في لحظة يجري فيها الضغط من الأوساط السياسية الغربية وتحديداً الأمريكية لخطوات من الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع تجاه الانخراط في الجهود الدولية للقضاء على بقايا تنظيم «داعش»، جاءت الأحداث لتذكر الجميع بأن خطر التنظيم لا يزال حاضراً في قلب المدن السورية.
في حي الجزماتي الواقع بشرق حلب، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الأجهزة الأمنية السورية وخلايا نائمة تابعة للتنظيم الإرهابي، في مشهد يعيد إلى الأذهان فصولاً دامية من الحرب.
عملية خاطفة ضد داعش
البداية كانت بإطلاق نار على مقر أمني في حي الجزماتي، أودى بحياة أحد عناصر قوى الأمن العام. لم تمضِ ساعات قليلة حتى بدأت وحدات أمنية تابعة لمديرية أمن حلب، وبالتعاون مع الاستخبارات العامة، بتنفيذ مداهمة دقيقة لوكر تابع للتنظيم. وأدت العملية إلى مقتل أحد أفراد الخلية واعتقال أربعة آخرين، بينما أعلنت وزارة الداخلية عن مصادرة أسلحة وعبوات ناسفة وأزياء أمنية مزورة، استخدمها المسلحون في محاولاتهم للتمويه.
استنفار أمني واسع وتحركات نوعية
تزامناً مع الاشتباكات، رفعت الأجهزة الأمنية من مستوى التأهب في مدينة حلب، وشهدت شوارع الحيدارية والجزماتي انتشاراً واسعاً للحواجز ونقاط التفتيش المؤقتة. كما وصلت مؤازرة من وزارة الدفاع السورية مدعومة بمصفحات وأسلحة ثقيلة، وسط حالة من القلق الشعبي وترقب لما ستؤول إليه العملية الأمنية، التي وصفتها الجهات المختصة بأنها خطوة استباقية لمنع توسع نفوذ التنظيم مجدداً.
تنظيم «داعش» يرد عبر إعلامه
ردّ تنظيم «داعش» لم يقتصر على الاشتباك المسلح، بل سارع عبر منصته الإعلامية «النبأ» إلى توجيه انتقادات لاذعة للرئيس السوري أحمد الشرع. في افتتاحية حادة، اتهم التنظيم الرئيس بـ«التفريط بالشريعة» و«الانحياز للديمقراطية» في مواجهة ما وصفه بـ«التوحيد»، في إشارة إلى رفضه الكامل لأي انخراط من الدولة السورية في تحالفات دولية ضد الإرهاب.
رفع العقوبات وعودة العلاقات
يأتي هذا الحدث الأمني في وقت يشهد تغيّراً لافتاً في العلاقات الدولية تجاه دمشق. ففي العاصمة السعودية الرياض، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره السوري بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر تقنية الفيديو. اللقاء وُصف بالتاريخي، خصوصاً بعد إعلان ترامب قراراً برفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ سنوات طويلة. وقال الرئيس الأميركي إن هذه الخطوة تهدف إلى منح السوريين «فرصة للنمو والازدهار»، بعد أن تسببت العقوبات السابقة بـ«شلل اقتصادي».
الخطر لا يزال قائماً
رغم العمليات الأمنية في المدن، لا تزال خلايا «داعش» تنشط في مناطق البادية السورية الممتدة بين محافظات حمص والرقة وحماة ودير الزور. ويستفيد التنظيم من الطبيعة الجغرافية الوعرة لتلك المناطق للاختباء وإعادة تنظيم صفوفه، بينما تسعى القوات السورية وحلفاؤها إلى شن عمليات تمشيط دورية بهدف تقليص نفوذه.
وفي سياق متصل، كانت السلطات السورية قد أعلنت في كانون الأول 2024 عن إحباط هجوم وشيك على مقام السيدة زينب في دمشق واعتقال أفراد خلية إرهابية تابعة لـ«داعش». وفي شباط 2025، تم اعتقال شخص يُعرف بـ«أبو الحارث العراقي»، المتهم بالوقوف وراء عدة محاولات اغتيال، من بينها التخطيط لهجوم على المقام الديني ذاته، ما يدل على استمرار التنظيم في استهداف الرموز الدينية ذات الحساسية العالية.
رسائل من الميدان
ختاماً، تؤكّد الأحداث الأخيرة في حلب أن المعركة ضد الإرهاب في سوريا لم تنتهِ بعد، رغم التحولات السياسية والدبلوماسية الكبرى. فـ«داعش» لا يزال قادراً على إرباك المشهد الأمني عبر خلاياه النائمة، بينما تسعى الحكومة السورية إلى إثبات جدارتها أمام المجتمع الدولي كشريك فاعل في الحرب على الإرهاب.
اقرأ أيضاً: لماذا تعود «داعش» إلى الواجهة الآن؟