الكاتب أحمد علي
إلى أين يمضي اللاجئ السوري حين تُغلق في وجهه أبواب البقاء، وتبدو العودة كرحلة بلا ضمانات، ويغدو البحر أقرب من برّ الأمان؟ ليس سهلاً على من اقتلعته الحرب من أرضه أن يجد وطناً بديلاً، ولا على من أُجبر على الهروب أن يقرر العودة بإرادته. منذ أكثر من عقد، شكّل اللاجئون السوريون في لبنان واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة، وتحول وجودهم إلى بند دائم على طاولة النزاع الداخلي والمفاوضات الدولية.
وفي وقت تتجدد فيه حملات الترحيل وتُعاد فيه معزوفة «العودة الطوعية» إلى الواجهة، تأتي زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت لتفتح باباً جديداً للنقاش. فهل ستكون هذه الزيارة منعطفاً نحو حلّ عادل، أم فصلاً جديداً في سياسة الضغط المتبادل؟ وهل يمكن للدبلوماسية أن تُقنع من هُدّدت حياته أو اعتُقل أقاربه بأن الطريق إلى الوطن آمن؟
اللاجئون السوريون: ما وراء العناوين الدبلوماسية لزيارة الشيباني
بحسب تصريحات رسمية لبنانية، ينتظر أن تفتح زيارة الشيباني المرتقبة إلى بيروت ملفات شائكة، أبرزها ضبط الحدود وإعادة اللاجئين السوريين. إذ أعرب نائب رئيس الحكومة اللبنانية، طارق متري، عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى «نقلة نوعية» في التعامل مع ملف اللاجئين، مؤكداً وجود خطة تنفيذية أعدتها السلطات السورية بالتعاون مع الأمم المتحدة، هدفها تسهيل العودة وتقديم حوافز للراغبين بها. لكن هذه الخطة تصطدم بواقع ميداني مليء بالثغرات والمخاوف، من الاعتقال إلى الفقر إلى الانهيار الكامل للبنية التحتية.
ثلاثة خيارات أمام اللاجئ السوري
مع تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في لبنان، يجد اللاجئ السوري نفسه محاصراً بثلاثة احتمالات مرة: البقاء في بلد لم يعد يرحب به، العودة إلى وطن لم يشفَ من جراحه، أو ركوب البحر بحثاً عن مصير مجهول.
وفي وقت سابق، استؤنفت عمليات ما يسمى بـ«العودة الطوعية» تحت إشراف الأمن العام اللبناني، مستهدفة قرابة 2500 لاجئ. غير أن ما يجري على الأرض يوصف من قبل منظمات حقوقية بأنه ترحيل قسري بغطاء قانوني، حيث تُنفّذ مداهمات مفاجئة، وتُعتقل عائلات، وتُرحَّل دون أي ضمانات، بينما تتكفل شبكات التهريب بإعادة بعضهم مقابل مبالغ مالية.
يروي اللاجئ مصطفى أبو حسنة، وهو خريج العلوم السياسية، كيف تحولت محاولته الحصول على إقامة قانونية في لبنان إلى جحيم بيروقراطي، وُوجه فيه بالرفض، والسخرية، ومماطلة استمرت لسنوات، لم تفضِ إلا إلى قرار ترحيل. الأمر ذاته يتكرر مع مئات اللاجئين الذين يواجهون شروطاً تعجيزية للإقامة أو العمل، تُرسم بعناية لإبقائهم في دائرة التهديد المستمر.
وفي حديثه حول الأمر، يعترف الخبير التنموي أديب نعمة بأن اللاجئين السوريين باتوا كبش فداء للأزمات اللبنانية المتلاحقة. ورقة سياسية بامتياز، تُستخدم لتبرير العجز والفشل، تماماً كما استُخدمت سابقاً قضية اللاجئ الفلسطيني. ويؤكد أن أزمة لبنان ليست بسبب اللاجئين بل نتيجة انهيارات بنيوية، بعضها بدأ مع الحرب السورية، لكن أغلبه يعود إلى السياسات الداخلية الفاسدة على حد تعبيره.
