصحة مصعب العلي نداء لكافة الدول للوقوف إلى جانب سوريا وإعادة بناء نظام صحي شامل فيها، وشدد خلال كلمته على أهمية رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا في إفساح المجال للدول للعمل بحرية في البلد المهدم، وأكد أن إزالة العقوبات شكل نقطة تحول إيجابية ستنقذ حياة الملايين من البشر.
كما تحدث أمام أعضاء الجمعية عن حجم الضرر في قطاع الصحة والخطة التي وضعتها الوزارة لتحقيق تطور في هذا القطاع إذ قال: إن النظام الصحي تعرض لأضرار جسيمة خلال سنوات طويلة، وتراجعت الخدمات الطبية بشكل ملحوظ حيث إن حوالي 40 بالمئة من المشافي الصحية متوقفة عن العمل أو تعمل بشكل جزئي بينما اضطر العديد من العاملين في القطاع الصحي إلى المغادرة طلباً للأمان”.
وأضاف: “رؤية وزارة الصحة للتعافي التدريجي شاملة ترتكز على محاور عدة منها إعادة بناء وتأهيل البنية التحتية الصحية، وإعادة تأهيل ما لا يقل عن 200 مرفق صحي خلال الـ 18 شهراً المقبلة معتمدين على نظام لتصنيف المرافق بحسب درجة الضرر، ومستندين إلى مؤشرات الاحتياج والكثافة السكانية”.
تحدث وزير الصحة أيضاً عن جهود الوزارة لرفع مستوى الكوادر الطبية والعاملين في المرافق الصحية، والاهتمام بجانب التدريب والتأهيل المستمر لهذه الكوادر، مع الاهتمام أيضاً بإدخال الحوكمة في النظام القائم في وزارة الصحة، وتطوير سلاسل الأمداد وتطوير البنى التحتية.
والجدير بالذكر أن جمعية الصحة العالمية هي أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة الصحة العالمية، وتحدد سياسات المنظمة، وتوافق على ميزانيتها، وتشارك في جمعية الصحة وفود من جميع الدول الأعضاء في المنظمة، تتواصل أعمال الدورة الـ 78 لجمعية الصحة العالمية تحت شعار “عالم واحد من أجل الصحة”، وتستمر لغاية الـ 27 من أيار الجاري.
إنجازات وزارة الصحة رغم التحديات
بالرغم من الدمار الكبير إلا أن وزارة الصحة تعمل بكامل طاقاتها وإمكانياتها للنهوض بالواقع الصحي، ففي جسر الشغور بإدلب بدأت مديرية الصحة بالتعاون مع إدارة منطقة جسر الشغور والبلدية والدفاع المدني وعدد من منظمات المجتمع المحلي والفرق التطوعية بتوجيه العمل نحو إزالة الأنقاض استعداداً لتأهيل مشفى جسر الشغور.
أما في مشفى حماة الوطني، تم تأهيل قسم العناية المشددة من جديد وتزويده بكافة المعدات والتقنيات الحديثة والإعلان عن قدرته استقبال المرضى.
كما تم افتتاح مشروع “صندوق الجائحة” للتصدي للأوبئة والأمراض السارية والمعدية، وقامت فيه الوزارة بالتعاون مع ممثلين عن منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ووزارتي الطاقة والزراعة والإصلاح الزراعي لرصد الأوبئة ورفع مستوى المخابر والكوادر البشرية المختصة بهذا القسم.
وتعاونت وزارة الصحة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والجمعية الدولية لرعاية ضحايا الحرب والكوارث “الأمين” فقد أقاموا العديد من العمليات الجراحية المستعجلة في عدد من مشافي دمشق، كما دعوا المواطنين ممن لديهم حالات صحية مستعجلة إلى التوجه نحو هذه المشافي لتسجيل اسمائهم ومعالجتهم.
بالإضافة إلى لفت النظر نحو تكامل عمل وزارة الصحة مع وزارة التعليم العالي فيما يخص عمل المشافي الجامعية، وتعزيز خدماتها، مع إعادة تبعية هذه المشافي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
عدا عن الاجتماعات مع مسؤولي الصحة في كافة الدول القادرة على إحداث فرق في النظام الصحي السوري، وانتشاله من واقعه المدمر.
