أعمال واستثمار

هل تنقذ ضريبة 10% الصناعة السورية أم تعمّق الأزمات؟!

الكاتب: أحمد علي

قرارٌ جديد طرق أبواب المصانع السورية، وفيما يبدو سيعيد ترتيب دفاتر الحسابات على طاولة المدير المالي. لوهلةٍ. قد يبدو الرقم صغيراً، لكنه في الواقع سيختبر أعصاب قطاعٍ عركته الحرب وانقطاعات الطاقة وتقلّبات الأسعار. نتحدث هنا عن ضريبة 10% على الصناعيين في سوريا، فهي شعارٌ جديد يتقدّم على لافتة إصلاحٍ ضريبي واسع تعد به الحكومة: كبح ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، واستبدالها بضريبة مبيعات، وإعفاءات للمنشآت المتضرّرة، وشراكة معلنة مع غرف الصناعة. فهل نحن أمام جرعة إنعاشٍ لخطوط الإنتاج، أم وصفةٍ ناقصة لا تضمن الشفاء؟

ما الذي تعنيه ضريبة 10% على الصناعيين فعلاً؟

أعلنت وزارة المالية أن الضريبة على أرباح الصناعيين ستُحدَّد عند 10% ضمن النظام الضريبي الجديد، مع إعفاء كامل للمنشآت المتضرّرة حتى إعادة تأهيلها. كما أكّد الوزير محمد يسر برنية أن 25% من حصيلة «ضريبة المبيعات» المستحدَثة (البديلة لضريبة الإنفاق الاستهلاكي) ستوجَّه مباشرةً لدعم الصناعة والتصدير، وأن لجنةً مشتركة ستراجع التعرفة الجمركية وسياسات المنع والمنح بما يراعي ملاحظات الصناعيين.

وهذه العناصر تبلورت خلال اجتماع الهيئة العامة لغرفة صناعة دمشق وريفها مطلع تشرين الأول الجاري. وبحسب التصريحات الرسمية، فإن الهدف من هذه الإجراءات هو تحفيز الإنتاج وزيادة الصادرات التي تراجعت 90% منذ 2010.

وتذهب التحضيرات أبعد من ذلك؛ فملامح مسوّدة قانون الدخل الجديد تتّجه نحو هيكل مبسّط بمعدلات ثابتة: 10% لقطاعات «أولوية» منها الصناعة، و15% لبقية القطاعات، مع حدّ إعفاء مرتفع للأفراد، وإلغاء جزء من الرسوم والملحقات التي تراكمت زمن الحرب. وهذا التصوّر ورد تفصيلاً في تحليلٍ فني حديث ومواد إعلامية تستند إلى المسودّات المنشورة والمشاورات الجارية.

بين التعافي والعبء المالي: المعادلة المعقّدة

السياق الكلي/العام لا يقل أهمية عن نسب الضرائب التي يتم الحديث عنها، ومن المهم أخذه بعين الاعتبار لدى تحليل ونقاش الأمر. فوفق تقييمٍ حديث للبنك الدولي، ينطلق الاقتصاد السوري في 2025 من قاعدة ضعيفة للغاية بعد انكماشٍ في 2024، مع توقّع نموٍّ طفيف لا يتجاوز 1% هذا العام؛ عوامل القيود على السيولة، وتعثّر المساندة الخارجية، وتحديات الطاقة، تجعل أي إصلاح ضريبي محكوماً بحدود الواقع. (تناولنا في «سوريا اليوم 24» ذلك بالتفصيل: بالأرقام التفصيلية: ما الذي يكشفه تقرير البنك الدولي الجديد حول سوريا؟).

من زاوية المالية العامة، يرى محلّلون اقتصاديون أن الانتقال إلى «10–15%» كضريبة شركات موحّدة من الأدنى إقليمياً قد يجذب رأس مال جديد ويقلّص التهرّب عبر التبسيط، لكنه يهدّد بتقليص الحصيلة في اقتصادٍ قاعدته الضريبية منكمشة. وفي هذا الإطار، يحذّر خبير السياسات كرم شعار من أن بلداً غير نفطي وبموارد عامة محدودة قد يجد نفسه يعتمد على «حفنة من الشركات» لتمويل الخزينة، ما يفاقم هشاشة الإيرادات من وجهة نظره.

وتلتقي هذه المخاوف مع قراءة نقدية نشرتها منصة The Syria Report معتبرةً أن خفض الضرائب على الشركات والأفراد، رغم تقديمه كخطوة «صديقة للأعمال»، قد يتعارض مع احتياجات التنمية في هذه المرحلة إن لم يُرفَق بسياساتٍ تصحيحية للهيكل الإنتاجي والمالي على حدّ تعبير المنصة.

ماذا يقول الصناعيون والخبراء داخل سوريا؟

خلال الاجتماع السنوي لغرفة صناعة دمشق وريفها، طُرحت مطالب مباشرة: حماية المنشآت، إعفاء خطوط الإنتاج من الرسوم، تقليص أعباء الكهرباء والفيول والغاز، وتعليق بعض التشريعات التي تُثقل الكلف، إلى جانب إدماج ممثلي الغرف في اللجان التي تراجع التعرفات الجمركية وقوائم المنع. ووزارة المالية من جهتها قدّمت رسالة «شراكة» وتعهدت بالحوار قبل أي قرار لاحق.

أمّا على مستوى أدوات السياسة، فيبرز مشروع «ضريبة المبيعات» كمعادلٍ محاسبي لإلغاء ضريبة الإنفاق الاستهلاكي. تنص مسودّته على تمكين وزير المالية من تعديل المعدّل سنوياً بمرسوم بعد موافقة الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، ضمن سقوف محدّدة، ما يمنح السياسة الضريبية مرونةً سريعة الاستجابة ولكن يفرض في المقابل متطلبات شفافية ورقابة مؤسسية كي لا تتحول المرونة إلى تقلبٍ مربك للتكاليف.