ويضيف أن العمالة السورية ساهمت في تحريك الاقتصاد اللبناني الهش، من الزراعة إلى التصنيع وحتى التجارة والخدمات، وهي عمالة غالباً ما تُستغل في غياب أي حماية قانونية حقيقية.
تضليل بالأرقام وتجاهل الحقائق
يوضح نعمة أن الأرقام المتداولة عن عدد اللاجئين تعاني من تضخيم متعمد. فالرقم الرسمي اللبناني (مليون ونصف لاجئ) لا يستند إلى إحصاء علمي، بل يعارضه تقدير أقرب للواقع (800 ألف). كما أن السلطات اللبنانية رفضت إجراء إحصاء شامل رغم توفر التمويل والخبرات، ما يدل على رغبة واضحة في إبقاء الملف رهينة للمصالح السياسية.
لكن رغم كل الضغوط، لا تبدو العودة الجماعية للاجئين السوريين واقعية في الوقت الراهن. فالوضع في سوريا ما زال يعاني من أزمات عميقة على كافة المستويات. البنى التحتية مدمرة، الاقتصاد منهار، والخدمات شبه معدومة.
ووفي حديث لها، قالت المحامية والناشطة مجدولين حسن: «لا عودة آمنة أو طوعية إلا بوجود عملية سياسية، وعفو شامل، وإعادة إعمار حقيقية، وكل ذلك غير متوفر». فهل يُعقل أن نعيد الناس إلى بلد تحكمه ميليشيات، وتحتله قوى خارجية، ويعيش فيه المواطن تحت خط البقاء؟ تسأل «حسن» بصيغة استنكارية..
دانية الخطيب: اللاجئ ورقة مساومة
في تحليلها للمنظور الإقليمي والدولي للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين، ترى الباحثة الاستراتيجية ومديرة مركز «RCCP» للدبلوماسية المجانبة، دانية قليلات الخطيب، أنّ الأزمة تجاوزت كونها قضية إنسانية، وتحولت إلى أداة في لعبة المصالح. وتوضح في تصريحها: «إنّ التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين في لبنان يجري من زاوية ضيقة تخدم الأجندات السياسية الداخلية، لا من منطلق إنساني أو قانوني. اللاجئون باتوا شماعة تُعلّق عليها الطبقة السياسية فشلها، فيما تُدار المفاوضات مع النظام السوري والأوروبيين كأنها سوق مساومات، يُقدَّم فيها الإنسان كورقة للربح السياسي والمالي».
وتتابع: «إذا كان الأوروبيون يدفعون المال مقابل إبقاء اللاجئين في لبنان، فالسؤال الحقيقي يجب أن يكون: لماذا لا يُستخدم هذا المال لتحسين ظروفهم أو لدعم العودة الآمنة تحت إشراف دولي مستقل؟»، مؤكدة أن «الملف سيبقى رهينة الابتزاز المتبادل ما لم يتم وضع معايير عادلة وواضحة تؤسس لحل جذري يبدأ من الداخل السوري».
اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون محور لقاء الوزيرة قبوات مع نظيرتها اللبنانية
ختاماً، وفي ظل غياب الحلول الحقيقية، يبدو واضحاً أن معاناة اللاجئين تُستخدم كورقة تفاوض بيد الحكومات. فالأوروبيون يدفعون للبنان ليحتفظ بهم، ولبنان يبتزهم بمشهد الانهيار، وسوريا تفتح ذراعيها إعلامياً فقط.. وفي هذا المسرح السياسي، يبقى اللاجئ السوري الحلقة الأضعف… يعيش تحت التهديد، يهرب من الطرد، ويخاف من العودة، دون أن يجد ملاذاً يحفظ له كرامته أو مستقبله.