اقرأ أيضاً: وزارة الصحة تطلق البرنامج التخصصي لجراحة الأطفال
الواقع الصحي في سوريا
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 15 مليون شخص في سوريا بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية، بينهم ملايين السوريين النازحين داخليا، كما اتفقت رؤية المنظمة مع منظمة أطباء بلا حدود في أن الواقع الصحي بسوريا مدمر، وأن هناك الكثير من البنى التحتية من مشافي ومستوصفات مدمرة جزئياً أو كلياً، وبالرغم من بقاء القطاع الصحي واقفاً على قدميه في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام، إلا أنها كانت تعاني من نقص حاد في التمويل، والاجهزة الطبية الحديثة، وعدم قدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة من المواطنين.
كما أشارت منظمة أطباء بلا حدود إلى موضوع الفساد في قطاع الصحة، أن عدد الموظفين المسجلين رسمياً في وزارة الصحة السورية يبلغ 82 ألفاً، لكن العدد الفعلي للعاملين أقل بكثير، وذلك نتيجة تسجيل أشخاص وهميين كموظفين كانوا يشغلون وظائف غير حقيقية، وفي الواقع هم يعملون بأماكن، بالإضافة إلى تدني الرواتب للعاملين. فبحسب الطبيب أحمد مبيض، وهو خبير في تطوير الأنظمة الصحية، متوسط الرواتب للعاملين في القطاع الصحي يتراوح بين 30 و 40 دولار، والطبيب صاحب الاختصاص يكاد يصل مرتبه الشهري إلى 50 دولار أميركي فقط.
ولا بد هنا من تسليط الضوء على الواقع الصحي في الشمال السوري الذي بات مهدداً بالانهيار نتيجة سحب الدعم الأممي لعدد من المشافي والمستوصفات كمستشفى الرحمة في دركوش، إذ أكد طبيب في المشفى بتلقيهم خبر توقف الدعم عن المشفى وعدد من النقاط الطبية الأُخرى نتيجة نقص التمويل من منظمة الصحة العالمية WHO، وبالتالي توقف الخدمات يعني حرمان أكثر من 20 ألف مستفيد من الخدمات المجانية، وأكثر من 600 عملية جراحية كبرى كان يجريها المشفى للمرضى، وأكثر من 1200 عملية صغرى، وخلال الأسابيع القادمة ينتهي المخزون الاحتياطي لديهم، وهذا يعني تعرض الواقع الصحي في الشمال السوري للانهيار.
تأثير رفع العقوبات على الواقع الصحي
قبل اندلاع الثورة عام 2011 كانت سوريا مكتفية دوائياً، كما كانت تصدر الأدوية لما يقارب 17 دولة حول العالم، وكانت في منافسة مستمرة بينها وبين الأردن في تصدير الأدوية، أما الآن الإنتاج المحلي لا يكفي ربع الحاجة المحلية.
ومع رفع العقوبات عن سوريا تتوسع مجالات الحركة لإنقاذ ما تبقى من الواقع الصحي، وإعادة ترميم ما هو مدمر، فالآن ستزداد قدرة الدولة على استيراد الأجهزة والمعدات الطبية الحديثة وتزويد المستشفيات بها، بالإضافة إلى قدرتها على إبرام عقود التمويل وإعادة إعمار المستشفيات والمراكز الطبية في كافة المناطق، وتوسيع نطاق الرعاية الصحية وفتح المجال للتأمين الصحي بأن يشمل كل المواطنين.
ولا يمكن أن لا نتحدث عن استقلال النظام المالي وإعادة استخدام برنامج “سويفت” الذي يسرع من وتيرة العمليات المالية والتحويلات النقدية مما سيساهم في تحقيق نوع من الاستقرار المالي للعاملين في القطاع الصحي.
ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة إعادة تأهيل البنى التحتية الخاصة بالمنشآت الصحية، واستغلال الفرصة الذهبية التي منحتها الدول الغربية لسوريا في إعادة هيكلة المنظومة الصحية، وإبرام الاتفاقيات الدولية لجذب الاستثمارات في القطاع الصحي.
اقرأ أيضاً: جهود متواصلة لوزارة الصحة لدعم وترميم القطاع الصحي