كيف يمكن أن تؤثّر ضريبة 10% على الصناعيين في قرارات الاستثمار والتشغيل؟

على الورق، يخلق معدلٌ منخفض وواضح على أرباح الصناعة حافزاً لتوسيع القاعدة الإنتاجية، خصوصاً مع وعود الإعفاء للمنشآت المتضرّرة وتوجيه ربع حصيلة ضريبة المبيعات للدعم المباشر. لكن جاذبية «النسبة» تتحوّل إلى قرارات فعلية عندما تتكامل مع عناصر أخرى: انتظام التغذية الكهربائية، أسعار طاقة متوقَّعة، توافر تمويل تشغيلي، وإدارة جمركية تقلّص منافسة المستوردات غير النظامية.

هنا تبدو اللجنة المشتركة لمراجعة التعرفة الجمركية و«المنع والمنح» عنصراً بالغ الترابط مع فاعلية التخفيض الضريبي، فغياب حماية منضبطة قد يبدّد أي أثر إيجابي على التنافسية، بينما حماية مفرطة قد ترفع الأسعار وتحدّ من الجودة وفق ما يرى البعض.

ومن جهة الامتثال، يراهن الإصلاح على الرقمنة (فواتير إلكترونية، إقرارات رقمية، محاكم ضريبية متخصصة) لخفض التقديرات «الشقية» وإقناع المكلّفين بالتصريح الذاتي. إذ يلفت خبراء محليون إلى أن أتمتة الإدارة الضريبية هي المدخل لبناء الثقة وتقليص التهرب، ما يجعل «10%» فعلياً ومردودها قابلاً للتحقّق، لا حبراً على ورق.

سيناريوهان متقابلان: نهضة مُدارة أم فجوة تمويلية؟

الأوّل، سيناريو النهضة المُدارة: إذا صُمِّم صندوق دعم الصناعة (من 25% من حصيلة المبيعات) وفق معايير شفافة قابلة للتقييم، وجرى توجيهه لخفض كلف الطاقة والتصدير والتقنية في القطاعات ذات القيمة المضافة القابلة للتصدير، فقد تحفّز ضريبة 10% على الصناعيين استثماراتٍ متدرجة تعيد تشغيل العمالة وتوسّع القاعدة الضريبية نفسها على المدى المتوسط. وتَكَامُل هذه الخطوات مع تبسيط الامتثال والرقمنة قد يعزّز الإيرادات رغم انخفاض المعدلات.

أمّا السيناريو الثاني، فهو سيناريو الفجوة التمويلية: بحال لم تُعالَج اختناقات الطاقة والتمويل وسلاسل الإمداد، ولم تُحكَم مكافحة التسرّب الجمركي والتهريب، فقد لا تتشكل أرباحٌ تُذكَر تُفرَض عليها «10%». عندها سيزداد اعتماد الموازنة على دائرة ضيقة من الشركات الكبيرة، بينما تتراجع الحصيلة الإجمالية كما حذّرت بعض التحليلات المستقلة.

ووفق هذه التحليلات، يتضاعف الخطر إذا تزامن ذلك مع بطء نمو الناتج وتذبذب أسعار الطاقة، ما يعيد إنتاج العجز الهيكلي ويقزّم أثر أي خفضٍ ضريبي.

أين تقف العدالة الضريبية؟

إلى جانب ذلك، يطرح النظام الجديد سؤال العدالة: هل من الإنصاف مساواة معدل ضريبة على «شركة كبرى» وآلاف الورش الصغيرة؟ مسودّة الدخل ـ كما عُرضت إعلامياً ـ تتبنّى بنيةً موحّدة مع حسومات وحدود إعفاء مرتفعة للأفراد وإعفاءات واسعة للزراعة وتوزيعات الأرباح، وهو ما يشجّع الاستثمار لكنه قد يضيّق هامش إعادة التوزيع الاجتماعي إذا لم تتولَّ الدولة سدّ الفجوة عبر ضرائب أخرى أكثر تقدّمية أو عبر كفاءة إنفاق أعلى.

وهذا الجدل طرحته مقالات تحليلية تناولت الفلسفة الكامنة خلف «التبسيط والمواءمة الاستثمارية» مقابل مقتضيات العدالة والتمويل العام.

الخلاصة: خطوة ضرورية… غير كافية وحدها

في ختام الحديث، واستناداً إلى السابق ومجمل التحليلات والرؤى، يمكن القول إن ضريبة 10% على الصناعيين ليست عصاً سحرية، لكنها جزءٌ قابل للتفعيل في حزمةٍ أوسع: رقمنةٌ تقلّص التهرّب، طاقةٌ مُدارة التكلفة، سياسةٌ جمركية ذكية، وتوجيهٌ منضبط لدعم الإنتاج والتصدير. نجاحها يتوقّف على تحويل الشراكة المعلنة مع غرف الصناعة إلى آليات تشاركية تقيس الأثر وتعدّله، لا إلى شعارات.

ومع واقعٍ اقتصادي هشّ ومصادر تمويل محدودة، يصبح ضبط التوازن بين «جاذبية الاستثمار» و«استدامة الإيرادات» شرطاً لئلا ينقلب الخفض إلى فجوةٍ تُهدِّد الخدمات العامة والقدرة على التعافي. والطريق مفتوح، لكن بكلمة أخيرة نقول: إن الامتحان الحقيقي سيجري على خطوط الإنتاج… وفي أرقام الموازنة في آنٍ معاً.

اقرأ أيضاً: صادرات سوريا نمو حقيقي أم عجز.. ماذا بقي من الاقتصاد في العام 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى